الوقت- إثر موجة من أحكام السجن المطولة، عبرت 13 منظمة حقوقية عن قلقها البالغ على مصير معتقلي الرأي في السعودية. و في بيان مشترك أشارت المنظمات الحقوقية إلى قيام القضاء السعودي بإصداره مؤخراً موجة استثنائية من أحكام السجن المطولة بحقّ نشطاء سلميين ومدونين وغيرهم على خلفية تعبيرهم عن آرائهم، ما يبعث بمخاوف شديدة على مصير المعتقلين تعسّفيًا، وخصوصًا ممن لم يحاكموا بعد ومن يواجهون محاكماتٍ مطولة ومن أعيدت محاكمتهم. وعليه تدعو المنظمات غير الحكومية الموقعة على البيان المجتمع الدولي لتكثيف الجهود للضغط على السلطات السعودية من أجل الإفراج الفوري وغير المشروط عن المعتقلين لممارستهم السلمية لحرياتهم الأساسية.
أبرز معتقلي الرأي دون تهم
من بين المعتقلين دون تهم عبدالله جيلان، المتخرج من جامعة ويست تشيستر الأمريكية، الذي اعتقلته قوات أمن الدولة بالقوة، دون تقديم مذكرة أو مبرر لذلك، في 12 مايو 2021 حال عودته من الولايات المتحدة الأمريكية إلى السعودية، ومن المعروف أن جيلان كان يعبر، عبر حساب وهمي في (تويتر)، عن مناصرته للحقوق الأساسية في السعودية، وقد تعرض للتعذيب في أثناء التحقيق، بما في ذلك باستخدام العصا الكهربائية، وحرم من التواصل مع عائلته ومع العالم الخارجي.
و قد جاء اعتقال جيلان وسط حملة اعتقالات مكثفة شنتها سلطات النظام السعودي في شهري مايو و يونيو من عام 2021 والتي استهدفت مجموعة من الشباب النشطاء و المدونيين الذين كانوا قد عبروا عن آرائهم و تطلعاتهم بشكل سلمي على مواقع التواصل الاجتماعي.
و من ضمن الشباب المعتقلين عبدالرحمن الشيخي وأسماء السبيعي ورينا عبدالعزيز وياسمين الغفيلي ونجوى الحميد ولينا الشريف، وكلهم ما زالوا رهن الاحتجاز بعد مضي سنة من اعتقالهم.
و في هذا السياق، و دون أن تحال إلى القضاء تواجه الشريف الآن دعاوى مستندة إلى نظام مكافحة الإرهاب المعروف بقمعيته. وقد احتجز نشطاء آخرون لفترات أطول دون الإحالة إلى القضاء، بمن فيهم المدافع عن حقوق الإنسان محمد البجادي، الذي لم توجه إليه دعاوى حتى الآن رغم مضي أربع سنوات على اعتقاله في مايو 2018.
تشكل هذه الممارسات خرقًا صارخًا للمعايير الدولية لحقوق الإنسان، حتى أنها تخرق بعض التشريعات المحلية، فنظام الإجراءات الجزائية ينص على أنّ الادعاء العام لا يحق له تمديد مدة احتجاز المعتقل لما يزيد على ستة أشهر كحد أقصى، و بعد هذه الفترة ينبغي الإفراج عنه أو إحالته إلى القضاء، ولكن المادة 19 من نظام مكافحة الإرهاب تضرب بعرض الحائط هذه المادة من القانون.
و من جانب آخر، يواجه الكثير من معتقلي الرأي ممن تمت إحالتهم إلى القضاء محاكمات مطولة لا أجل لها، بمن فيهم الداعية سلمان العودة والباحث الشرعي حسن فرحان المالكي، المعتقلان منذ سبتمبر 2017، وقد طالب الادعاء العام بتنفيذ عقوبة الإعدام بحقهما على أساس دعاوى فضفاضة ومبهمة.
وقد مددت محاكمتهما عدة مرات دونما سبب واضح، آخرها في 16 أكتوبر، حين أجّلت المحكمة الجزائية المتخصصة مرةً أخرى جلسة محاكمة المالكي، دون تحديد موعد آخر لها. وقد طالت أحكام الإعدام الصادرة إثر محاكماتٍ جائرة لا تستوفي الإجراءات القانونية الواجبة، عددًا أكبر من المعتقلين في السعودية، بمن فيهم ثلاثة من قبيلة الحويطات، شادلي وعطالله وإبراهيم الحويطي، إلى جانب عدد من القاصرين.
وفي تطور جديدٍ مقلق، أصدرت المحاكم السعودية خلال الشهرين الماضيين أحكامًا بالسجن على عددٍ من الأفراد لمددٍ طويلة للغاية، وذلك على خلفية ممارستهم حقهم في حرية التعبير، ومن هؤلاء حكمان بالسجن لمدة 34 و45 سنة على التوالي بحقّ ناشطتي حقوق المرأة سلمى الشهاب ونورة القحطاني لنشاطهما السلمي على تويتر، و50 سنةً بحقّ عبدالإله الحويطي وعبدالله دخيل الحويطي لوقوفهما مع أسرتهما في رفض التهجير القسري من منازلهم الواقعة في المناطق المخصصة لمشروع "نيوم"، وفي 10 أكتوبر، حكم على 10 رجال من الجالية المصرية النوبية بالسجن لمدة 10 و18 سنة لتنظيمهم فعالية سلمية لإحياء ذكرى حرب أكتوبر.
وقد مددت المحكمة الجزائية المتخصصة الكثير من الأحكام إثر الاستئناف، الأمر الذي يحبط من يريد من الأفراد المحتجزين تعسّفيًا، الاعتراض على إدانته الجائرة، بل واستخدمت السلطات السعودية هذا الإجراء في عدّة حالات ضد معتقلي الرأي الذين مضى موعد الإفراج عنهم أو اقترب. في منتصف 2022 مددت محكمة الاستئناف محكومية الناشطة الحقوقية إسراء الغمغام من ثمان إلى 13 سنة بالسجن، وفي أواخر سبتمبر 2022، قبلت المحكمة العليا طلبًا من الادعاء العام بإعادة محاكمة الناشط الحقوقي محمد الربيعة، ما يعني أنّ قضيته ستعاد إلى الجزائية المتخصصة، رغم إنهائه محكوميته مؤخرًا.
وهذه الموجة من الأحكام القاسية التي أصدرتها المحاكم السعودية في الأشهر الأخيرة تشكل مؤشرًا على التدهور الخطير للوضع الحقوقي في البلاد، إثر إعادة التأهيل الدبلوماسي لولي العهد والحاكم الفعلي للبلاد محمد بن سلمان، بعد زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن للسعودية في يوليو، فلقاءات كهذه، إنْ تمّت دون وضع شروطٍ مسبقة، تعمل على تشجيع السلطات السعودية على مواصلة الانتهاكات، كما سبق وأشار عدد من الموقعين على هذا البيان.
ومع أنّ موجة الأحكام المطولة هذه تعدّ استثنائية في عدد وطول الأحكام الصادرة، فهي ليست دون سوابق، فقد أصدر القضاء السعودي أحكامًا مطولة بالسجن بحقّ الأكاديمي سعود الهاشمي (30 سنة)، وعامل الإغاثة الإنسانية عبدالرحمن السدحان (20 سنة)، والمدافع عن حقوق الإنسان محمد العتيبي (17 سنة)، ولكن هذه الأحكام المطولة الأخيرة تغذّي المخاوف من نية السلطات السعودية استهداف من لم يحكم عليهم بعد ومن يواجهون إعادة محاكمة بأحكام مغلّظة.
أحكام بقتل 53 معتقل رأي تشمل قاصرين
دقت المنظمة الأوروبية مؤخراص ناقوس الخطر حيال قيام سلطات النظام السعودي بإصدار حكم بقتل 15 معتقل رأي ليصبح عدد المهددين بالإعدام 53 بينهم 8 قاصرين على الأقل. وحذرت المنظمة الأوروبية السعودية من إقدام السلطات السعودية على مجزرة جماعية بحقّ عشرات المعتقلين. وأبرزت المنظمة أن المعتقلين المهددون بالقتل في السعودية الذين نجهلهم أكثر بكثير ممن عرفنا بهم. يأتي ذلك رغم دعوة خبراء في الأمم المتحدة السلطات السعودية مؤخرا إلى الإفراج الفوري عن عبد الله الحويطي، وإلغاء عقوبة الإعدام الصادرة بحقه بناء على تهم حصلت حين كان طفلا. وقد اعتقل الحويطي حين كان يبلغ من العمر 14 عاما واتهم بالسرقة والقتل وأدين على الرغم من وجود حجة غياب، وعلى الرغم من تأكيده أن الاعترافات انتزعت منه تحت التعذيب.
وأوضحوا أن الحويطي حكم عليه بالإعدام للمرة الثانية بعد أن ألغت المحكمة العليا إدانته الأصلية في عام 2021. وأبدى حقوقيون قلقهم من أن الحكم الجديد بحق الحويطي تم دون الشروع في أي تحقيق في مزاعم التعذيب أو تحديد صحة الاعتراف بالإكراه بالذنب. قالت والدة الحويطي إن المحكمة العليا السعودية نقضت حكم الإعدام الأول بحقه على أساس الاعتراف الكاذب وعدم كفاية الأدلة. بموجب القانون السعودي، الإدانة المنقوضة تعني عودة القضية لإعادة المحاكمة.
فيما تدين منظمة هيومن رايتس ووتش الدولية بشكل متكرر انتهاك السلطات السعودية القرارات الدولية التي تمنع إعدام الأطفال القاصرين. وبموجب القانون الدولي، لا يجوز احتجاز الأطفال إلا كملاذ أخير ولأقصر فترة زمنية مناسبة، ويُحظر تماما الحكم على الطفل بالإعدام. لكن لطالما تضرب سلطات آل سعود جميع القوانين الدولية بعرض الحائط و تستمر في مسلسل انتهاكات حقوق الإنسان و بشكل خاص القاصرين في البلاد.