الوقت_ لا شك أنّ العالم العربيّ على صعيد الشعوب وحتى بعض الحكومات، قد أثبت نفسه للغاية وخاصة في الفترة الأخيرة، وإن الدعم الشعبيّ الشامل لعملية القدس جعل مواقف بعض الأنظمة والحكومات الخانعة للإملاءات الإسرائيلية أضعف بكثير مما كانت عليه في الماضي، حيث شكّل حجم التنديد بجرائم الإسرائيليين صفعة كبيرة للاحتلال ومن يقف خلفه وعلى أعتابه، وكالعادة كان الموقف العربيّ الشعبيّ مشرفاً لأبعد حد تجاه القضية الأهم بالنسبة للعرب والمسلمين والأحرار في العالم، كما كانت المواقف الرسمية المنددة بالاحتلال والمتوعدة بالقضاء عليه كبيرة لدرجة أنّ الصهاينة وصغارهم في المنطقة العربية كانوا الحلقة الأضعف أمام سيل التصريحات والوعود بالوقوف مع فلسطين حتى الرمق الأخير، الشيء الذي وضع أنظمة الخيانة في موقف محرج للغاية أمام العالم العربي بأكمله بشكل عام وشعوبهم على وجه التحديد.
مواقف عربية مساندة لفلسطين
عند الحديث عن أبرز المواقف العربية التي ساندت الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة في الأيام الماضية التي كشفت اللثام عن حجم الحقد الإسرائيليّ الأعمى على هذا الشعب الجبار الذي تحمل أكثر أنواع الاحتلال فاشية على وجه الأرض وقاوم ومازال يقاوم للانعتاق من شر هذا السرطان الذي يتمادى يوماً بعد آخر ، أشاد مفتي مملكة عمان في تغريدة على تويتر بشجاعة الأمة الفلسطينية، وكتب الشيخ أحمد بن حمد الخليلي في تغريدته: "من أعماق قلوبنا نحيي المقاومة الشجاعة في الأراضي المحتلة وفي غزة الكريمة، ونسأل الله التوفيق لهم والنصر في أسرع وقت ممكن والقضاء على العدو المحتل "، مضيفاً: "من المستحيل الرجوع عن قضية الأراضي المحتلة لجعل فلسطين الغالية تعيش بحرية وكرامة".
ولم تكن المواقف متركزة على التنديدات بجرائم الكيان الإسرائيلي الجبان لكنها هاجمت المواقف المخزية من الإجرام الإسرائيليّ، وشملت من ساند العدو الغاصب للأراضي العربية، حيث انتقد عضو مجلس النواب الأردني خليل عطية، بيان وزارة خارجية بلاده، وأكد أن إدانة وزارة الخارجية لعملية القدس هو عمل مخزٍ، لا يعكس آراء أهل الأردن الكرام، فيما أشاد هادي العامري، القيادي العراقي البارز ورئيس تحالف الفتح، بمقاومة الشعب الفلسطيني الشجاع، واعتبر المقاومة حقًا طبيعيًا ومشروعًا لأمة محتلة أرضها وانتهاك حقوقها نظام اغتصاب، وأضاف العامري في البيان الذي نشره في هذا السياق: إن الكيان الصهيوني وداعميه هم وحدهم الذين سيتحملون مسؤولية التطورات الأخيرة، معتبراً أنّ المقاومة الباسلة التي يقوم بها الفلسطينيون هي حق طبيعي ومشروع لكل أمة سلبت أرضها وانتهك حقها نظام غاصب ومعتد، وعبر عن احترامه لشجاعة الشعب الفلسطيني في مواجهة المحتلين وفخره بالتقدم النوعي الكبير الذي تحقق في إجراءات المقاومة وأساليبها وهذه هي الرسائل التي يجب على المحتلين أن يفهموها، وليفهموا "لقد انتهى زمن احتلالهم وتغيرت المعادلات على حساب الإسرائيليين".
من ناحية أخرى، أشاد حزب الله العراقي بمقاومة الشعب الفلسطيني والعملية الاستشهادية التي هزت الأرض تحت أقدام المحتلين الصهاينة، وذكّر المحور الصهيوني - الأمريكي بأن جميع دول المنطقة معادية لـ"إسرائيل"، وأضاف حزب الله العراقي في هذا البيان: "عملية المقاومة الفلسطينية وأمة المجاهدين في فلسطين، أوقعت الرعب في أرواح الجنود الصهاينة وهزت الأرض تحت أقدامهم، وتسببت في أن يكون الكيان الغاصب في حالة من الرهبة"، وفي جزء آخر من البيان، تم التأكيد على تذكير الحكومات الصهيونية - الأمريكية، بما في ذلك بعض زعماء المنطقة، بأن عداء جميع دول المنطقة للكيان هو حقيقة لا يمكن إنكارها، والصمت والمواقف المزدوجة تجاه الجرائم الصهيونية ما هي إلا إعطاء الضوء الأخضر لها لارتكاب الصهاينة المزيد من الجرائم ضد الفلسطينيين وذبحهم.
وفي هذا الإطار، أشاد المكتب السياسي لحركة أنصار الله في اليمن أيضا بعملية القدس قائلاً: "ندعو كل الأحرار في العالم إلى مساندة ودعم الشعب الفلسطيني"، وذلك مع تعرض الشعب الفلسطينيّ للقتل الوحشيّ المستمر من قبل قوات الاحتلال العسكريّ التي تمادت بجرائمها ضد الفلسطينيين وثرواتهم ومقدساتهم، وارتكبت ولا تزال أبشع الجرائم الإرهابيّة في إعدامهم وملاحقتهم وتعذيبهم، الشيء الذي أوصل رسالة مختلفة للعالم بأنّ الشعوب العربية وجزء ليس بقليل من الحكومات وبالأحزاب والنخب ليسوا كبعض الأنظمة الخائنة، وقد ظهر هذا الأمر جليّاً من خلال أكثر من موقف عكس رغبة الجماهير العربية وبعض الحكومات الحرة بمحاربة الصهاينة ودعم الفلسطينيين.
إدانات لموقف الخنوع
عجت وسائل التواصل الاجتماعيّ المواقف الداعمة لفلسطين والتي نُدد في جزء يسير منها بالمواقف التي صدرت عن بعض الأنظمة المعروفة بخنوعها التام، وفي غضون ذلك، ناقشت بعض وسائل الإعلام الخلافات في مواقف بعض الدول من عملية القدس، وأشارت إلى أن روسيا لم تندد بالعملية، وأبدى البعض استغرابه واشمئزازه من تصرف حكومة رجب طيب أردوغان في إدانتها هذه العملية، حيث كانت مواقف الخنوع تلك بمثابة دعم واضح للاحتلال ولمنهجه الإجراميّ الفاشي.
وفي هذا الخصوص، ناقشت وسائل إعلام عربية عدّة تلك المواقف وردود الفعل في وسائل التواصل الاجتماعي، وأضاءت على المواقف المشرفة لبعض الأنظمة العربية والإسلامية بشأن جرائم الكيان الصهيوني وعملية القدس وانتقدت بعض المواقف العميلة، في ظل استنكار رجال دين وكتاب ونشطاء شبكات التواصل الاجتماعي بشدة ما تقوم به بعض الأنظمة العربية الأخرى من إدانة للعمليات الفدائيّة التي نفذت في القدس المحتلة، وأسفرت عن مقتل 8 مستوطنين صهاينة وجرح عدد آخر، والتي نُفِّذت بالفعل رداً على جريمة استشهاد 10 فلسطينيين في جنين والقدس على يد جنود صهاينة.
ولهذا السبب، عبر ناشطون كُثر في وسائل التواصل الاجتماعيّ عن استغرابهم من تصرفات بعض الأنظمة العربية في إدانة عملية القدس الاستشهادية وتجاهل جرائم الكيان الصهيوني ضد الأمة الفلسطينية والمقدسات الإسلامية، وأعلن الدكتور نواف التكروري رئيس الهيئة العلمية الفلسطينية في رسالة بهذا الصدد: "إلى من سكت أمام إراقة الدماء في جنين والمذبحة اليومية لأمتنا، وفقط بعد العملية الأخيرة أعلن البعض إدانته لجهادنا ومقاومتنا ضد القتلة والوحوش الذين دنسوا مقدساتنا، لكنكم بأفعالكم لا يمكنكم منعنا من القتال والدفاع عن أماكننا المقدسة".
كما كتب الناشط الفلسطيني أدهم أبو سلمية على تويتر: "عدد كبير من الأنظمة العربية والإسلامية استنكروا عملية القدس، وأنا سعيد جدًا بعملهم، لأنه لا يمكن إنهاء الحروب نهائيًا دون تحديد الاصطفافات، في هذه الحرب الأحزاب هي التي تمكنت من تمهيد الطريق لفتح مكة، لأنه في هذه الحرب أظهر المنافقون ألوانهم الحقيقية، وقال إبراهيم حمامي، ناشط فلسطيني آخر، في إشارة إلى تصرف السعوديين في إدانة العملية: "تصريح السعوديين كان غير مسبوق، لأنّها في هذا البيان خلقت مساواة بين المجرم والضحية، وخلقت المساواة بين الاحتلال والمحتل، بيانها كان من الممكن أن يكون أفضل لو لم يصدر، ولكن عندما يعرف السبب يبطل العجب".
أيضاً، أشار الكاتب والمحلل الصحفي عبد الباري عطوان على تويتر: "خيري العلقم صلى، وفي نهاية الصلاة وعلى الفور تحرك إلى المستوطنة بمسدسه انتقامًا لدماء شهداء جنين"، ثم تساءل بقوله: "تخيلوا ماذا سيحدث لو كان لديه رشاش؟ شاب يبلغ من العمر 13 عامًا يرسل المستوطنين الصهاينة إلى غرفة العناية المركزة؟ هل يمكن هزيمة مثل هذه الأمة؟ أي دم يسيل في عروق العرب المدينين للعملية؟".
"بعض الناس أدانوا هذه العملية لأن الله أراد أن يميز الشر عن الصالح والمؤمن عن المنافق"، هذا ما كتبه الناشط بلال نهاري على تويتر، كما كتب صاحب حساب "جمال الأفلاك" ردًا على تصرفات بعض الأنظمة العربية: "بالنسبة لنوع العرب وخصائصهم، لا يمكن تحديد شيء في الوقت الحالي، لكن يمكنني أن أقول للأمة الفلسطينية أنهم كانوا يؤمنون بالعرب منذ سبعين عاما، واليوم أنصحهم، أنتم أصحاب حق لا تنتظروا دعم الحكام العرب، خذوا حقك بأيديكم، كل خطاباتهم لا تساوي قطرة من دمائكم".
في الوقت نفسه، كتب أحمد منصور، مذيع قناة الجزيرة القطرية الشهير، على تويتر: "مراهق يبلغ من العمر 13 عامًا ينفذ عملية سلوان في القدس، بينما كان شاب يبلغ من العمر 22 عامًا يدير العملية"، مضيفاً: "معظم عناصر المقاومة ضد الاحتلال الصهيوني هم من الشباب الذين ولدوا في العقود الثلاثة الماضية وهذه هي الرسالة التي يتم إرسالها إلى إسرائيل المحتلة وجميع مناصريها بمن فيهم العرب".