الوقت- في ظل التوتر الذي أحدثته الحكومة الجديدة والمتطرفة للكيان الصهيوني، ألقى ظل الأزمة الأمنية بثقله على الوضع في الضفة الغربية، ومع استمرار عدم اكتراث المجتمع الدولي بالإجراءات الإجرامية للصهاينة ضد الفلسطينيين، فإن الغليان تحت رماد غزة في طريقه لإشعال حرب جديدة.
وحسب إعلان وزارة الصحة الفلسطينية، استشهد تسعة فلسطينيين، بينهم امرأة مسنة، برصاص جنود إسرائيليين وأصيب عدد آخر بجروح نتيجة هجوم جنود الكيان الصهيوني على مدينة جنين ومخيمها. منذ بداية العام الحالي استشهد 30 فلسطينياً في الضفة الغربية، 19 منهم من جنين، وبعد غزة أصبحت جنين مركزاً للمقاومة.
بعد هجوم عام 2002 على جنين، تعد هذه أكبر عملية شارك فيها مئات الجنود وعشرات الآليات العسكرية الصهيونية. هذه العملية العسكرية التي قادتها نخب الشاباك، ومعها معلومات مفصلة عن المتهمين الذين كانوا يحتمون في أحد منازل هذا المخيم، قامت بتفجير هذا المنزل، واستشهد بعدها شقيقان وصديقهما من المقاومة.
وأفاد شهود عيان بأن جنود الاحتلال الصهاينة زعموا أنهم يطاردون ثلاثة من عناصر كتيبة جنين. كما قاومت قوات المقاومة التابعة لكتيبة جنين الهجوم الصهيوني، ودمر جيش الاحتلال منزلين وجزءا من نادٍ رياضي بالجرافات.
وتأتي زيادة الضغوط الأمنية على مدينة جنين ومخيم هذه المدينة في وقت لم تنحصر فيه الهجمات العديدة للكيان خلال الأشهر الماضية على قدرة المقاومة في هذا المعسكر على التخطيط لعمليات مسلحة، لكن هذه القوى بعد هجوم الأمس أعادت التأكيد على أن طريق المقاومة ضد كيان الاحتلال مستمر حتى طرده الكامل من أرض فلسطين وحتى آخر قطرة من دمائنا.
وقال مهدي الشرقاوي أحد مسؤولي حركة الجهاد الإسلامي: إن العدو يريد كسر المقاومة بأي وسيلة، يريد كسر إرادة أهالي مخيم جنين، في النهاية نحن من نصبح أقوى والمقاومة مستمرة.
في غضون ذلك، كان أهم حدث هو جولة جديدة من الاشتباكات بين حركات المقاومة في غزة والجيش الصهيوني. وبعد هجوم القوات الصهيونية على مخيم جنين، الخميس، أطلقت فصائل المقاومة أربعة صواريخ من غزة باتجاه مدينة عسقلان والبلدات المجاورة في قطاع غزة.
يأتي هذا الصراع في الوقت الذي أعلن فيه وزير الأمن الداخلي، إيتمار بن غفير، والذي هو إحدى الشخصيات المثيرة للجدل والمتطرفة في حكومة نتنياهو الجديدة، في الأيام القليلة الماضية، عن إمكانية اندلاع حرب "حراس الأسوار" مجدداً، والتي سماها الفلسطينيون "سيف المقدس".
وقال في مؤتمر صحفي: "في كل الأحوال رأيت أن خطرا كبيرا يهدد الأمن القومي الإسرائيلي، وأهمه السيناريو الذي سمعته من معظم الخبراء وهو أن معركة ""حراس الأسوار2" على وشك الحدوث.
قبل بن غفير وعلى الجانب الآخر، كان هناك اتجاه متزايد للحديث عن إمكانية نشوب صراع جديد. وصرح الناطق باسم حماس حازم قاسم مؤخرًا أن كيان الاحتلال كثف هجماته على المقدسات الإسلامية في القدس وأعلن أن ما يحدث في القدس والمسجد الأقصى هو لعب بالنار.
وحول رد المقاومة على هذه الجرائم، قال خزر حبيب، إحدى الشخصيات السياسية الأخرى في غزة، إن غزة حاضرة في ميدان المواجهة مع العدو، وتدخلها سيؤثر في الموازين لمصلحة الأمة الفلسطينية، والمقاومة ستتصرف في الوقت المناسب. لم تكن تهديدات سلطات غزة شفهية فقط، حيث أطلقت حماس يوم الثلاثاء عدة صواريخ باتجاه البحر.
كل شيء نحو حرب جديدة
منذ انتهاء حرب سيف القدس، التي اندلعت في حزيران / يونيو من العام الماضي، لم يخضع الوضع السلمي الهش بين فصائل المقاومة في غزة والكيان الصهيوني لشفا الاشتعال إلى هذا الحد.
إن الإخفاقات المتتالية في المفاوضات بالوساطة المصرية للصهاينة للامتثال لالتزاماتهم فيما يتعلق بإعادة إعمار غزة وإطلاق سراح الأسرى، هو سبب اضطراب الكيان وسعيه للضغط الاقتصادي على غزة، وقد واجه تهديد المقاومة في الرد في غزة. ومع افتعال الجرائم في الضفة الغربية، فإن الكيان سيجعل خيار الرد العسكري هو السبيل الوحيد لإبعاد الصهاينة عن مواقعهم.
ظهرت أولى علامات الصراع العسكري الوشيك في أغسطس 2022، عندما قُتل ما لا يقل عن 44 شخصًا، من بينهم 15 طفلاً فلسطينيًا، في ثلاثة أيام من العنف في غارات جوية إسرائيلية على غزة. بدأ هذا الصراع بعد أن قتل الصهاينة قياديًا كبيرًا في الجهاد الإسلامي بمهاجمة جنين.
وردا على ذلك، أطلقت حركة الجهاد الإسلامي أكثر من 1000 صاروخ باتجاه إسرائيل، وإضافة إلى أجواء الذعر، ألحقت أضرارا كبيرة بالمدن الصهيونية، حتى أن مجلس الوزراء الصهيوني، القلق من تداعيات إطالة أمد الصراع، طالب بسرعة بإنهاء الصراع بوساطة مصر.
لكن التوتر زاد مع الانتصار غير المسبوق لليمين المتطرف في الانتخابات البرلمانية للكيان الصهيوني، والتي أدت إلى إعادة انتخاب نتنياهو إلى جانب المتطرفين المتشددين مثل بن غفير وسمورتيش، وقد دفعت عملياً التطورات في فلسطين نحو إشعال النار تحت الرماد. ونتيجة لعدة جولات من الانتخابات غير الحاسمة ثم ظهور حكومة يمينية بالكامل منذ الانتخابات الأخيرة، أصبح المجتمع الصهيوني مستقطبًا للغاية ويظهر أن الاستقرار السياسي والاجتماعي لا يزال بعيد المنال.
هذا الوضع دفع المسؤولين والسياسيين وجنود الكيان البارزين إلى التحذير من العواقب المؤسفة لاستمرار هذا الوضع حتى في المستقبل القريب. في غضون ذلك، في الأيام الأخيرة، ضربت أول ضربة كبيرة من النظام القضائي حكومة نتنياهو واضطر لإقالة وزير الداخلية والصحة، آري درعي. هذا الخضوع لقرار المحكمة وغضب حزبي شاس ودرعي (لهما 11 مقعدا في البرلمان) من خطوة نتنياهو عرضت حياة الحكومة للخطر.
لذلك، فإن الصيغة المعتادة لخلق أزمة ضد الفلسطينيين لصرف ذهن الجمهور عن التطورات الداخلية وتعبئة الصهاينة المتطرفين يمكن أن تكون الخيار الوحيد المتاح لنتنياهو للتعامل مع هذا الوضع الصعب. في الواقع، فإن البركان العاطفي والمستعر الذي كان يجري في الضفة الغربية منذ الأشهر الماضية هو الآن في مرحلة اندلاع حرب جديدة، وخاصة أن مجموعات المقاومة في غزة أعلنت مرارًا أنها مستعدة لأي صراع عسكري في الرد على المغامرات الخطيرة للصهاينة في الضفة والقدس الشريف.
من المهم الإشارة إلى أنه في تطورات الأمس في مخيم جنين وعدوان الصهاينة، لم يتم استهداف أعضاء حركة الجهاد الإسلامي فحسب، بل تكبدت حركة حماس أيضًا إصابات، حيث أصبح أربعة من أعضاء حماس من بين تسعة، شهداء في العدوان الأخير.
بقتل المدنيين ومهاجمة مستشفى جنين، وخاصة قسم الأطفال، باستخدام الغاز المسيل للدموع، أعطت القوات الإسرائيلية في الواقع الضوء الأخضر لمجموعات المقاومة الفلسطينية لمهاجمة ليس فقط لاستهداف القوات العسكرية والأمنية، ولكن أيضًا المستوطنين، مثل عملية بئر السبع، الخضيرة، وتل أبيب وباراك وغيرها، والتي أدت إلى مقتل نحو 20 إسرائيليا وجرح العشرات، وهي تخطط الآن لمهاجمة عمق فلسطين المحتلة والمدن داخل الخط الأخضر.