الوقت - هاجمت سفارة موسكو، تصريحات السفير الأمريكي بالخرطوم، جون غودفري، فيما يتعلق بالعلاقات بين السودان وروسيا.
وأكدت السفارة الروسية في الخرطوم، عزم موسكو على التطوير المتتالي للتعاون مع السودان على “مبادئ الاحترام المتبادل والمنفعة المتساوية”.
وجاءت التصريحات الروسية، في أعقاب مقابلة صحفية أجرتها صحيفة محلية مع السفير الأمريكي بالخرطوم، جون غودفري، ذكر فيها، أن حكومة السودان إذا قررت المضي قدماً في إقامة منشأة بحرية لروسيا أو إعادة التفاوض حولها سيكون ذلك مضراً بمصالح السودان.
وقالت السفارة الروسية في بيان اليوم الأربعاء “إن جون جودفري، السفير الأمريكي المعين حديثًا والذي وصل مؤخرًا إلى الخرطوم، وهو يعوض عن سطحية معرفته بالسودان بـ “مصادر” مشبوهة، قرر في مقابلته الأخيرة مع صحيفة التيار السودانية أن يتطرق إلى العلاقات الروسية السودانية”.
وأضاف البيان الروسي “أنه على ما يبدو، وبسبب قلة خبرته وكذلك استنساخه لتعاملات وزارة الخارجية الأمريكية المتعالية، بعيدًا كل البعد عن الملاءمة الدبلوماسية، يحاول السفير الأمريكي، مثل أسلافه، أن يتكلم مع الشعب السوداني بلغة التهديدات والإنذارات النهائية في شأن سيادة الخرطوم في سياساتها الخارجية”.
وتابع “وتظهر حججه حول النظام العالمي الحالي سخيفة. والأكثر سخافة هو تصريحاته حول ما تسمى ”عزلة روسيا”، مضيفاً “أما السفير الأمريكي، فنوصي له بأخذ كل هذا بعين الاعتبار أثناء عمله في منصبه العالي”.
فيما لم تعلق السفارة الأمريكية على الفور على التصريحات الروسية الهجومية، لم تدل الخارجية السودانية من جهتها بأي تصريح.
وينشط السفير الأمريكي، في لقاءات مع الأطراف السودانية المختلفة، بغرض التوصل إلى حل للأزمة السياسية التي أعقبت انقلاب 25 أكتوبر.
وعلى هامش مشاركته في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة بمدينة نيويورك الأمريكية قبل عدة أيام التقى رئيس مجلس السيادة الانقلابي، عبد الفتاح البرهان، بوزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف.
ويرى مراقبون أن الإدارة الأميركية تستخدم سياسة العصا والجزرة مع السودان منذ إجراءات البرهان في الخامس والعشرين من أكتوبر الماضي، ولم تصنف ما حدث على أنه انقلاب عسكري في ذلك الوقت، ولم تفرض عقوبات على السلطة الحالية.
وكانت تدرك بأن الخشونة قد تؤدي إلى خسارة حليف منتظر، وبنت تصرفاتها على أساس عدم ترك الساحة خالية أمام تغلغل روسيا والصين في السودان، وتتدخل في التوقيت الذي تشعر فيه أن الخرطوم تتجه بشكل أكبر نحو معسكر موسكو.
وشدد السفير جون غودفري على أن مشاركة البرهان في الجمعية العامة للأمم المتحدة لا تعني أن الصفحة قد طويت، قائلا “وأكرر أن مفتاح تعميق العلاقات بين الحكومتين وتوسيع التعاون على مستوى الحكومات لا يمكن تحقيقه إلا في سياق حكومة بقيادة مدنية واستعادة المسار الانتقالي في السودان”.
وجاءت هذه التصريحات بعد أيام من لقاء جمع بين البرهان ووزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف على هامش اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، وتضمنت ثناء سودانيا على مواقف موسكو الداعمة في المجالات المختلفة، وفي المقابل تأكيد روسيا على أهمية موقف السودان المحايد من الأزمة الأوكرانية.
وقال عضو المعهد الدبلوماسي التابع لوزارة الخارجية السودانية عبدالرحمن أبوخريس إن السلطة الحالية قررت في أعقاب قرارات البرهان العام الماضي انتهاج سياسة انفتاحية على قوى عديدة شرقا وغربا، وهو ما لم تتحمس له الولايات المتحدة التي اعتبرت ذلك سلوكا عدائيا ضدها، فيما قرر مجلس السيادة الحالي المضي قدما في توجهاته دون أن يصل إلى مرحلة الصدام المباشر مع واشنطن.
وأشار إلى أن الخرطوم ترفض صيغة التهديدات وتنتظر الانفتاح في العلاقات مع واشنطن بشكل كامل وحقيقي، بعيدا عن الوكلاء الذين تعتمد عليهم الإدارة الأميركية ويتم توظيفهم كوسطاء مع السلطة الحالية.
ويؤكد سياسيون أن وصول السفير الأميركي الجديد إلى الخرطوم منذ حوالي شهر لم يكن على مستوى توقعات الخرطوم التي وجدت نفسها أمام ضغوط مضاعفة تدفعها نحو تسليم السلطة للمدنيين، وحينما حاولت الترويج بأن زيارة البرهان لنيويورك لحضور اجتماعات الأمم المتحدة تشي بفتح صفحة جديدة بين السودان والغرب على لسان المستشار الإعلامي للجنرال البرهان الطاهر أبوهاجة اصطدمت بتصريحات دبلوماسية أميركية أكثر إحراجا لها بعد أن نفى السفير الأميركي ذلك.
وعمد السفير الأميركي إلى الدفاع عن بعث رسائل للداخل السوداني مفادها بأن بلاده لا تتدخل في الشأن الداخلي وأن “جميع البلدان تتمتع بحق سيادي في اختبار البلدان الأخرى التي تنشئ شراكات معها، لكن تلك الخيارات لديها عواقب”، ما يعني أن واشنطن قد تمضي في اتجاه توقيع عقوبات واتخاذ إجراءات ضد الخرطوم حال منحت روسيا القاعدة العسكرية.
وذكرت أستاذة العلوم السياسية بجامعة الخرطوم تماضر الطيب أن الولايات المتحدة لا ترضى عن المناورات التي يمارسها السودان بشأن علاقاته مع روسيا والصين، ولاحظت أن فكرة القاعدة تراود السلطة الحالية بعد أن نجحت في منع قيامها خلال العامين الماضيين، ما يشير إلى أن البرهان يحاول اللعب على جميع الحبال.
وأوضحت لبعض وسائل الإعلام أن استخدام الولايات المتحدة شعارات دعم الديمقراطية واستعادة الحكم المدني لا يتم التعويل عليها كثيرا في الداخل، ولا يوجد دعم حقيقي للمدنيين على الأرض وإن استخدم السفير الأميركي صيغا كلامية بليغة، وأن واشنطن تسعى للحفاظ على تماسك البرهان وتساعده على تجاوز مطبات الفترة الانتقالية لكنها ترفض أن يذهب باتجاه روسيا وينفذ أهدافها في البحر الأحمر.
وتجاهلت الخرطوم الرد الفوري على ما يمكن وصفه بالتهديدات الأميركية من خلال الجيش أو وزارة الخارجية أو مجلس السيادة، لأنها على قناعة بأن مناوراتها نجحت حتى الآن في عدم التعامل الأميركي مع قرارات أكتوبر الماضي كانقلاب عسكري.
وتلوح بورقة القاعدة العسكرية الروسية عندما تشعر أن الضغوط الأميركية تتزايد عليها وتخفيها عند الهدوء، وتبعث رسائل على أن استخدام العصا معها يذهب بها إلى الارتماء في أحضان موسكو.
يذكر أن المجلس العسكري حافظ، في أعقاب الإطاحة بالرئيس المخلوع، عمر البشير، في أبريل 2019، على علاقات جيدة مع موسكو.