الوقت - قال الكاتب الفرنسي (هادريان ديسوين)، ‘‘كي يعود الوهج مرة أخرى لفرنسا في إفريقيا، فإنه لم يعد هناك مجال لأن تتردد باريس بين الجزائر مع حكومة معادية لفرنسا، والمغرب، الذي ينتظر فقط إشارة من باريس بشأن الصحراء. فالمغرب هو حليفنا الوحيد الموثوق به في المنطقة المغاربية’’، على حد تعبيره.
واعتبر الكاتب أنه بعد الانسحاب المنظم من مالي وإعادة انتشار بعثة برخان في منطقة الساحل، ‘‘تحتاج الدبلوماسية الفرنسية إلى شركائها المغاربيين أكثر من أي وقت مضى للتخلص من التوترات في إفريقيا والقتال بفعالية ضد الجهادية الدولية”، لكنه أضاف ” للأسف، فإن الزيارة الرئاسية الأخيرة للجزائر جعلت الناس يدركون أن جروح التاريخ لم تلتئم بعد”.
وقال إنه “لا شك في أن الجزائر تفكر في الاستفادة من الانسحاب الفرنسي من مالي وأزمة الطاقة في أوروبا لاستعادة نفوذها في باماكو وباريس”. وتحدث عما زعمه كزافييه دريانكور، سفير فرنسا السابق لدى الجزائر، بأن “الجنرالات الجزائريين نجحوا في خنق الحراك بعد سقوط حاشية بوتفليقة. وبالتالي، سيستمر ريع الذاكرة وزبونية الجيش الذي يحكم منذ نهاية الحرب الجزائرية”.
وتحدث الكاتب عن ‘‘سياق مَغاربي متفجر’’، معتبراً أن الوضع ليس بالمشرق شرق الجزائر العاصمة. بينما لا يبدو أنه سيكون هناك تقارب بين فرنسا وتونس في ظل رئاسة قيس سعيد لهذا البلد الذي ليس له تأثير حقيقي في إفريقيا جنوب الصحراء. أما ليبيا فما تزال غارقة في حرب أهلية، ومسألة تقسيمها ستظهر في نهاية المطاف على المدى القصير. وفي هذا السياق المتفجر في شمال إفريقيا، تلوح في الأفق زيارة رسمية مرتقبة لإيمانويل ماكرون إلى المغرب في شهر أكتوبر المقبل، على حد قول الكاتب.
وتابع القول إن ‘‘المغرب، الذي يواجه أيضًا جوارًا صعبًا للغاية مع الجزائر، يحاول فهم تدفقات الحب والكراهية المتبادلة بين باريس والجزائر’’، معتبراً أنه ‘‘بعد ستين عامًا على الاستقلال، ظلت جهود فرنسا والمغرب لتطوير جوارهما مع الجزائر عقيمة’’، ومتسائلاً ‘‘لماذا الإصرار على مصالحة مستحيلة؟’’. وشدد الكاتب، هنا، على أن التحديات الأمنية في غرب إفريقيا ملحة وتتطلب استجابة سريعة، قائلاً إنه ‘‘للتحايل على التصلب الجزائري في مواجهة فرنسا، يقدم المغرب بديلاً إذا كانت فرنسا مستعدة للاعتراف بدورها التاريخي في الصحراء’’.
واعتبر الكاتب أن الاعترافات الأخيرة بمغربية الصحراء الغربية من قبل الولايات المتحدة أو إسرائيل ـ (مع أن ذلك لم يحدث فعليا)ـ أظهرت أن فرنسا يمكن أن تخسر المغرب دون أن تكسب الجزائر، إذا استمرت في موقف متناقض بشأن الصحراء. ففي الآونة الأخيرة، أبدت إسبانيا وألمانيا ـ (مع أن هناك جدلا حول هذا الزعم من الكاتب بالنسبة لألمانيا) ـ تأييدهما للاقتراح المغربي الخاص بالحكم الذاتي للصحراء الغربية. قبل أن يجعل العاهل المغربي محمد السادس من هذه القضية المحور الرئيسي لدبلوماسيته”.
ورأى الكاتب أنه ‘‘سيكون لفرنسا مصلحة في إعادة إطلاق جهودها لصالح الحكم الذاتي لأقاليم جنوب المغرب إذا أرادت الاعتماد على الرباط لإعادة بسط نفوذها في غرب إفريقيا’’، مشيراً إلى أن بعض شركاء باريس، بما في ذلك الولايات المتحدة، فتحوا قنصليات في الداخلة أو العيون. ومع ذلك، من الواضح – حسب الكاتب – أن المبادلات الاقتصادية الفرنسية المغربية تتجاوز تلك التي تربط فرنسا بالجزائر على الرغم من اعتماد باريس على الغاز.
واعتبر الكاتب أنه في هذه المنطقة المطلة على المحيط الأطلسي، وهي جسر استراتيجي محتمل بين شمال وجنوب غرب إفريقيا، تحافظ باريس على علاقات جيدة مع موريتانيا، التي تعد محايدة تقليديًا بشأن مسألة الصحراء الغربية. وبالتالي، يمكن لباريس إقناع نواكشوط بالاستفادة من اتفاقية حدودية مع المغرب.
وفي سياق متصل، خطت جبهة البوليساريو خطوات عملاقة في علاقتها مع فرنسا، حيث أصبحت تتحرك في مياه العلاقات المغربية الفرنسية من بوابة رسمية، وهذا بعدما استقبل البرلمان الفرنسي ممثل الجبهة، حمد سيداتي، والناشطة سلطانة خيا، دون طرح أي أجندة رسمية تبرز نوع التداول بين المجتمعين.
وقد استقبل النائب الفرنسي، جون بول لوكوك، حمد سيداتي، وسلطانة خيا، داخل مبنى البرلمان، مع رهانات المتنقلين من جبهة البوليساريو باستمرار الجولة في الديار الفرنسية أسبوعا من الزمن، يقدمون فيها ندوات ولقاءات مع جمعيات وسياسيين فرنسيين.
يأتي هذا في الوقت الذي تمر فيه العلاقات المغربية الفرنسية بمرحلة فتور حادة، وخصوصا بعد أزمة التأشيرات وزيارة ماكرون إلى العاصمة الجزائر، ومن المتوقع أن يزيد انفتاح البرلمان الفرنسي على عناصر البوليساريو وأعضاء الحكومة الصحراوية من تأزم العلاقة بين الرباط وباريس.
وما يقلق المغرب أكثر، في زيارة الوفد الصحراوي إلى البرلمان الفرنسي، أنّه على عكس المعتاد، لم يأت الاستقبال هذه المرة من أطراف يسارية، باعتبار جون بول لوكوك محسوبا على التجمع من أجل الجمهورية، كما مر من تجارب يمينية منذ بداية مشواره السياسي في فرنسا سنة 2002.
هذه التطورات الجديدة أربكت الطبقة السياسية المغربية وإعلام المغرب، الذي يرى أنّ الاستقبال الذي ثم ترتيبه، لوفد جبهة البوليساريو، من طرف رئيس ونائب داخل البرلمان الفرنسي يترجم عدم رغبة واستعداد فرنسا السياسي لتجاوز الأزمة الدبلوماسية الصامتة مع المغرب، كما يرى اعلام المغرب أنّ قصر الإليزي لم يتوان في الفترة الأخيرة في “إعطاء إشارات غير مفهومة دبلوماسيا في تدبير سياسته الخارجية مع المغرب، بدخوله في بناء قنوات دبلوماسية مع بعض المكونات الإقليمية المغاربية على حساب توازنات تقليدية وعلاقات سياسية لفرنسا في المنطقة”.
من جهة أخرى يأتي الموقف الفرنسي المنفتح أكثر على جبهة البوليساريو متزامنا مع زيارة إيمانويل ماكرون إلى الجزائر، واستقبال الرئيس التونسي قيس سعيّد لزعيم جبهة البوليساريو إبراهيم غالي، إضافة إلى التزام الإليزي الصمت تجاه الفتور الذي تعرفه العلاقات المغربية الفرنسية، وانفتاحه السياسي والإداري تجاه كل من تونس وموريتانيا والجزائر، وهذا ما يعني أنّ السلطات في فرنسا لم تعد مهتمة بالابتزاز المغربي، الذي يستعمل الهجرة غير الشرعية للضغط على الدول الأوروبية، بل على العكس تماما، تحاول فرنسا معاملة القصر المغربي بنفس أسلوبه، تاركة الكثير من الضبابية في علاقتها معه، وهذا كنوع من الرد على التهديدات التي أطلقها محمد السادس في خطابه الأخير، عندما طالب الدول بتوضيح موقفها صراحة من قضية الصحراء الغربية، معتبرا أنّ هذه القضية هي النظارة التي ينظر بها إلى العالم، وفُسّرت هذه التهديدات بأنّها موجهة لفرنسا، عشية زيارة ماكرون للجزائر، فكان الرد الفرنسي باستقبال أعضاء من جبهة البوليساريو بطريقة رسمية داخل البرلمان.