الوقت - بينما اتفق القادة السياسيون الليبيون على إجراء انتخابات واقتسام السلطة العام الماضي خلال اتفاق تحت إشراف الأمم المتحدة، ومع مرور الوقت، فإن الصراع على السلطة بين قيادات حكومة الوفاق الوطني في طرابلس وبرلمان طبرق شرق ليبيا، أدى إلى اندلاع جولة جديدة من الصراعات بين قوى الطرفين. وفي هذا الصدد، شهدت مدينة طرابلس، السبت، صراعًا عنيفًا بين القوات العسكرية لحكومتي عبد الحميد الدبيبة وفتحي باشاغا.
الدبيبة هو رئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبية، التي تتولى شؤونها منذ عام على أساس اتفاق سياسي بإشراف الأمم المتحدة، ومن ناحية أخرى، فإن البرلمان الليبي، الذي يقع في منطقة طبرق شرق ليبيا، أعطى الثقة لفتحي باشاغا في مارس 2022، و كلا الحزبين يعتبران نفسيهما الزعيمين الأساسيين لليبيا ولا يرغبان في التنحي قبل إجراء انتخابات لمصلحة الآخر، وقد أدت هذه القضية إلى اشتداد الصراع على السلطة في هذا البلد.
وقعت الاشتباكات في طرابلس بعد أن كتب فتحي باشاغا رسالة إلى الدبيبة وطلب منه تسليم السلطة، لكن الدبيبة لم يقبل تسليم السلطة إلى باشاغا وقال إنه لن يسلم السلطة إلا إلى حكومة منتخبة من خلال إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية. وحسب التقارير، كانت قوات فتحي باشاغا تخطط لدخول طرابلس، لكن القوات المتمركزة في العاصمة منعتهم من دخول المدينة وبدأت الاشتباكات بين الجانبين. وأفادت مصادر محلية بإلحاق أضرار بمنازل المواطنين إثر هذه الاشتباكات. في الاشتباكات الأخيرة في طرابلس، قُتل أكثر من 30 شخصًا وأصيب 160 آخرون. وقالت بعض المصادر إنه بناء على طلب الأمم المتحدة تراجعت قوات فتحي باشاغا إلى مدينة مصراتة وانحسرت حدة المواجهات.
صراع على السلطة بين القادة السياسيين
اندلعت الخلافات في طرابلس فيما لم تتمكن المجموعات السياسية من الاتفاق على انتخابات رئاسية وبرلمانية لانتقال السلطة وتشكيل حكومة واحدة في هذا البلد. على الرغم من أن الجماعات السياسية قد وافقت على إجراء انتخابات عامة في ديسمبر 2021، إلا أنها فشلت في ذلك حتى الآن بسبب الخلافات، حيث لا توجد مجموعة مستعدة لتسليم السلطة إلى الطرف الآخر. حاليا، هناك مجموعتان مختلفتان في السلطة في شرق وغرب ليبيا، وإذا أجريت الانتخابات، فإن أحد الأحزاب سيمثل رسميا كل الشعب الليبي ويمكنه إخراج المعارضة من دائرة السلطة. لذلك، لا يوجد حزب على استعداد للمشاركة في انتخابات قد تكون فيها الخاسر المحتمل.
يحظى باشاغا بدعم اللواء خليفة حفتر قائد القوات المعروفة بـ "الجيش الوطني الليبي"، الذي يهيمن على المناطق الشرقية من البلاد، ويعتبر نفسه رأس البلاد، لكن الدبيبة لا يريد تسليم السلطة لمن يرفضه المجتمع الدولي وغير معترف به. منذ بداية الربيع العربي في عام 2011، والذي أدى إلى إزاحة وقتل الدكتاتور السابق لهذا البلد، معمر القذافي، تعرضت ليبيا للفوضى ولم تشهد السلام حتى الآن، وهناك العديد من الجماعات في هذا البلد هم في حالة حرب مع بعضهم البعض وهذه القضية أججت انعدام الأمن.
بسبب احتياطياتها النفطية الهائلة، كانت ليبيا تعتبر من الدول المؤثرة في مجال إنتاج وتصدير النفط في العالم حتى بداية الحرب الأهلية، ولكن في العقد الماضي، بسبب اندلاع الحرب الأهلية وعدم وجود حكومة مركزية قوية، كما أن موارد البلاد النفطية تم إصدارها بشكل غير قانوني من قبل الجماعات المتحاربة لتمويل القوات الواقعة تحت قيادتها. على الرغم من احتياطيات النفط الهائلة، يعيش الكثير من الناس في فقر بسبب الحرب الأهلية.
التدخلات الخارجية تسبب الفوضى في ليبيا
إضافة إلى الصراع على السلطة بين القوى السياسية في ليبيا، فقد أشعلت التدخلات الخارجية للقوى الإقليمية والدولية نيران الحرب الأهلية في هذا البلد وقسمت ليبيا عمليًا إلى معسكرين. وتحظى حكومة الوحدة الوطنية الليبية بدعم دول مثل قطر وتركيا والدول الأوروبية والولايات المتحدة، وكذلك الأمم المتحدة، وهناك حكومة طبرق بقيادة خليفة حفتر وفتحي باشاغا المدعومة من دول مصر وروسيا والسعودية والإمارات.. وبذلك لا يوجد إجماع عالمي على تشكيل حكومة موحدة وقوية في ليبيا.
في السنوات الأخيرة، كانت المنافسة بين القوى العظمى أحد العوامل الرئيسية لتصعيد التوترات. في منافسة مع السعودية والإمارات في المنطقة، حاولت تركيا تعزيز علاقاتها مع حكومة الوحدة الوطنية ووقعت عقودًا عسكرية مع هذه الحكومة، بل نشرت قوات ومعدات عسكرية في المناطق الخاضعة لسيطرة حكومة الوحدة الوطنية. بعد ذلك، أرسلت أبو ظبي والرياض مساعدات عسكرية لقوات حفتر في طبرق حتى لا تتخلف عن التطورات. من ناحية أخرى، لم تكن المنافسة بين الغرب وروسيا بلا أثر في هذه المعارك.
وكتبت صحيفة الإندبندنت في تقرير أن الكثير من الليبيين يعتقدون أن الوضع الذي تعيشه بلادهم يرجع إلى تدخلات خارجية ومبادرات هشة قدمتها بعض الدول في العقد الماضي، لكنهم في الواقع لم يتمكنوا من شفاء آلام الشعب الليبي. ومن بين المبادرات التي طرحت عدة مرات في السنوات الماضية، مقترحات دولية في جنيف ثم برلين بين مجموعات داخلية وأطراف خارجية لوقف النزاعات ووقف إطلاق النار وبدء مفاوضات سياسية تحت إشراف الأمم المتحدة. أدى فشل المبادرات الدولية لوقف النزاعات في ليبيا إلى خيبة أمل واسعة النطاق بين الشعب الليبي وانعدام الثقة في نوايا الجهات الدولية الفاعلة في اتخاذ القرارات السياسية. لأن جميع الجهات الأجنبية كانت تفكر في تأمين مصالحها الخاصة بدلاً من السعي إلى الاستقرار في ليبيا، وكان تضارب المصالح بين القوى عقبة كبيرة أمام تشكيل الحكومة.
عدم وجود إجماع سياسي لإنهاء الحرب
على الرغم من أن اتفاقيات جنيف حققت أخيرًا بعض النجاح في منتصف عام 2021 وأعلن طرفا النزاع عن موافقتهما على إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية تحت إشراف الأمم المتحدة في الأشهر المقبلة، إلا أن ذلك سيأخذ وقتاً طويلاً حتى تصل الأوضاع إلى الاستقرار السياسي بعد عقد من الفوضى. لأن الخلافات حول عملية إجراء الانتخابات وكتابة نص الدستور، وكذلك طريقة نقل السلطة، رفعت مستوى التوترات السياسية، وظهرت نتائج ذلك في طرابلس في الأيام الأخيرة.
على الرغم من أن الحرب بين الجماعات المختلفة في ليبيا هي أحد العوامل الرئيسية لعدم الاستقرار في هذا البلد، إلا أنه في العام الماضي، أدت الخلافات السياسية إلى اشتعال أتون التوتر أكثر من المعارك الميدانية. وبناء على ذلك، وضع قانون الانتخابات الليبي وشروط ترشيح الأفراد طريقا معقدا أمام السياسيين، ويعود التأجيل المتكرر للانتخابات إلى هذه العوائق القانونية. وحتى الآن، تم تأجيل موعد الانتخابات مرتين، وبسبب عدم صياغة قوانين الانتخابات بعد، فقد أرجأ السياسيون في هذا البلد المناقشة في موعد الانتخابات إلى عقد اجتماعات بين القادة السياسيين في 2023. اجتماع لا يوجد فيه توافق حتى الآن على قراراته وتفسير تنفيذه، وقد حجب هذا الموضوع آفاق الانتخابات.
على الرغم من أن الأمم المتحدة تعتبر التأجيل المتكرر للعملية الانتخابية ضياعًا لفرص إنهاء العنف في ليبيا وحذرت من هذه القضية، إلا أن تجربة العام الماضي أظهرت أن الانتخابات كثفت الصراع على السلطة بدلاً من تخفيف التوترات بين الحكومات المتواجدة في شرق وغرب ليبيا.
يقال إن القانون الانتخابي الليبي الحالي لم يتم قبوله من قبل جميع المشاركين، وهناك خلافات مستمرة حول مؤهلات بعض المرشحين الرئيسيين والسلطة النهائية للرئيس القادم والبرلمان. خليفة حفتر وسيف الإسلام القذافي، نجل معمر القذافي، من المشاهير الذين تم ترشيحهم لرئاسة الجمهورية، لكن بعض الشخصيات تعارض وجود هؤلاء في العملية الانتخابية وتنظر في وضعهم على رأس هرم القوة في ليبيا كتهديد لهذا البلد. من ناحية أخرى، لا تريد أي من الفصائل السياسية التنحي عن السلطة والدخول في العملية الديمقراطية، لأنها قد تفقد سلطتها الحالية إلى الأبد، والجلوس على كرسي الرئاسة جعل طريق الاستقرار والسلام بعيد المنال.
تتطلب الأوضاع الأمنية في ليبيا أن يتوصل القادة السياسيون إلى اتفاق لإجراء انتخابات وتغيير الدستور بأسرع ما يمكن لإخماد الحرب في هذا البلد، وإلا فإن الصراع على السلطة الذي بدأ لن يؤدي إلا إلى استمرار دورة الحرب الأهلية وعدم الاستقرار السياسي.