الوقت - أتاح اجتماع المجتمع السياسي الأوروبي في براغ عاصمة جمهورية التشيك فرصة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان لإجراء محادثة مع قادة الدول التي ليس لديها علاقات دبلوماسية مع تركيا.
لكن في أحد أهم الاجتماعات الدبلوماسية في هذا الاجتماع، جمع أردوغان إلهام علييف، رئيس جمهورية أذربيجان، ونيكول باشينيان، رئيس وزراء أرمينيا، حول الطاولة من أجل إيجاد حل لإنهاء ثلاثة عقود من الصراع بين هذين البلدين.
وحسب تقارير إعلامية تركية، فقد نوقشت معاهدتي سلام باكو ويريفان في هذا الاجتماع.
عقدت تركيا وأرمينيا الجولة الأولى من المفاوضات بعد 13 عامًا واعتبرتها إيجابية وبناءة وأعربتا عن أملهما في آفاق العلاقات وإعادة فتح الحدود. لا تقيم أنقرة علاقات دبلوماسية أو تجارية مع يريفان منذ التسعينيات، وهذه المبادرة هي المحاولة الأولى لإعادة العلاقات بين الجانبين.
وكان هذا الاجتماع أول محادثات ثلاثية بين رؤساء الدول الثلاث والجولة الأولى بعد التوترات الأخيرة في كاراباخ ويظهر أن أردوغان يحاول لعب دور مهم في التطورات في جنوب القوقاز. في السابق، لعبت روسيا دورًا في نزاع ناغورنو كاراباخ وتدخلت في المواقف التاريخية عندما تصاعدت التوترات لإخماد نيران الحرب وقيادة البلدين إلى طريق السلام. لكن انشغال الروس بالحرب في أوكرانيا جعل قادة موسكو أقل نشاطًا في قضية كاراباخ، وهذه فرصة جيدة لأردوغان، الذي حاول دائمًا تولي دور قيادي في المنطقة. لذلك، يحاول رئيس تركيا تولي قضية كاراباخ، التي لعبت أيضًا في السنوات الأخيرة دورًا في هذا الصراع بسبب دعم باكو، وإذا كان الطريق لحل الخلافات بين جمهورية أذربيجان وأرمينيا من المواضيع السياسية الصعبة، فسيسجل هذا الانجاز باسمه ويظهر أن كل نجاح وتقدم دبلوماسي يحدث في المنطقة يرجع إلى مبادرته. في بداية الأزمة الأوكرانية، من خلال التوسط بين موسكو وكييف، حاول إظهار نفسه كمنقذ للعالم من خلال إنهاء هذه المعركة.
محاولة تطبيع العلاقات بين تركيا وأرمينيا
لقد غيّر أردوغان، الذي كان في حالة توتر مع العديد من دول المنطقة مع طموحاته في العقد الماضي، سياسته مع ظهور مشاكل داخلية واسعة النطاق وغير اتجاهه نحو خفض التصعيد الإقليمي.
بعد تطبيع العلاقات مع المشيخات العربية والنظام الصهيوني ومحاولة استئناف العلاقات مع سوريا، انضمت أرمينيا الآن إلى هذه المجموعة، ويحاول قادة أنقرة تطبيع العلاقات مع هذا البلد الذي يقاتل منذ أكثر من قرن.
لطالما كانت العلاقات بين تركيا وأرمينيا متوترة بسبب مطالبة أرمينيا باعتراف تركيا بارتكاب الإبادة الجماعية لمليون ونصف المليون أرمني من قبل الحكومة العثمانية في عام 1915 في خضم الحرب العالمية الأولى، وفي كل عام يدلي الكونغرس والحكومة الأمريكية والاتحاد الأوربي بتصريحات تدين ذلك وتعتبرها جريمة ما يثير غضب سلطات أنقرة. لذلك، تريد تركيا التحرر من الضغوط الدولية إلى الأبد من خلال تحسين العلاقات مع أرمينيا.
في محاولة لتطبيع العلاقات مع أرمينيا، وقفت تركيا إلى جانب جمهورية أذربيجان في نزاع ناغورني كاراباخ بكل قوتها، وحتى في حرب عام 2020، التي أدت إلى تحرير معظم المناطق المحتلة من ناغورني كاراباخ وضمها إلى أراضي أذربيجان، وإضافة إلى إرسال أسلحة، تم إرسال إلى عدد من القوات إلى أذربيجان. حتى في مسألة بناء ممر زانجزور المثير للجدل، والذي من شأنه أن يقطع بطريقة ما الحدود بين أرمينيا وإيران إلى الأبد، أيد أردوغان هذا الممر حتى تتمكن باكو من متابعة سياساتها الطموحة في جنوب القوقاز.
نظرًا لأن جنوب القوقاز مهم جدًا من حيث الموقع الجيوسياسي والجيواستراتيجي، لذلك، من خلال تحسين العلاقات مع أرمينيا، تحاول تركيا بناء جسر بري إلى دول آسيا الوسطى وأذربيجان عبر هذا البلد. لأن أرمينيا تقع كحاجز عازل بين أذربيجان وتركيا، ووجود علاقات مع أرمينيا يسمح لتركيا، إضافة إلى ارتباطها بأراضي أذربيجان، بالوصول بسهولة إلى بلدان آسيا الوسطى.
التعامل مع نفوذ أوروبا وإيران
جاء لقاء أردوغان التاريخي مع علييف وباشينيان في براغ بعد أن أعلنت دول أوروبية بقيادة فرنسا أنها تريد إرسال وفد إلى منطقة ناغورنو كاراباخ المتنازع عليها. هذا الإجراء، الذي يتم تنفيذه بناءً بهدف الحد من التوترات بين باكو ويريفان وترسيم الحدود بين البلدين حسب ادعاء الأوروبيين، له أيضًا أهداف خفية. لأن الأوروبيين يريدون الاستقرار في جنوب القوقاز ولعب دور مهم في تطورات جنوب القوقاز وإحياء دورهم كوسيط في إطار اتفاقيات مينسك.
لذلك فإن أردوغان الذي لا يرضي الحلفاء الغربيين بسبب موقف الاتحاد الأوروبي المتشدد ضد تركيا في توتر بلاده مع اليونان ورفض انضمام أنقرة إلى الاتحاد الأوروبي، لا يريد وجودهم في كاراباخ ولا تريد هذه الدول أن تنفذ جزءاً من سياسة إعادة العلاقات مع أرمينيا بهدف مواجهة النفوذ الغربي أيضًا.
كما أن تركيا، التي تعتبر نفسها مستفيدة من تطورات كاراباخ، تحاول دفع اتجاه عملية السلام والمفاوضات بين إيران وباكو على أساس مصالحها. بالنظر إلى أن إيران قلقة أيضًا من تصاعد التوترات بين أذربيجان وأرمينيا وتعتزم التوسط لتقليل التوترات بين البلدين، يريد أردوغان إبعاد مسؤولي باكو ويريفان عن إيران وأخذ دور الوساطة شخصيًا. حذرت إيران مرارًا وتكرارًا من السياسات الطموحة لسلطات باكو لبناء ممر زانجيزور وقطع الحدود بين أرمينيا وإيران وأعلنت بوضوح أنها لن تسمح بتغيير الحدود في المنطقة.
يمكن دراسة سياسة أردوغان في الاقتراب من أرمينيا من زاوية أخرى. بالنظر إلى أن الانتخابات الرئاسية في تركيا ستُجرى في مايو 2023، وأن أردوغان يخطط للبقاء في السلطة لمدة أربع سنوات أخرى، لذلك فهو يحاول تحقيق نجاحات في السياسة الخارجية من أجل جذب الرأي العام له. بما أن المشاكل الاقتصادية في السنوات الثلاث الماضية تسببت في استياء شعبي من أداء الحكومة، وأصبح صوت المعارضة يتصاعد كل يوم، فإن إعادة العلاقات مع جميع دول المنطقة وإزالة التوترات ستزيد من سلطته داخل تركيا ويمكنه من تمهيد الطريق لبقاء أردوغان في الرئاسة. كررت الأحزاب المعارضة لأردوغان مرارًا وتكرارًا أن سياسة حكومته الخارجية أضرت بعلاقات تركيا مع جيرانها في العقد الماضي، وباستخدام هذه القضية، تحاول الإطاحة بأردوغان من السلطة. لذلك فإن الانتصار في السياسة الخارجية يساعد أردوغان على إسكات خصومه.
مع أن أردوغان يحاول في هذا الموقف إعادة العلاقات مع أرمينيا عشية الانتخابات الرئاسية، ولكن إذا فازت المعارضة بالانتخابات، فإن السياسة الخارجية لتركيا لن تتوافق مع الأهداف الحالية لهذا البلد، فحتى لو كان هذا ما يريد أردوغان تحقيقه، فقد يتغير مسار تفاعلات هذا البلد مع جيرانه بشكل كامل تحت قيادة المعارضة.