الوقت- يبدو أن آل خليفة متيقنون من هزالة حكمهم ومشاكله التحتية، ذلك أنهم تارةً محمية أمريكية، وآخرى تابعية سعودية، واليوم يحاول هؤلاء تثبيت حكمهم من خلال ترسيخ العلاقات مع الإسرائيليين، ضمن معادلة عجيبة، فكيف يمكن لكيان مؤقت وزائل، أن يثبّت كيانًا قائما على السرقة والقمع، بالنظر إلى تاريخ آل خليفة وخلفية حكمهم للبحرين.
تنشط العلاقات بين نظام آل خليفة في البحرين وبين الكيان في وتيرة متسارعة. بعد عامين من تطبيع العلاقات بدأت أولًا بالاتفاقيات الأمنية، التي أتاحت كامل الأراضي البحرينية للإسرائيليين، وصلت حدّ إشراف الإسرائيلي على الانتخابات الصورية التي حصلت، واستُكمِلت بمفاوضات للتوصل إلى اتفاقيات تجارة حرة، تصبّ في مصلحة الطرف الإسرائيلي، وأصبحت المنتجات الإسرائيلية بموجبها، متاحة في الأسواق البحرينية من دون وضع إشارة عليها كما تفعل دول الاتحاد الأوروبي. واليوم تنتقل علاقات التطبيع إلى مستوى أعلى، يتمثّل بشراء جزيرة خاصة كما أعلنت السلطات البحرينية، دون أن يُعلَم كيف انتقلت ملكيتها من العام إلى الخاص، وبأي حق تُعطى جزيرة كاملة لأحد الأشخاص، ولماذا أصبحت سواحل البحرين تباع بالمزادات.
نقل السيادة على الجزيرة لإسرائيل
قالت مواقع إخبارية باللغة العربية إن تي في 7 إسرائيل نيوز أفادت بأن شركة همنوتا الإسرائيلية، المملوكة للصندوق القومي اليهودي اليميني المتطرف، اشترت جزيرة خاصة بمساحة 9554 مترًا مربعا مقابل 21.5 مليون دولار في مزاد. وهي جزيرة سكنية ومناسبة لمشاريع استثمارية ذات طبيعة خاصة، نقلاً عن مصدر داخل الشركة، قال إنه يمكن إقامة ناطحات سحاب في الجزيرة ويمكن استخدامها لإجلاء الإسرائيليين في حالة الحرب. وحسب التقرير، قال أفيري شناير، ممثل حزب أزرق أبيض في مجلس إدارة الشركة، إن محادثات ستجرى مع النظام البحريني "الصديق" لنقل السيادة على الجزيرة إلى إسرائيل.
على الرغم من حذف تقرير TV7 Israel News على الفور دون توضيح، إلا أنه أثار غضبًا بين النشطاء البحرينيين ومستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي الذين أعربوا عن قلقهم من أن البيع هو مقدمة لاحتلال أرض عربية أخرى. قالت الناشطة البحرينية في مجال حقوق الإنسان مريم الخواجة في تغريدة: "ظهرت تقارير (نشرتها الأخبار الإسرائيلية ثم حذفت) تفيد بأن إسرائيل اشترت جزيرة في البحرين - أفضل وصف لها بأنها توسع استعماري - من أسرة حاكمة أجنبية احتلت البحرين بالعنف وحكمتها بعنف منذ ذلك الحين".
سابقة تاريخية في الدول العربية
لا يمكن اعتبار اتفاق التطبيع بين حكومة آل خليفة والكيان المؤقت مفاجئًا. وإنما هو النهاية الطبيعية لمسار سري ظهر القليل منه إلى العلن على مدى عقود، وذلك في مختلف المجالات الثقافية والرياضية والعلمية والطبية والاقتصادية والعسكرية في حلقة مترابطة. حيث مهدت المجالات الحياتية للمجالات الأمنية والعسكرية بشكل سلس. وهو الحال مع كل الدول العربية التي تمهّد الأرضية الثقافية لشعوبها استعدادًا للتطبيع العلني. إلا أنّ الجديد الذي أبدعته حكومة آل خليفة، هو بيع الأراضي البحرينية، والأعجب هو الموافقة على التخلي عن السيادة عليها! يمكن استيعاب أن تقوم الدولة ببيع أراضٍ لأجانب، مع إبقاء سيادتها من حيث القوانين والضرائب وغيرها على الأرض، لكن ما لا يمكن استيعابه، هو بيع السيادة الكاملة، فيما يبدو أنه سابقة تاريخية لم تحصل حتى في فلسطين. فالأراضي التي تمّ بيعها لليهود قبل إعلان ما تسمى الدولة اليهودية، لم تكن على المستوى الرسمي للحكومات، بل كانوا أفرادًا يبيعون أفرادا، وكان الاحتلال أمرًا واقعًا بعد تلك الفترة.
مكان استراحة للمستوطنين
حقيقة أن السلطات الصهيونية قالت إنها تستطيع نقل مواطنيها إلى هذه الجزيرة في أوقات الأزمات تشير إلى أن النظام الصهيوني يحاول توطين بعض الصهاينة في هذه الجزيرة بسبب انعدام الأمن في الأراضي المحتلة. هذا فيما تصاعد التوتر بين الجيش الصهيوني والفصائل الفلسطينية في الضفة الغربية في الأشهر الأخيرة، وقتل عشرات المستوطنين في عمليات استشهادية فلسطينية. لذلك تحاول تل أبيب الاستيلاء على هذه الجزيرة من خلال توطين مئات الإسرائيليين فيها، وهذا جزء من مشروع التنمية الإقليمية الصهيونية، وهدف إنشاء الصندوق اليهودي، أي المالك الرئيسي لجزيرة البحرين، هو شراء الأراضي وتطويرها من أجل الصهاينة.
إن شراء الجزر من الدول العربية هو استمرار للسيناريو نفسه الذي حدث في الأرض الفلسطينية قبل مئة عام، واحتلال اليهود أراضيهم بعد ثلاثة عقود بشراء أجزاء من العقارات الفلسطينية، ويتم اتباع المشروع نفسه في الدول العربية. إن الكيان الصهيوني كان مهتمًا دائمًا باحتلال "النيل إلى الفرات" وتطبيع العلاقات وشراء الأراضي من العرب هو مقدمة لتحقيق هذه الخطة الخطيرة.
إن التواجد في جزيرتي تيران وصنافير، اللتين من المفترض أن تسلمهما مصر للسعودية بموجب الاتفاقيات، يتم بهدف التأثير على الأراضي العربية. لأن قادة تل أبيب يسعون إلى تطبيع العلاقات علنًا مع السعوديين، وإذا كانت هذه الجزر الفريدة في أيدي السعوديين، فيمكنهم تنفيذ خططهم بشكل أفضل في هذه المناطق. وفي هذه الأيام، أصبحت المستوطنات الصهيونية في مرمى النيران المباشر للفلسطينيين، وأصبحت الأراضي المحتلة أكثر انعدامًا للأمن يومًا بعد يوم، ومثل هذه الجزر هي أفضل مكان للاستيطان، ما يضمن أمن الإسرائيليين.
وبينما أعطت البحرين هذه الجزيرة السكنية للمحتلين من أجل رفاهية الصهاينة وسلامتهم، فإنها لم تفعل شيئًا بعد للفلسطينيين الذين فقدوا منازلهم وتشردوا بسبب جرائم المحتلين، وحتى أن صمت الوسطاء العرب الآخرين في مواجهة هذه الجرائم والاستسلام للتطبيع المخزي، جعل النظام الصهيوني يقتل المزيد من الفلسطينيين.
أغراض أمنية
بالنظر إلى أن الكيان الصهيوني يشعر بالتهديد من الدول الإسلامية ويرى وجوده في خطر، فإنه يحاول مراقبة جميع تحركاتهم من خلال التواجد المباشر على التراب العربي. ويمكن أن تكون الجزيرة البحرينية مكانًا مناسبًا لجواسيس الموساد الأمني لدفع خططهم الأمنية عن طريق تحويل هذا المكان إلى مركز مراقبة في الخليج الفارسي والتجسس على المشيخات وإيران. إن التواجد الكبير في جزيرة سقطرى في جنوب اليمن، والذي يتم تنفيذه بمساعدة الإمارات، جزء من هذا المشروع الأمني.
من ناحية أخرى، على الرغم من أن سلطات تل أبيب قامت بتطبيع علاقاتها مع بعض الدول العربية، ولكن بسبب حساسية الرأي العام، فإنها لا تستطيع بسهولة عقد اجتماعاتها الأمنية والسياسية مع قادة التصالحية العربية، ولهذا السبب، فإن هذه الجزيرة يمكن أن تكون مخبأ آمنا لعقد اجتماعات سرية للصهاينة لتطوير علاقاتهم وراء الكواليس مع المشايخ بعيدا عن أعين الناس ووسائل الإعلام. ومؤخرا، عقد في المنامة لقاء سري بين مسؤولين بحرينيين ورئيس أركان الجيش الإسرائيلي، لم يكن من المفترض، حسب الصهاينة، الإعلان عنه، لكن صور الاجتماع نُشرت دون قصد في وسائل الإعلام البحرينية. لذلك، تحاول سلطات تل أبيب عقد هذه اللقاءات سراً وفي منطقة آمنة قدر الإمكان من أجل تقليل حساسية الرأي العام في العالم العربي، لأن تل أبيب تخطط لتطوير تعاونها الأمني مع المشايخ. وعلى الرغم من أن مشايخ العرب يحاولون دعم الكيان الصهيوني في الخليج الفارسي من خلال بيع الجزر من أجل ضمان أمنهم، إلا أن وجود الصهاينة في المنطقة لا يضمن فقط أمن العرب، ولكن أيضًا بسبب مغامرات تل أبيب وإثارة التوترات مع إيران وجماعات المقاومة، سيزداد عدم الاستقرار وانعدام الأمن في منطقة الخليج.