الوقت- بعد تنازل السيسي عن سيادة مصر لجزيرتي تيران وصنافير للسعودية ، وبعد تحول ممر تيران لممر دولي ، أعلنت وسائل إعلام تابعة للكيان الصهيوني عن بدء العمل في إنشاء قناة بن غوريون القناة البديلة لقناة السويس والتي أعلنت عنها قبل سنتين والمرجح البدء بعمليات التأسيس خلال شهرين من الآن. الأمر الذي أثار جدلا واسعاً حول أضرار هذه القناة على كل من مصر والأردن.
انتقال سيادة جزيرتي تيران و صنافير للسعودية جائزة استراتيجية ل"إسرائيل"
تصدر موضوع السيادة على جزيرتي تيران و صنافير لفترة طويلة عناوين الصحف و الأخبار في أخذ و رد. فتارة يقولون إن الجزر تعود لمصر و تارة أخرى يقولون إنها سعودية. إلى أن تم الاتفاق وفق مخطط خفي من تحت الطاولة على كون الجزيرتين سعوديتين بموافقة وقرار من مجلس النواب المصري وبمصادقة من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي.
من الجدير بالذكر أن صدور هذا الحكم كان قد جاء قبل ساعات من الزيارة الرسمية الأولى لولي العهد السعودي محمد بن سلمان إلى القاهرة في 3 مارس/آذار عام 2017، التي تزامنت مع ترويج وسائل إعلام مصرية لخطط البلدين في تنفيذ مشروعات تنمية، أبرزها مشروع جسر الملك سلمان الرابط بينهما.
فيما كشفت تقارير إعلامية حينها عن تلقّي وسائل الإعلام بمصر تعليمات من الدائرة الخاصة برئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي، بعدم إثارة قضية التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير للسعودية، سواء عن طريق تغطيات الأحكام أو الدعاوى القضائية أو عن طريق مقالات الرأي.
ولكن إلى هنا يمكن لأي مواطن عربي أن يعتبر الأمر غير خطير بما أن الجزيرتين ستبقيان تحت سيادة عربيةّ !
ولكن لنذهب لأبعد من ذلك و نشرح أبعاد نقل سيادة الجزيرتين إلى السعودية و المخطط الصهيوني الخفي التي بدانا نراها اليوم. فاتفاقية نقل السيادة على جزيرتي تيران وصنافير من مصر إلى السعودية قد لا تكون مجرد صفقة تجارية تم من خلالها بيع أرض مصرية من أجل المال لضخه في اقتصاد البلاد المتهالك، كما يتم تصوير الأمر. ربما تتعلق المسألة بمشروع أوسع تم التخطيط له وهو اليوم يُنفّذ بعد أن أصبح الظرف مناسباً لتنفيذه.
تكمن الخطورة في كل ذلك بأنه عندما يتم نقل الجزيريتين للسيادة السعودية بشكل كامل فإن مضائق تيران ستصبح مياهاً دولية وفق القانون الدولي ، الأمر الذي ستعتبر معه حرية الملاحة في تلك المضائق مكفولة للجميع بما في ذلك الكيان الصهيوني ولن تملك أي من مصر أو السعودية حق التدخل في تلك المضائق التي كانت في يوم رمزاً لحصار الكيان الصهيوني وتعطيل تجارته مع العالم وكانت أحد أسباب حرب 1967 . فالخطورة هنا تتعدى حرية الكيان الصهيوني بالملاحة ، فتلك مكفولة حالياً بما انبثق عن معاهدة كامب ديفيد من اتفاقيات ، ولكن الخطورة أكبر من ذلك بكثير ، وتتلخص في نية الكيان الصهيوني شق قناة تربط البحرين المتوسط والأبيض وما تسمى ” قناة بن غوريون “.
ولكن عليه تطرح أسئلة كثيرة هنا، ألم تفكر مصر بكل ذلك؟ وبحجم الخطر على الاقتصاد المصري عندما وقعت على اتفاقية التنازل عن سيادتي الجزيرتين؟؟ وهل يمكن استدراك ذلك أم انتهى الأمر و وضعت مصر بين فكي الكماشة و انتهى الأمر؟ ألم يكن الرئيس المصري وحكومته يعرفان أن نقل السيادة على تيران وصنافير إلى السعودية يعني إعدام قناة السويس، وما يجره ذلك من خسائر اقتصادية فادحة على مصر؟ ألا يبرر هذا القرار بالتخلي عن السيادة على الجزيرتين طرح أسئلة حول الجهة التي تستفيد من إضعاف مصر؟
مشروع قناة بن غوريون
من المتوقع أن تكون القناة بعمق 50 مترًا، أي بزيادة 10 أمتار عن قناة السويس ، وستتمكن سفينة بطول 300 متر وعرض 110 أمتار وهي أكبر قياس السفن في العالم من عبور القناة التي ستبنيها ” إسرائيل ” ، ومن المتوقع أن تصل مدة البناء ثلاث سنوات وسيعمل في المشروع 150 ألف عامل سيأتون من دول مختلفة للعمل في شق هذه القناة، وتبلغ تكلفة حفر القناة حوالي 14 مليار دولار، وتعتقد ” إسرائيل ” أن مدخولها السنوي من القناة سيتجاوز 4 مليارات.
ما أهداف دولة الاحتلال من إنشاء قناة بن غوريون؟
قناة بن غوريون مشروع صهيوني كبير جداً يهدف إلى ضرب الاقتصاد المصري والسيطرة على طرق التجارة المائية من خلال انشاء قناة مائية تربط بين البحرين الابيض والاحمر تستطيع ان تنافس قناة السويس المصرية وتستحوذ على نصف الدخل المصري السنوي من قناة السويس ، فقد ذكرت التقارير بأن إنشاء قناة تربط بين البحرين الأحمر والمتوسط ستصبح منافسة لقناة السويس، فالمسافة بين إيلات والبحر المتوسط تماثل المسافة بين السويس والبحر الأبيض المتوسط ، وأضافت التقارير إن الكيان الإسرائيلي سيقوم بحفر قناتين مستقلتين، واحدة من البحر الأحمر إلى المتوسط، والثانية من المتوسط إلى البحر الأحمر، وهكذا لا تتأخر أي سفينة ما يؤدي إلى تقليص الفترة التي تحتاجها السفن ، كما تنوي سلطات الاحتلال الاسرائيلي إقامة فنادق ومطاعم ونوادي سهر ليلية على القناة التي ستحفرها ، ولقد سبق وأن اعترضت مصر بشدة على هذا الأمر، مهددة بقطع العلاقة مع ” إسرائيل ” فلم تهتم الأخيرة لذلك ابداً .
سيكون الكيان الاسرائيلي بعد افتتاح قناة بن غوريون المُستفيد مادياً، والمتحكم جغرافياً، حيث ستصبح مصلحة الأنظمة المُصدّرة للغاز والنفط أو المستقبلة للبضاعة الأوروبية الاستهلاكية، وكذلك البضاعة الإسرائيلية، مرتبطة بالحفاظ على مصالح "إسرائيل" وقدرتها ووجودها الدائم في البحر، ولا سيما أنّ "تل أبيب" تنوي بناء مدن سياحية صغيرة عند القناة.
مخاطر قناة بن غوريون على مصر
تنفيذ هذه القناة وفقا للخطة الصهيونية يعني خنق قناة السويس ما سيؤدي إلى انخفاض ايرادات قناة السويس إلى النصف من 8 مليارات إلى 4 مليارات دولار، فيما سيحصل الكيان الإسرائيلي سنوياً على 4 مليارات وأكثر فيما سيتم تمويل المشروع من خلال قروض يحصل عليها الكيان الإسرائيلي من المصارف الأمريكية بفائدة متدنية جداً على أن يتم السداد على مدى 30 سنة.
ولا تستطيع مصر المكبلة باتفاقية كامب دايفيد فعل شيء لإيقاف مشروع قناة بن غوريون لو فرضنا جدلا نيتها فعل ذلك. فالجيش المصري ممنوع من تجاوز قناة السويس.
من الجدير بالذكر أن الأغلبية الكبيرة من المصريين تعيش إحساساً بالتهديد في حياتها ومستقبلها وأرزاقها منذ عقود، لكنها الآن تشعر بتهديد وجودي. وإذا أضفنا إلى صدمة التنازل عن الجزيرتين و ماتبعه من مخططات، التهديد الذي يمثله السد الأثيوبي الذي يوشك بناؤه على النهاية، وما يمثله ذلك من تهديد لحصة مصر من مياه النيل أمام التربة المجهدة، وموارد البلاد المستهلكة، والاقتصاد المترنح، وعوز الكثير من المواطنين، وهواء المدن الملوث، يصبح واضحاً أن مصر مستهدفة اليوم كما تكن مستهدفة في أي وقت مضى..
مخاطر القناة على الأردن
في هذا السياق أوضح الخبير الاقتصادي الأردني حسام عايش، إن فتح القناة سيكون أمرا محرجا للدولة الأردنية، وذلك لكونه باعتبارات المصلحة سيكون افضل للأردن، غير انه باعتبارات سياسية وعربية فسيكون له تكلفة عالية على الأردن وأضاف إن المشروع ربما يكون سيكون له مخاطر عالية على الأمن القومي العربي والأردن، مشيرا إلى أن الأردن سيكون أمام حالة مستفزة من النشاط الإسرائيلي في منطقة قريبة من حدوده البحرية، “وربما يعطل مشاريع أردنية مثل مشروع ناقل البحرين”. وأبدى عايش خشيته من أن يكون مشروع القناة شبيها بمطار رامون، وأن يكون جزءا من صفقة القرن التي يعاد إنتاجها مع عودة نتنياهو، مضيفا إن اسرائيل تفرض أمرا واقعا دون اخذ أي اعتبار لاتفاقيات السلام ومصالح الأطراف العربية. و ربما يكون مشروع القناة مقدمة لمشاريع أكبر مثل مد أنابيب عبر الاردن أو بطريق محاذي للأردن، وذلك لمد أوروبا بالنفط والغاز.
ختام القول، لم يقتصر وصول محمد بن سلمان الفتى المتهور إلى سدة الحكم على نشر الفساد والانحلال الاخلاقي في بلاد الحرمين فحسب إنما تعداه لوضع مخططات و مساندة الكيان الصهيوني على إضعاف الدول العربية اقتصاديا و سياسيا بدءاً من التنازل عن حقوق الشعب الفلسطيني و انتهاءً بضرب اقتصاد مصر و الأردن مرورا بدوره الأساسي كعراب التطبيع بين الكيان الصهيوني و دول عربية عدة.