الوقت- يسعى النظام السعودي في الآونة الأخرى متوسلاً بالعديد من الطرق و الوسائل لتلميع و تبيض الصورة القاتمة لسجله الأسود في مجال حقوق الإنسان و الحريات العامة، و كان آخر هذه الوسائل اللجوء إلى الغسيل الرياضي، و تكثف هذا الأسلوب بشكل خاص بعد وصول محمد بن سلمان إلى سدة الحكم الذي أنفق مليارات الدولارات بغرض الحصول على المصداقية و الشرعية. فهل يمكن لخدعة الاستثمار الرياضي أن تنظف ما لوثه آل سعود؟ و هل تسهم هذه الطريقة في محو الانطباع الذهني السلبي الذي يتكون لدى الرأي العام عند ذكر “المملكة العربية السعودية”؟
تشير العديد من التقارير إلى الأموال الطائلة التي تُنفقها السلطات السعودية وابن سلمان سعيا لتحسين صورتها المتهالكة أمام العالم عبر تنظيم المسابقات والبطولات الرياضية وإطلاق مشاريع الرعاية للأندية العالمية لإنقاذ ما تبقى من سمعة مملكة ظلامية يحفل سجلها الأسود بجرائم يندى لها الجبين بدءاً من المجازر الحدودية بحق المهاجرين الأفارقة التي كشف عنها الستار مؤخراً إلى الحرب على اليمن و انتهاكات حقوق الإنسان في الداخل و كم الأفواه و مصادرة الحريات إلى القتل الوحشي للصحفي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده في اسطنبول و غيرها الكثير الكثير من الجرائم.
وقالت لوسي راي عضوة برنامج غرانت ليبرتي، التي اتهمت المملكة بارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان في شركة صناعية: "تحاول المملكة استخدام السمعة الطيبة لأفضل نجوم الرياضة المحبوبين في العالم لإخفاء سجل حقوق الإنسان الخاص بالوحشية والتعذيب والقتل"
وأضافت: “ربما لم يطلب نجوم الرياضة الرائدون في العالم أن يكونوا جزءًا من خطة تسويقية ساخرة لصرف انتباه العالم عن الوحشية – ولكن هذا ما يحدث”.
الغسيل و التلاعب أدوات السعودية للتستر على الانتهاكات
تحت عنوان " ضحايا انتهاكات السعودية: الغسيل و التلاعب أدوات السعودية للتستر على الانتهاكات" نظمت المنظمة الاوروبية السعودية لحقوق الانسان مؤتمرا استضافت فيه مجموعة من الحقوقيين و النشطاء السياسيين و عدداً من ذوي المعتقلين و المخفيين قسراً داخل سجون آل سعود.
استذكر المشاركون في المؤتمر مجزرة مارس الجماعية التي أعدمت فيها السلطات السعودية 81 شخصا في نفس اليوم و جاءت بعدها بأيام زيارة بوريس جونسون للرياض رغم مطالبات برلمانيين منه التراجع عن الزيارة!!
وبعد أيام من وقوع المجزرة بدأ الفورمولا 1 الذي جاء كصفعة قوية على وجه نشطاء حقوق الإنسان. حيث ظهر جلياً حينها أن النظام يريد أن يقيم هذا السباق لإضفاء الشرعية على الحاكم و جرائمه. و خلال الفورمولا 1 قام أحد السائقين بانتقاد السعودية من داخل السعودية بشكل لاذع و صريح و قال إنه لا يشعر بالارتياح في المملكة. و الأمر المثير هو مدى النفاق الغربي حيث ألغت الفورمولا السباق الذي تقيمه في روسيا بسبب الحرب مع أوكرانيا لكنها أبقت عليه في السعودية رغم جميع الانتهاكات و الجرائم التي ترتكبها سلطات آل سعود بشكل يومي.
و خلال المؤتمر أكد الحقوقي أحمد الوداعي أن الكثيرين ينهارون أمام تحدي المال ففي البرلمان البريطاني كان فيليب هاموند الرجل الثاني في الدولة و استطاعت السعودية شراءه و هو اليوم مستشار رسمي للحكومة السعودية فقد استطاعوا أن يشتروا الرياضة و السياسيين بالمال و هو الواقع الصعب الذي يجب ان نعيه. و أكد الوادعي أنه على الرغم من امتلاك السعودية للمليارات لكن يبقى صوت الحق أقوى و إرادات الأفراد تسقطهم كما سقطوا أمام لجين الهذول و جمال خاشقجي فالضغط الدولي يوصل لنتيجة.
وتكثف اللجوء إلى أسلوب شراء المصداقية و الشرعية الدولية في عهد ولي العهد محمد بن سلمان . وأبرزت تقارير صحفية دولية أن ابن سلمان يمارس الغسيل الرياضي، لاستخدامه معادلة “المال مقابل الشرعية”. بمعنى أنه لجأ لدفع الملايين من تكاليف الرعاية وأموال الجوائز كوسيلة للغسيل الرياضي بغية تحصيل المصداقية الدولية”. ومؤخرا عرضت السلطات السعودية على لاعبَي الملاكمة الرياضي “أنتوني جوشوا” و “تايسون فيوري” 100 مليون جنيه إسترليني للمشاركة في نزال رياضي.
ووجهت خديجة جنكيز خطيبة الصحفي الراحل “جمال خاشقجي” نداء عاجلاً لهما كي لا يقبلوا بعرض مالي بقيمة نحو 100 مليون جنيه إسترليني.
جرائم لا يمكن غسلها !
ضجيج الترفيه والاستثمار في الرياضة، واستقطاب أحداث دولية في المملكة العربية السعودية، كان سمة بارزة خلال العامين الأخيرني ، وهي الصورة التي طفت على السطح، ولكن ماذا عن القاع؟
تقول صحيفة “الغارديان” البريطانية إن ولي العهد الأمير محمد بن سلمان أطلق الخطة الرئيسية “رؤية 2030” للمملكة قبل خمس سنوات. لكن الخطة التي تم الترويج لها على أنها نقطة تحول في المملكة من شأنها إحداث تحول اجتماعي واقتصادي ، أعقبتها حملة واسعة على المعارضة، بما في ذلك اعتقال الناشطات النسويات ورجال الدين و ممارسة انتهاكات مخيفة بحق الانسانية في السعودية. وتختلف التقديرات بشأن عدد معتقلي الرأي في سجون آل سعود في ظل التعتيم الكبير، وفي آخر إحصائية له أشار حساب “معتقلي الرأي” إلى وجود 2613 سجينا سياسيا من جميع الشرائح والفئات يتوزعون على سجون عدة. وقد حول ولي العهد محمد بن سلمان منذ قدومه للسلطة سجون السلطات بالمملكة إلى مسالخ بشرية ومقابر جماعية من يدخلها يتعرض لأسوأ أنواع التعذيب والتنكيل حد الوفاة بفعل سوء المعاملة والإهمال الطبي. و لا يزال الإخفاء القسري ممارسة ممنهجة في السعودية. وهو مقدمة للعديد من الانتهاكات من بينها التعذيب والأحكام التعسفية وغيرها.
وقادت المملكة تدخلاً في اليمن، كجزء من حرب أسفرت عن مقتل أكثر من 100000 شخص من بينهم ما لا يقل عن 12000 مدني، ويقدر المراقبون أن ما لا يقل عن ثلثي هذه الوفيات نتجت عن حملة الضربات الجوية السعودية العدوانية.
وكشف تقرير استخباراتي أمريكي رفعت عنه السرية مؤخرًا عن أن محمد بن سلمان هو المسؤول النهائي عن مقتل الصحفي جمال خاشقجي في عام 2018.
و ذكرت صحيفة “الغارديان” مؤخرًا أن مسؤولًا سعوديًا كبيرًا أصدر ما كان يعتبر تهديدًا بالقتل ضد محققة الأمم المتحدة أغنيس كالامارد لزميلها في يناير الماضي. العام، بعد تحقيقها في مقتل خاشقجي.
صفقات مالية ضخمة
للتغطية على تلك الانتهاكات أنفق ابن سلمان مبالغ فلكية تصل لأكثر من 1.5 مليار دولار لتأمين المشاركة في الأحداث الرياضية العالمية، كجزء من الجهود المبذولة لتقديم المملكة كدولة جديدة صديقة للأعمال التجارية وذات تفكير مستقبلي. وتبيض جرائم ولي عهدها والترويج لنفسها كموقع عالمي جديد رائد للسياحة.ومليارات الدولارات كانت المملكة غنية عن إنفاقها لو لم يرتكب الحاكم الطائش جرائمه البشعة بحق الشعب السعودي والمعارضين منه. ويشمل ذلك 145 مليون دولار في صفقة مدتها ثلاث سنوات مع الاتحاد الإسباني لكرة القدم، و 15 مليون دولار في رسوم الظهور لبطولة واحدة دولية للجولف للرجال.
وتشمل أيضًا 33 مليون دولار لاستضافة بطولة السعوديين للعبة البلياردو في المملكة ، و 100 مليون دولار لمباراة الملاكمة المعروفة باسم “Clash on the Dunes” بين آندي رويز جونيور وأنتوني جوشوا في عام 2019.
واستضافت مدينة جدة مسابقة كأس السوبر الإسباني على مدى 3 أعوام وهي 2020 و2021 و 2022.ولا شك أن الهدف من لعب الإسبان لتلك المباريات في بلد يبعد عنهم آلاف الكيلومترات هو تحقيق ربح تجاري بحت. والشيء الذي يهم إسبانيا في هذا الصدد، ليس المكان الذي ستقام فيه المسابقة، بل الدولة التي ستقدم أكبر عرض مادي لشراء تنظيم هذه المباريات على أراضيها. وبالطبع فإن الإدارة السعودية لم تكن لتجد فرصة أفضل لتحسين صورتها من خلال استغلال الرياضة. ومن ثم فقد فتحت الرياض خزانتها المالية للحصول على تنظيم مباريات كأس السوبر الإسباني، التي تحتل مكانة مهمة بين أكثر المباريات المُشاهدة عالميا.
ودفعت السعودية حوالي 120 مليون يورو من أجل تنظيم هذه المسابقة على أراضيها لمدة ثلاثة أعوام. ولم يتوقف حد الإنفاق عند هذه الدرجة، حيث تتحمل المملكة تكلفة الانتقالات والاستضافة الخاصة بالفرق الأربعة المشاركة. وحصل كل فريق على 800 ألف يورو، كما يحصل الفريق الخاسر في النهائي على 1.4 مليون يورو، أما الفريق الفائز فيحصل على مليوني يورو.
واستضافت السعودية للمرة الأولى في تاريخها مسابقة للمصارعة الأمريكية الحرة للنساء التي تنظمها مؤسسة المصارعة العالمية الترفيهية (دبليو دبليو إي). وطبقا لما نشرته صحف أمريكية فإن الرياض قامت بدفع 80 مليون دولار لتنظيم فعاليات هذه المسابقة على أراضيها.
كما أبرمت المملكة صفقة بقيمة 500 مليون دولار لمدة 10 سنوات مع شركة World Wrestling Entertainment في عام 2014 ، حيث تم منع الممثلات من الظهور حتى قبل عامين.
جمعت جرانت ليبرتي الأرقام المعلن عنها للصفقات بين الكيانات التي تسيطر عليها الدولة السعودية، مثل منظمة Visit Saudi و NEOM الهيئة المشرفة على بناء مدينة مستقبلية بقيمة 500 مليار دولار في الصحراء ولكن ليس أفرادًا من العائلة المالكة السعودية، ما يعني أنه من المحتمل أن يكون رقم 1.5 مليار دولار ليس الحجم الحقيقي لاستثمارات المملكة في الرياضة.
تم أيضًا تضمين تحليل للصفقات التي لم تؤت ثمارها أبدًا بعد الاحتجاجات، بما في ذلك عرض بقيمة 6 ملايين دولار للاعبي كرة القدم كريستيانو رونالدو وليونيل ميسي ليكونوا وجه هيئة السياحة في المملكة في زيارة السعودية وعرض مثير للجدل بقيمة 400 مليون دولار لشراء نيوكاسل يونايتد.
كما دخلت المملكة في عطاءات معلقة للأحداث القادمة بما في ذلك 200 مليون دولار لمباراة الملاكمة تايسون فيوري ضد جوشوا المقرر إجراؤها في وقت لاحق من هذا العام، و 180 مليون دولار لرعاية ريال مدريد من خلال مشروع القدية وهو مشروع سياحي وترفيهي ضخم في الرياض. تحت مظلة “رؤية 2030”.
ختام القول، ثمة دلائل تشير إلى أن المجتمع الدولي جعل من محمد بن سلمان الطائش بقرة حلوب، يقترف الجرائم بحق شعبه و بحق الانسانية و هم يقبضون ثمن ذلك. يلوحون بإدانات و ضغوط خجولة على السعودية عقب كل جريمة يقترفها الأمير الطائش ما تلبث أن تختفي مع وصول إشعار الدفع قادم من الرياض!!