الوقت_ مؤخراً، زعم رئيس الأركان الإسرائيليّ، الجنرال أفيف كوخافي، أنّ “حزب الله” اللبنانيّ يختطف لبنان، مُهدّداً بأن الصواريخ التابعة للعدو والقذائف المضادة للدبابات تغطي جنوب لبنان، حيث كثّف الإسرائيليون في الفترة الماضية من الحديث عن احتماليّة وقوع حربٍ بين الكيان الصهيونيّ والمقاومة اللبنانيّة، أيْ على الجبهة الشماليّة، وقد أطلقت سلطات العدو العنان لوسائل الإعلام الإسرائيليّة بالحديث عن هذا الموضوع، في وقت تحوّل فيه حزب الله اللبنانيّ إلى قوّة تملك من الجهوزية والحنكة السياسية، والقدرات العسكرية ما لم تمتلكه بعض الدول، وقد عمد الإعلام الإسرائيليّ في الأيام الأخيرة إلى الحديث عن تصعيدٍ جديد مع المقاومة اللبنانيّة والمقاومة الفلسطينيّة، فيما يعترف ضباط في "إسرائيل" بأنّها لن تكون قادرة على خوض حرب متعددة الجبهات على الصعيد العسكريّ أو حتى على صعيد الجبهة الداخلية، بل ستتعرض لضربة هائلة قد يقتل فيها الآلاف باعتقادهم.
تصريحات جوفاء
“لبنان وحزب الله سيتحملان العواقب إذا تضررت سيادة إسرائيل أو مواطنيها”، هذا ما نقلته وسائل إعلام عبريّة، عن كوخافي، الذي تناسى أنّ المقاومة اللبنانيّة تمتلك كميات كبيرة من الصواريخ المضادة للطائرات والقذائف المضادة للسفن، فضلًا عن آلاف القذائف المضادة للدبابات التي يتمتع عناصره بمهارات في استخدامها، وتشمل نقاط القوة التكتيكية لحزب الله التغطية والإخفاء، والنيران المباشرة، وإعداد المواقع القتالية، فيما ترجح تقديرات العدو أن لدى المقاومة اللبنانية 45000 صاروخ قصيرة المدى تصل إلى 40 كم، من دون قذائف الهاون التي يمتلكها التنظيم إلى جانب 80000 صاروخ متوسط وطويل المدى يتميز بدقته.
ومن الطبيعيّ أن يتحدث رئيس الأركان الإسرائيليّ بأنّ “الجيش الإسرائيلي لن يقف مكتوف الأيدي" وذلك لطمأنة العصابات الصهيونيّة التي تحتل فلسطين، لكنّ تقارير ودراسات كثيرة بيّنت أنّ قدرات حزب الله شهدت نقلة نوعيّة على الصعيد العسكريّ، إذ زادت ترسانته من الأسلحة من نحو 33 ألف صاروخ وقذيفة قبل حرب 2006 إلى ما يقدر بـ150 ألف صاروخ حسب بعض التقديرات، ومنها تقدير مركز الدراسات الدولية والاستراتيجية، وكذلك الإعلام الاسرائيلي ومسؤوليه، وقد زاد عدد مقاوميه من بضعة آلاف عام 2006 إلى أكثر من عشرين الفاً إبان الحرب حسب التقديرات نفسها، ويعترف كبار قادة المؤسسة الأمنيّة بأنّ الجبهة الداخليّة للكيان الصهيونيّ ليست جاهزة وليست حاضرة للمواجهة، كما أنّ المجتمع الإسرائيليّ يُعاني من عقدة عدم الانضباط والتصرّف وفق تعليمات الجبهة الداخليّة، ناهيك عن أنّ "إسرائيل" اعترفت في أكثر من مناسبة أنّ الترسانة العسكريّة التابعة لحزب الله باتت أقوى، كمًا ونوعًا، من ترسانة العديد من دول الناتو (حلف شمال الأطلسيّ).
وفي الوقت الذي هدد فيه الجنرال أفيف كوخافي بما أسماها “مبادرة استباقية” في لبنان أو أي ساحة لمنع أي هجمات، يسود الاعتقاد بأنّه إذا صحّت الانتقادات ضدّ الوحدات البريّة في جيش الاحتلال، فهذا يعني أنّ كلّ الأحاديث عن قوّة البريّة الإسرائيليّة لا أساس لها من الصحّة، وأنّ "إسرائيل" ليست قادرةً على حسم المعركة لا ضدّ حزب الله على الجبهة الشماليّة للأراضي الفلسطينة المحتلة، ولا ضدّ حركة المقاومة الإسلامية "حماس" في قطاع غزّة المحاصر منذ عقد ونصف العقد، في ظل القوة العسكريّة للمقاومة بأبعادها العقائدية والماديّة، والتي أحدثت وقعها وصخبها على المستوى المحليّ وعلى امتداد المنطقة.
والمثير للسخريّة هو تصريح الضابط الصهيونيّ بأنّ "قيام حزب الله بالتحكم في لبنان ومصيره سيجعله يدفع ثمنا مضاعفا، أمنيّاً واقتصاديّاً"، على الرغم من اعتراف الإسرائيليين بأنّ الأراضي التي يسيطرون عليها باحتلالهم العسكريّ في فلسطين باتت بالكامل في مرمى صواريخ المُقاومة، بما في ذلك مفاعل ديمونا النوويّ، وجميع المنشآت الحساسّة في "إسرائيل"، حيث تحوّل "حزب الله" إلى تهديد حقيقيّ لكيان الاحتلال الغاشم عبر إرساء معادلات ردعٍ جديدةٍ نتيجة، تجعل العدو الإسرائيلي يحسب ألف حساب قبل الدخول في أيّ حرب، في وقت تتحدث فيه بعض الدراسات أنّ حزب الله يعد أضخم قوة عسكرية خارج إطار الجيوش النظامية في العالم، ويمتلك ترسانة هائلة من المدفعية الصاروخية، إضافة إلى صواريخ باليستية، ومضادات للطائرات، وأسلحة مضادة للدبابات، ناهيك عن القذائف المضادة للسفن قادرة على ردع العدو أكثر مما يتخيل.
وفي ظل زعم كوخافي أنّ "الجيش الإسرائيلي يبادر ويهاجم الأسلحة التي تهدد إسرائيل في كل منطقة من مناطق الشرق الأوسط"، وأنّ "الجيش الإسرائيلي بادر بإسقاط الطائرات دون طيار التي حاول حزب الله استخدامها مؤخرا”، تظهر المقاومة في لبنان كقوة مهمة تُخيف الصهاينة بشدّة، فيما يظهر العدو الصهيونيّ بمواقفه عاجزاً عن إدراك وتفسير حجم تنامي وثبات المقاومة في لبنان وغيره، مقدماً للداخل الإسرائيلي على وجه الخصوص، انتصارات مخجلة ومكشوفة للتغطية على فشله الحقيقيّ وارتباكه وضعفه، فيما تسجل المقاومة في أكثر من دولة حضوراً مهماً يبرهن على قوتها وثباتها في مواجهة العصابات الصهيونيّة وداعميها.
هلعٌ إسرائيليّ كبير
بكثافة كبيرة، تحدث الإعلام العبريّ أن المقاومة في لبنان قد تعبر الحدود الفلسطينيّة التي يسيطر عليها العدو في أي معركة قادمة أمام قوات الاحتلال، ونشر الجنرال إسحاق بريك، رئيس لجنة الشكاوى السابق في جيش الكيان، مقالا في القناة الـ 12 العبرية، أوضح من خلاله أن بإمكان “حزب الله” اجتياز الحدود مع "إسرائيل "وبأعداد كبيرة خلال أيّ معركة مقبلة بينه وبين جيش الحرب الإسرائيليّ، فيما قال القائد الإسرائيليّ الجديد للمنطقة الشماليّة الفلسطينيّة، أوري غوردين، الذي تولى سابقاً منصب قائد الجبهة الداخلية الإسرائيلية، إن مهمته الأولى ستكون الاستعداد لآلاف الصواريخ التي يمكن لـ”حزب الله” إطلاقها في حال وقوع أي مواجهة، مؤكّداً إمكانيّة أن يُطلق حزب الله 4000 صاروخ يومياً خلال أيّ قتال محتمل معه.
وبشكل متكرر، أعرب العديد من الخبراء والمُختصين والمُحللين للشؤون العسكريّة في "إسرائيل" عن خشيتهم العارمة من قوّة سلاح البريّة في جيش الاحتلال، موضحين أنّ المعركة الأخيرة التي خاضتها القوات الإسرائيليّة كانت في حرب تشرين/ أكتوبر عام 1973، ومؤكّدين على أنّ قادة العدو يمتنعون من أيّ حرب جديدة خشية الثمن الباهِظ من استخدام جيش البريّة في الـ”عمليات” التي يقومون بها ضدّ الفصائل الفلسطينيّة في قطاع غزّة، وبما أنّ المقاومة اللبنانيّة المتمثلة في "حزب الله" حققت انتصارات كبيرة على "إسرائيل" وفرضت معادلاتها وغيّرت المحاور القتالية.
كذلك، يضع العدو الإسرائيليّ سيناريو يُرجّحه للحرب المقبلة في لبنان، وهو ثلاثمئة قتيل إسرائيليّ خلال تسعة أيام، وليس هذا فحسب بل تتوّقع تل أبيب أنْ يُطلق ما معدّله 1500 صاروخ يوميًا من لبنان، كما كشفت صحيفة (يديعوت أحرونوت) العبريّة قبل مدّة، نقلاً عن الجنرال أفيف كوخافي نفسه، لذلك لم يكُن مفاجئًا أبداً أنْ يتحدث أحد المصادر الأمنيّة الإسرائيليّة الرفيعة أنّ التوتّر على الحدود مع لبنان يزيد من إمكانية أنْ تحصل حادثة أمنية كبيرة في الشمال الفلسطينيّ، مضيفاً: "إنّ ذلك لا يُشعر به على الأرض، لكن السخونة تزداد في العمق، إذ إنّنا نحتاج فقط إلى الشرارة التي ستشعل المنطقة”.
استنفار إسرائيليّ
تستند قوة المقاومة اللبنانية العسكرية وفقاً لتقارير دوليّة، على كمية ونوعية الصواريخ التي يمتلكها حزب الله، وتستخدم استراتيجية الحزب عادةً القذائف والصواريخ كأسلحة هجومية، إإضافة إلى وحدات المشاة الخفيفة والدروع المضادة للدروع، فضلاً عن الطائرات المسيّرة، وقد بيّن الإعلام العبريّ قبل مدّة أنّ مدى تأثير حزب الله على التدريبات الإسرائيليّة السابقة، وكيف أنّ هاجسه بالنسبة للكيان الاحتلال ما يزال كما كان في السابق، أيْ الهاجس نفسه، الذي يقُضّ مضاجع الإسرائيليين، قيادةً ومستوطنين.
وفي تأكيد على الرعب الإسرائيليّ من حزب الله، قرر الإسرائيليون إقامة مجموعة جهوزية في (كريات شمونة)، وهي قرية الخالصة الفلسطينيّة، وذلك للمرة الأولى منذ إنشاء السرطان الإسرائيليّ عام 1948، كما أنّ المدينة الشمالية تجند في هذه الأيام سكاناً منها لتقديم جواب أمنيٍّ عند الحاجة، حيث تم تجنيد 20 عضواً في الحي الشمالي (يوفليم) في (كريات شمونة) ضمن مجموعة جهوزية، ويصل عدد سكان المدينة يصِل إلى 22 ألف شخص، معظمهم من الّذين تمّ جلبهم من الدول العربيّة في شمال أفريقيا، وعلى نحو خاصٍّ من المملكة المغربية.
وذكر الإعلام التابع للكيان، أنّه يتم التخطيط في المستقبل لإنشاء مجموعة جهوزيّة إضافية ترتكز على مقاتلين من المدرسة الدينية الواقعة في المدينة وتعطي جوابًا لبقية أجزاء المدينة، ونقلت عن ضابط أمن البلدية قوله: “نحن ندرك الحاجة العملانية، على ضوء التطورات من الشمال عندما يكون هناك تهديدات باحتلال مستوطنات والتسلل إلى داخلها”، كما نُقل عن رئيس البلدية آفيحاي شترن قوله “في سنوات الـ70 تسلل مخربون وقتلوا 16 شخصًا من سكان المدينة، من بينهم أبناء عائلتي”، مضيفًا: المتسللون الذين يتسللون من لبنان يأتون إلى مستوطنة (مرغليوت) المتاخمة، وكذلك من المنحدرات إلى (كريات شمونة)، لكننا في ساعة الحقيقة من المهم أنْ نستطيع إعطاء جواب أوليٍّ، لأنّ ردّ الجيش سيستغرق وقتًا، وهؤلاء المقاتلون يمكنهم تقديم جواب على حادثة في بدايتها”، على حد تعبيره.
وتنص الخطة الإسرائيليّة الجديدة على تجهيز أعضاء مجموعة الجهوزية في (كريات شمونة) بأسلحة، وسترات واقية وأجهزة اتصال، إضافة إلى ذلك سيتم تأهيل الطواقم أيضًا على تقديم مساعدة طبية أولية والمساعدة في حال حصول هزات أرضيّة، إضافة إلى أنّ تعزيز الجهوزية لا يتلخص فقط في (كريات شمونة)، بل تجري مناورة ستستمر لعدّة أيّامٍ، وستختبر مجموعات الجهوزية في المستوطنات الحدوديّة سوية مع كتائب فرقة (برعام)، وسيتم اختبار الجواب على سيناريوهات كثيرة مرتبطة بالحدود الشمالية ومن بينها التسلل إلى المستوطنات.
بالمقابل وفي هذا الخصوص، قال نائب وزير الأمن السابق التابع للعدو، إفراييم سنيه، والذي تبوأ مناصب أخرى كثيرة بالمؤسسة الأمنيّة وفي الكنيست، إنّ التهديد الذي يُكثرون الحديث عنه في الفترة الماضية هو تهديد الصواريخ الدقيقة، إضافة إلى الطائرات المُسيّرة المُهاجمة التي تُحلِّق على ارتفاعاتٍ قليلة، ولكنّ التحدّي الذي لا يتناولونه، هو التهديد الإقليميّ المُتمثل بالصواريخ الهايبر، التي تفوق سرعتها بعدّة مرّات سرعة الصوت، وإنّ هذا النوع من الصواريخ يختلِف عن الصواريخ العابرة للقارّات، لأنّ أهدافها ومسارها ليسا متوقّعين، أي منذ انطلاق هذه الصواريخ، وحتى إصابتها الهدف.
بالاستناد إلى كل ما ذُكر، تُدرك القيادة العسكريّة الصهيونيّة أنّ قدرات حزب الله العسكريّة تفوق القدرات التي يعرفها العالم عنه، والتي هي في تزايد مستمر، الشيء الذي يجعل تل أبيب تبحث باستمرار عن إنشاء خطط محتملة لخوض حرب ضد المقاومة اللبنانيّة، رغم أنّ المسؤولين العسكريين الإسرائيليين مُتردّدون بشأن إعداد وتجهيز الإسرائيليين لحرب مستقبلية مع حزب الله، فهناك سيناريو مرجعي من جهة يتحدث عن وابل من الصواريخ والإصابات التي لم يشهدها الكيان منذ إقامة الدولة الطائفيّة على أنقاض شعب فلسطين في النكبة، ومن ناحية أخرى لا يرغبون في التسبّب في الذعر بين الجمهور، على حدّ تعبيرهم، حيث إنّ اللّواء احتياط في جيش الكيان، والمسؤول السابق لملف تلقّي شكاوى الجنود، يتسحاق بريك، قال إنّ وضع قوات العدو في تدهور، وأنّه منذ 1965 لم يشهد الجيش مثل هذا التراجع، مُشدّدًا في الوقت ذاته على أنّه طالب بتشكيل لجنة تحقيقٍ خاصّةٍ بذلك، لكن دون جدوى.