الوقت- جاء التدخل العسكري الروسي في الازمة السورية بعد الدخول الامريكي الى هذه المنطقة ما يدل بان الروس لايريدون اخلاء الساحة للامريكيين، و يضاف الى هذا خشية الروس من تأثير تنظيم داعش على مسلمي روسيا و لذلك نجد فلاديمير بوتين يقول في زيارة الى مقر وزارة الدفاع الروسية ان ضرب داعش هو حرب من اجل روسيا لكن خارج حدودها.
و هناك هواجس روسية ايضا تجاه سوريا فوجود قوات معادية للأسد في المنطقة عززت الاحتمالات حول تنحي الرئيس السوري في حال عدم دعمه و اسناده و امكانية ذهاب سوريا نحو الغرب، و من جهة اخرى تخشى روسيا تقسيم سوريا بسبب الحرب و هذا يهدد الامن و الاستقرار في المنطقة و يلحق الضرر بدول مثل ايران و كذلك روسيا، و هكذا يمكن القول ان للتدخل العسكري الروسي مبرراتها المنطقية لكن السؤال المطروح هو حول فترة بقاء القوات الروسية في المنطقة و كيفية و مدى صمود روسيا امام الغرب في هذه الازمة؟
لاشك ان الانتصار في الحرب على داعش يتطلب وجود وحدة و انسجام بين القوى الاقليمية و الدولية لكننا نرى ان هناك الان محوران يقاتلان داعش اولهما محور روسيا و ايران و العراق و سوريا و ثانيهما محور امريكا و اوروبا و تركيا و السعودية، و رغم ان المحورين يقاتلان داعش لكن لكل منهما هدفه الخاص، فإذا كان الهدف الرئيسي هو القضاء على الارهاب في المنطقة فعندئذ يجب ان يتوصل جميع الاطراف الى اتفاق حول مستقبل سوريا والاسد.
و من بين الاطراف الدولية المعنية بالازمة نجد ان اوروبا هي الطرف الاكثر الحاحا على ضرورة تسريع عملية القضاء على الارهابيين لأن الاوروبيين لمسوا تبعات الارهاب بشكل مباشر و عانوا من الهجمات الارهابية في باريس و تحملوا ازمة اللاجئين السوريين و هذا يفسر السعي الفرنسي لايجاد تقارب بين القوى التي اعلنت انها تحارب الارهاب وخاصة روسيا و امريكا، و قد تناول الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند هذا الموضوع اثناء زيارته الى موسكو كما كرر هذا الطلب اثناء لقائه مع نظيره الامريكي باراك اوباما لكن الامريكيين كرروا شرطهم من اجل الدخول في هذا التقارب و التحالف و هو رحيل الاسد عن السلطة.
و يبدو ان روسيا مصرة على حفظ وحدة الاراضي السورية مقابل الاصرار الامريكي على رحيل الاسد و هنا يمكن ان يتبادر الى الاذهان ان بامكان روسيا و امريكا ان يتفقا على مصير الرئيس السوري و هذا يتوقف على الامتيازات التي يمكن ان تمنحها واشنطن لموسكو ولذلك يقول بعض المحللين ان الاسد يمكن ان يتحول الى ورقة يساوم عليها الروس الذين اختاروا الدخول في الازمة السورية لرد الاعتبار لانفسهم بعد الازمة الاوكرانية وفرض العقوبات الغربية على روسيا.
وقد استغلت روسيا جيدا موضوع اسقاط طائرتها الحربية في سوريا و اثبتت للجميع انها محقة في مواقفها و انها قد اعتدي عليها من جانب الغرب و ربما يفكر الروس الآن بأنهم يستطيعون اخذ بعض الامتيازات من الغرب مثل فك العزلة و تحسين العلاقات الروسية الغربية و الغاء العقوبات الغربية و التغاضي عن الازمة الاوكرانية و القبول بالتدخل الروسي في مستقبل سوريا و حفظ المصالح الروسية في سوريا مقابل قيام موسكو بخفض التوتر مع تركيا و تعديل السياسات الروسية الودية تجاه ايران و الموافقة الروسية على استبدال الحكومة و النظام السوري بحكومة تشمل الجميع.
ويبدو ان الاوروبيين و الفرنسيين هم جاهزون للعب دور الوسيط بين روسيا و امريكا بهدف ايجاد تحالف دولي موحد للقضاء على خطر الارهاب لكن يبقى على دول مثل ايران التي ترى مصالحها و مصالح محور المقاومة في حفظ الحكومة السورية و بقاء الرئيس الاسد في الحكم ان ترصد سير الاحداث الجارية بدقة و ترسم السيناريوهات البديلة.
ان رسم مستقبل سوريا من دون الأسد هو امر لاتقبل به ايران لكن على ايران ان تعد الخطط البديلة و تحافظ على قدرتها على التأثير على مجرى الاحداث في سوريا، ان ايران ترى الفرصة مؤاتية الآن للمضي قدما مع روسيا في المنطقة لكنها تأخذ كل الاحتياطات اللازمة امام الاستدارة الروسية المحتملة في المنطقة.