الوقت - فتور جديد تشهده العلاقات المعقدة بين الجزائر وفرنسا إثر هروب الطبيبة أميرة بوراوي إلى باريس، في أزمة جديدة تهدد بعودة العلاقات بين البلدين إلى المربع صفر بعد انفراجة لم تدم طويلا.
حيث قال وزير الاتصال الجزائري محمد بوسليماني، إن “قضية الإجلاء غير القانوني للمدعوة أميرة بوراوي أسقطت الأقنعة”، لافتا إلى متانة العلاقات مع تونس.
وفي تصريح للإذاعة المحلية، قال بوسليماني إن الرأي العام الجزائري اتضح له وجود أشخاص “يطبقون أجندات أجنبية من أجل ضرب استقرار الجزائر”.
وعن الناشطة بوراوي، التي تمكنت الأسبوع الماضي، من مغادرة الجزائر عبر الحدود مع تونس، والهروب إلى فرنسا، قال الوزير الجزائري إن “بوراوي كانت في الصفوف الأولى التي استهدفت جرّ الشباب الجزائري إلى التهلكة وتخريب البلاد”.
وأضاف إن “الصحافة الفرنسية ومنذ سنوات وهي تحاول ضرب مؤسسات الدولة الجزائرية”. وخاصة “مؤسسة رئاسة الجمهورية ومؤسسة الجيش الوطني الشعبي”.
وقال إن هناك أطرافا “حاولت استغلال قضية العار للهاربة بوراوي لزعزعة العلاقات المتينة والأخوية بين الجزائر وتونس”. وهو “ما تفطن له رئيس الجمهورية (عبد المجيد تبون)، الذي حرص على تأكيد قوة العلاقة بين الشعبين الجزائري والتونسي وبين سلطات البلدين”.
ووصف الوزير الجزائري علاقات بلاده بتونس بأنها “متينة، ولن تزعزعها مثل هذه الشطحات الإعلامية”.
ويستبعد المحلل الجزائري، علي ربيج، في حديث أن يؤثر حادث سماح ، أميرة بوراوي، بمغادرة تونس في توتر العلاقات بين البلدين، مشيرا إلى أن الرئيس الجزائري نفسه غرد على تويتر مطالبا بتسهيل عبور التونسيين من المعابر إلى الحدود الجزائرية.
ولا يتوقع المحلل أن تتأثر العلاقات بين تونس والجزائر، مستدركا أنه مع ذلك قد تكون هناك مراجعات للإجراءات الأمنية وإجراءات عبور الحدود.
أما عن العلاقات الجزائرية الفرنسية يرى العديد من المحللين أنه بعد أسابيع من هدوء التوتر تجد فرنسا من جديد نفسها في أزمة مع الجزائر بعد منحها الحماية لصحفية جزائرية ونقلها من تونس.
و كان رد الفعل الجزائري غاضب جداً ، ووصل إلى حد استدعاء البلد العربي سفيره من باريس للتشاور، متهما دبلوماسيين فرنسيين بـ"إجلاء سري لإحدى الفارات من العدالة الجزائرية"، وهو ما يعد انتهاكا للسيادة.
وقال بيان للرئاسة الجزائرية إن الرئيس "عبدالمجيد تبون"، "أمر باستدعاء سفير الجزائر بفرنسا، السيد سعيد موسي، فورا للتشاور"، مشيرا إلى أن الجزائر أعربت في "مذكرة رسمية" وجهتها إلى فرنسا عن "احتجاجها بشدة على عملية الإجلاء السرية وغير القانونية" لـ"بوراوي" المطلوبة للقضاء الجزائري.
بدورها، أعلنت وزارة الخارجية الجزائرية، أنها أعربت في مذكرة رسمية للسفارة الفرنسية عن "إدانة الجزائر الشديدة لانتهاك السيادة الوطنية من قبل موظفين دبلوماسيين وقنصليين وأمنيين تابعين للدولة الفرنسية".
وجراء ذلك، أعلنت وزارة الشؤون الخارجية بالجزائر العاصمة عن "ضرر كبير" في العلاقة.
وقضية أميرة بوراوي، المعارضة الجزائرية، حاملة جواز سفر فرنسي، التي انتزعتها الدبلوماسية الفرنسية، الاثنين، ومنعت تسليمها إلى الجزائر أثناء لجوئها إلى تونس، حولت العلاقة بين باريس والجزائر إلى مرحلة حرجة جديدة. في أزمة ضمن أزمات لا تعد ولا تحصى.
وأوقفت الناشطة السياسية والصحفية، الجمعة، في تونس حيث كانت تواجه خطر الترحيل إلى الجزائر وتمكنت أخيرا من ركوب طائرة متجهة إلى فرنسا، مساء الإثنين.
وعُرفت بوراوي، وهي طبيبة تبلغ 46 عاما، عام 2014، بمشاركتها في حركة "بركات" ضد ترشح الرئيس الراحل، عبد العزيز بوتفليقة، لولاية رابعة.
وحاولت الناشطة مرارا مغادرة الجزائر في الأشهر الأخيرة لزيارة ابنها المقيم في فرنسا، لكن دون جدوى، حسب موقع إذاعة "راديو إم" الجزائرية حيث قدمت برنامجا سياسيا منذ سبتمبر.
وأميرة بوراوي لا علاقة لها بالصحافة حسب وزير الإتصال الجزائري محمد بوسليماني الذي وصف هذا الادعاء بالكاذب ، كما أنها لم تكن يوما ناشطة حقوقية ، وربما هذه الأوصاف المهنية أضفتها عليها المخابرات الفرنسية أيضأ للتبرير عنها في مجالي حرية الصحافة وحقوق الانسان وخاصة أنها متابعة من طرف القضاء الجزائري في قضية تتعلق بالحق العام ، ويرجح تهريب أميرة بوراوي من طرف ضباط أمن ودبلوماسيين فرنسيين كفة عمالتها وخشية المخابرات الفرنسية من أن تفضح بوراوي الكثير من أسرارها ونواياها الخسيسة تجاه الجزائر في إطار تحقيق القضاء الجزائري معها.
ويعتقد بعض المحللين أن المخابرات الجزائرية كانت على قدر كبير من الذكاء والحرفية في كشف المستور ومعرفة من أين تؤكل الكتف في هذه القضية المخابراتية بامتياز ، التي ستضع العلاقات الجزائرية الفرنسية في قادم الايام على المحك .
ففرنسا ولذهنيتها الاستعمارية البائدة وعقليتها السياسية الخائبة، ونظرتها القاصرة لمستعمراتها القديمة ، لم تعد تتحمل ريادة الدولة الجزائرية وسياستها العنيدة التي بنتها بالروح والدم وبالحفاظ على كرامتها وسيادتها وبالحرية المطلقة في اتخاذ قراراتها السيادية النابعة من مبادئ وقيم ثورة أول نوفمبر ، تلك المبادئ والقيم غير القابلة للمساومة مهما تعاظمت المناورات الاستعمارية وتعددت التكالبات الغربية.
محاولة تكرار سيناريو خليج الخنازير في الجزائر من طرف فرنسا خطة غبية لم تحسب لها فرنسا المنهارة حسابها مع الجزائر الشامخة ، ظنا منها أن هذه الأخيرة مجرد لقمة سائغة يمكن ابتلاعها متى تضورت فرنسا جوعا وآثرت إشباع بطنها وإحياء هيمنتها الاستعمارية السابقة عليها .
من الواضح أن الغرب لا يتورع عن سياساته العدوانية وممارسة الظلم كلما أهينت سمعته ومست مصالحه التي لم يأبه للحفاظ عليها أو حمايتها يوما بالتي هي أحسن .
وحسب بعض الآراء تكرر فرنسا اليوم والغرب عموما أخطاء الماضي بطرق ملتوية كعادتهم في حاضر لم تعد أغلبية دول العالم تؤمن فيه بهيمنة القطب الواحد ، بل إرتحلت فيه عن سياسات الإذعان والتبعية للغير ، وآثرت الثورة على هذا الغرب المارق عن الشرعية الدولية وأخلاقيات الحياة وسنن الوجود المقننة للعالم في هذا الكون .
ختاماً وبحسب ما نطق لسان العديد من المحللين أنه على هذا الغرب الخبيث اليوم قبل غد أن يراجع سيرته ومساره الظالم وأن يعرف أن دوام الحال من المحال ، فهذا الغرب هو الذي حول دولا قائمة بذاتها إلى دول منهارة نتيجة أطماعه ومآربه الخسيسة، فها هي الجزائر الأبية تقف في وجه هذا المد الظالم وقطعت على نفسها وعدا لشهدائها الأبرار ولكل أحرار العالم بأن تكون حرة مستقلة وسيدة في قراراتها وتوجهها.