الوقت- أدت ضغوط الجزائريين، من علماء ومشايخ وأحزاب ومنظمات جمعوية وصحافة وطنية، إلى استقالة المغربي، أحمد الريسوني من على هرم الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.
حيث أعلن الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، الأحد، "الاستجابة لرغبة الشيخ أحمد الريسوني في الاستقالة من رئاسة الاتحاد".
وقبل ساعات، قدم الريسوني استقالته من رئاسة الاتحاد (مقره الدوحة)، في بيان، تمسكا منه "بمواقفه وآرائه الثابتة الراسخة، التي لا تقبل المساومة، وحرصا على ممارسة حريته في التعبير دون شروط ولا ضغوط".
وقال داعية البلاد المغربي، في رسالة نشرها على موقعه الإلكتروني، الأحد، “قرّرت تقديم استقالتي من رئاسة الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين”، زاعما أن هذا القرار جاء “تمسكا مني بمواقفي وآرائي الثابتة الراسخة التي لا تقبل المساومة وحرصا على ممارسة حريتي في التعبير، بدون شروط ولا ضغوط”، بينما لا يخفى على أحد أنها كانت نتاج ضغط عال في مستويات شعبية وربما أخرى خفيّة، جعلت المغرب يخسر موقعا مرموقا حاول استغلاله لتمرير أطروحته الاستعمارية لمغالطة الرأي العام العربي والإسلامي.
وردا على الاستقالة، قال الاتحاد "توافق مجلس الأمناء للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين على الاستجابة لرغبة الشيخ الدكتور أحمد الريسوني بالاستقالة من رئاسة الاتحاد".
وأضاف: "وتغليباً للمصلحة وبناءً على ما نصّ عليه النظام الأساسي للاتحاد فقد أحالها للجمعية العمومية الاستثنائية كونها جهة الاختصاص للبت فيها في مدة أقصاها شهر".
وفي 17 أغسطس الحالي، قال الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين علي القره داغي، إن موقف الاتحاد من تصريحات رئيسه أحمد الريسوني في مقابلة تلفزيونية، مؤخرا، عن إقليم الصحراء المتنازع عليه، "يمثله وحده ولا يمثل علماء المسلمين".
وأوضح أن "دستور الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين ينص على أن الرأي الذي يسند إلى الاتحاد هو الرأي الذي يتم التوافق، والتوقيع عليه من الرئيس والأمين العام بعد المشورة، ثم يصدر باسم الاتحاد، وبناء على هذا المبدأ فإن المقابلات أو المقالات للرئيس، أو الأمين العام تعبر عن رأي قائلها فقط، ولا تعبر بالضرورة عن رأي الاتحاد".
وأثارت تصريحات الريسوني عن إقليم الصحراء، في مقابلة مع موقع "بلانكا بريس" المغربي (مستقل)، منتصف أغسطس الجاري، ردود فعل غاضبة في الجزائر، وخاصة من الأحزاب ذات التوجه الإسلامي، مطالبة بإقالته من موقعه.
وقالت صحيفة "الشروق" الجزائرية إن "استقالة أحمد الرسوني تضع بذلك حداً لنهاية مسار لمن تطاول على سيادة الجزائر، ليكون عبرة للآخرين في أن الجزائر خط أحمر".
وأشارت صحيفة الشروق إلى أن الريسوني إذا كان صنف انسحابه الاضطراري من رئاسة الاتحاد في خانة "الاستقالة"، فإن تطور الأحداث يثبت انتفاضة المشايخ والدعاة والطبقة السياسية ضده، منذ أن أطلق تصريحاته في حق الجزائر وموريتانيا أيضاً، كما أدانت التصريحات جهات رسمية، منها المجلس الإسلامي الأعلى في الجزائر ولجنة الفتوى بوزارة الشؤون الدينية.
كما لم تمض تصريحات الريسوني مرور الكرام بالنسبة موريتانيا التي لم تسلم هي الأخرى من سهامه، حيث وصفت هيئة العلماء المسلمين الموريتانيين هذه التصريحات بـ"المريبة والمستفزة"، معتبرة أن هذا النوع من الدعوات "لا علاقة له بوحدة الصف الإسلامي" وأنه "تطاول على سيادة الدول".
وأشارت صحيفة الشروق في افتتاحيتها إلى أن التحرك الأكبر لقيادات جمعية العلماء المسلمين وباقي الأعضاء الجزائريين المنخرطين في الاتحاد العالمي، حيث قرر هؤلاء وعددهم 24 تجميد نشاطهم في الاتحاد إلى حين إعفاء الريسوني من منصبه إما بالاستقالة أو الإقالة، كما حرصوا على كشف الأخطاء الشرعية والفقهية التي وقع فيها الريسوني الذي يوصف بأنه "ضليع في علم المقاصد"، قبل أن يضيع البوصلة وينخرط في اللعبة السياسية التي رسمها.
واعتبر رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين عبد الرزاق قسوم، أن قبول الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين لرغبة الريسوني بالاستقالة، جاء استجابة للمطالب العادلة والمشروعة لعلماء الجزائر.
وأوضح قسوم في تصريح للصحيفة أن استقالة الريسوني من منصبه جاءت "استجابة لمطالبنا العادلة والمشروعة"، مشيراً إلى أن الاستقالة تعد الهدف المنشود لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين وخبر استقالتها وقبولها أمر بالغ الأهمية، ونبه أن المغربي الريسوني –وفق ما جاء في رسالة الاستقالة– "قد تصلب وبقي محافظاً على مواقفه".
من جانبه، أكد أبو جرة سلطاني، بصفته رئيس منتدى الوسطية وعضو في الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، أن موافقة الاتحاد على استقالة الريسوني جاءت على خلفية الضغط الذي مورس عليه من جميع الجهات، على غرار علماء الجزائر وموريتانيا وغيرهم.
بدوره، اعتبر المجلس الأعلى للأئمة الصحراويين أن دعوة الريسوني الى “الجهاد” ضد الصحراء الغربية والجزائر وموريتانيا، يأتي “إرضاء وتملقا لنظامه الاستعماري التوسعي وتجاهلا للعدو الحقيقي للأمة الاسلامية ولشعوبها والذي ارتمى في أحضانه النظام المغربي”.
وأمام سكوته المطبق عن الزيارات المتتالية لقيادات عسكرية وأمنية صهيونية الى المغرب وتجرئه, بالمقابل, على التهجم على الجزائر, اعتبرت العديد من المنظمات أنه كان يجدر بالريسوني تسخير جهوده لإفشال التطبيع الذي يفسح المجال للكيان الصهيوني على حساب مصالح مواطني بلده ويعطيه موضع قدم في المنطقة المغاربية.
وفي ذات المنحى، كانت أحزاب سياسية جزائرية قد أجمعت على أن "تصريحات الريسوني لا تأتي إلا من قبل حاقد جهول، متنكر لقيم الإسلام"، مصنفة إياها في خانة المراهقة المتأخرة والفراغ الروحي الذي يعاني منه البعض, وخاصة عندما يتعلق الأمر بسيادة الجزائر ووحدة ترابها وشعبها .
وحول أبرز المرشحين لخلافة الريسوني، قال الباحث المصري المختص في حركات الإسلام السياسي، عمرو فاروق، إن أقربهم هو علي محي الدين القرة داغي، الأمين العام للاتحاد؛ نظرا لقربه من يوسف القرضاوي.
وأضاف فاروق، في حديث صحفي، إن الريسوني تسبب في زيادة الضغط على ما يسمى ”الاتحاد العام لعلماء المسلمين” وجماعة الإخوان، وباستقالته تخلصوا من جزء كبير من تلك الضغوطات حتى ولو بشكل مؤقت.
وأكد أن “القرة داغي” البديل الأول والأوفر حظا للريسوني وخاصة أنه يعد أحد رجال يوسف القرضاوي المقربين جدا منه، إضافة إلى أنه أحد رجال الإخوان والمدافع المستميت عنهم.