الوقت - مرت عدة أشهر منذ إجراء الانتخابات النيابية في لبنان في أيار من هذا العام، لكن المصير النهائي لتشكيل الحكومة الجديدة لم يعرف بعد، ووسط الخلافات المستمرة بين الجماعات السياسية المتنافسة، ألقت الشكوك والارتباك بظلالها على مستقبل التطورات في البلاد.
ويأتي التعقيد في تشكيل الحكومة الجديدة بينما لبنان بأزمته الاقتصادية وخطر الانهيار يحتاج إلى مساعدات دولية، كما أن منح هذه المساعدات مرهون بتشكيل حكومة جديدة.
كما أن التطورات المتعلقة بالخلافات الحدودية مع الکيان الصهيوني حول موارد الغاز في البحر المتوسط وحقل كاريش، جعلت من حاجة الجماعات السياسية للتعاون في مسألة تشكيل الحكومة ومواجهة اعتداءات الکيان الصهيوني محسوسةً للغاية.
للتعرف على التطورات الداخلية في لبنان، تحدث "الوقت" مع الدکتور "مصيب النعيمي" الخبير في شؤون غرب آسيا.
الوقت: رغم مرور عدة أشهر على الانتخابات في لبنان، إلا أن الکتل السياسية لم تتوصل بعد إلى اتفاق لتشكيل الحكومة، فما هي الأسباب والعقبات الرئيسية لعدم نجاح اللبنانيين في تشكيل الحكومة؟
مصيب النعيمي: نظراً إلى أن لبنان يعاني من مشكلة سياسية داخلية، فإن بعض المجموعات السياسية تعتمد على مراكز خارجية، ونفوذها لا يسمح لرئيس الوزراء بتشكيل الحكومة في هذا الوضع. الحكومة السابقة لنجيب ميقاتي، رئيس وزراء لبنان، لم تكن نشطةً للغاية، وهذا العامل تسبب في إجراء انتخابات جديدة.
الجدل القائم الآن هو أن بعض هذه الجماعات، مثل حزب "الكتائب"، التابعة إلى خارج لبنان، بما في ذلك السعودية، تعارض بشكل أساسي محور المقاومة بأمر من الأجانب وتسعى إلى المزيد من الحصص، لكن هذا غير ممكن. لأن الوضع الذي حدث في الانتخابات جعل المقاومة تحصل علی النصيب الأكبر، والإطار العام للنظام اللبناني يؤكد أيضًا أن المقاومة لها أصالة ولا يمكن تجاهلها، وأنه تحت أي ظرف من الظروف يجب أن يحافظ لبنان على استقلاله، لكن هذه الأجندة لم تتحقق.
لذلك، يقع اللوم جزئياً على رئيس الوزراء نفسه في هذا الصدد أيضًا، لأنه لم تكن لديه وجهة نظر جادة ومستقلة. لهذا السبب، يضطر الرئيس إلى استبدال ميقاتي بشخص آخر إذا لم يقدم الحكومة المناسبة في غضون أسبوعين، والقيود الموجودة في الدستور هي أن رئيس الوزراء يجب أن يكون سنياً، وبالتالي هناك عدد من المشاكل.
هناك موضوع آخر أيضًا، وهو التوترات التي حدثت بين لبنان والکيان الصهيوني في الأشهر الأخيرة، وجهود اللبنانيين لتأمين حقوق هذا البلد وتعامل المقاومة الجاد مع الصهاينة. يحاول الغربيون الضغط على عناصرهم داخل لبنان لمنع تشكيل حكومة على أساس المقاومة في الوضع الراهن. رغم أنهم من الناحية القانونية لا يستطيعون منع قوة المقاومة، لأن نصف البرلمان يؤيد المقاومة وبعض النواب مستقلون أيضًا وليس لديهم أي ارتباط خاص بالغرب.
من ناحية أخرى، يقضي الرئيس حاليًا نهاية مدته القانونية، وبعض الأشخاص ينتظرون انتهاء هذه المدة ويبحثون عن نصيب في هذا المنصب، وللأسف يحاولون استمرار هذه الفترة في الفراغ حتى تنتهي. ورغم أن هذه الأزمة تضر بلبنان، إلا أنهم ما زالوا يحاولون كسب نصيب أكبر في انتخاب الرئيس، أو فرض أنصارهم على منصب رئاسة الجمهورية، لكن هذا الجهد لن يتحقق أيضًا.
المشهد السياسي في لبنان هو مزيج من مشاركة جميع الفئات والمجموعات، وهکذا أعلن حزب الله وتيار 8 آذار أن السيادة الفردية غير ممكنة في هذا البلد، لكن دولاً أجنبيةً عيّنت بعض الأشخاص لتعطيل الساحة السياسية، ورغم أنهم لن يحققوا أي نتيجة، إلا أنهم على الأقل يؤخرون عملية تشكيل الحكومة.
في النهاية، يجب على لبنان قبول حقيقة أن كل المجموعات العرقية يجب أن تلعب دورًا في إدارة البلاد، وحزب الله يؤكد هذه المسألة أكثر. ويحاول البعض الاستمرار في هذا الوضع بسبب عدم تمتعهم بالشعبية، وعدم القدرة على التأثير على التصويت في البرلمان. وإذا استمر هذا الوضع، فلن يتمكن نجيب ميقاتي من تشكيل حكومة، وربما يستطيع رئيس وزراء أكثر استقلاليةً حل هذا الوضع.
الوقت: يقال إن جزءاً من استمرار الأزمة السياسية وعدم تشكيل الحكومة هو ميقاتي نفسه الذي يعرقل هذا المسار. فما هو هدف ميقاتي من استمرار عدم الاستقرار السياسي هذا؟
مصيب النعيمي: ميقاتي لديه بعض التحفظات على الساحة السياسية وهو يتبع السعودية وبعض الکتل التي تعتمد على دول أجنبية، ولا يتصرف باستقلالية وجدية كبيرة. ميقاتي نفسه وافق على الاستفادة من كل الأفكار والآراء ومحور المقاومة، لكن الانتماءات السياسية والمالية منعت ميقاتي من اتخاذ قرارات جادة.
هناك العديد من القضايا في هذا المجال، مثل معارضة المجموعات الموالية للغرب وكذلك الخلافات الموجودة بين السنة الذين ليس لديهم رأي إيجابي في ميقاتي، ويعتبرونه شخصاً غير كفوء في الفترات السابقة، ويعتقدون أن مجيء ميقاتي أضعف مكانة سعد الحريري السياسية. وهناك اعتقاد في مجلس الوزراء نفسه بأن ميقاتي غير قادر على تجاوز الأزمة، ولم يتخذ أي إجراء جاد وفاعل حتى الآن عندما كان في منصب رئيس الوزراء. لذلك، لم يتوصل إلى اتفاق مع الكيان الصهيوني حول ترسيم الحدود البحرية، ولم يخفف العقوبات الاقتصادية. ومن جهة أخرى، لم يستطع استقطاب الرأي الإيجابي لبعض الدول التي تدّعي دعم لبنان، ولا سيّما الدول العربية.
ومع ذلك، فإن التيارات نفسها التي لا تتفق مع ميقاتي، ليس لديها بديل مناسب لتجاوز الأزمات. والآن أيضًا، بعد أن تصاعدت التوترات بين لبنان والکيان الإسرائيلي، ويعتقد محور المقاومة أنه لا ينبغي السماح للکيان باستغلال وضع المفاوضات، لم يتخذ ميقاتي موقفًا جادًا من هذه القضية أيضًا. لذلك، يجب على ميقاتي إما قبول مطالب الأغلبية والاستمرار كرئيس للوزراء، أو تسليم هذا المنصب لشخص آخر.
الوقت: عقد ميقاتي وميشال عون اجتماعاً الاربعاء لبحث تشكيل الحكومة، فما هو موضوع هذه المفاوضات؟ وما مدى فاعلية النتائج في قرار القادة السياسيين بشأن تشكيل الحكومة؟
مصيب النعيمي: أعطى ميشال عون ميقاتي آخر الإنذارات لتشكيل الحكومة الجديدة في أسرع وقت ممكن، وإلا سيتم استبداله بشخص آخر، وينظر العديد من الأشخاص الآخرين لهذا المنصب، وربما خلال الأسبوع المقبل سيتم الإعلان عن مرشح جديد لمنصب رئيس الوزراء.
الوقت: أعلن ميشال عون أنه لن يترشح مرةً أخرى بعد انتهاء فترته الرئاسية، فما هي الخيارات الرئيسية لخليفة عون؟ وإلى أي مدى يمكن أن يؤدي وجود خلافات بشأن اختيار الرئيس المقبل إلى تعقيد عملية تشكيل الحكومة؟
مصيب النعيمي: بالتأكيد لن يتم ترشيح ميشال عون بعد انتهاء فترته الرئاسية، وتقليدياً في لبنان، لم يتقلد أحد منصب الرئيس لأكثر من أربع سنوات. هناك عدة بدائل لهذا المنصب تحظى بشعبية بين الناس، مثل سليمان فرنجية الذي لديه تاريخ من المسؤوليات السياسية والحملات الانتخابية. كما ورد ذكر جبران باسيل أيضًا، ولأنه صهر ميشال عون فهناك بعض الاعتراضات عليه. لذلك، تدير الجماعات السياسية المسيحية الانتخابات الرئاسية حتى تتمكن من اختيار شخص ما كخيار نهائي.
وهناك أشخاص آخرون أيضاً، ولكن أولوية لبنان الآن هي تشكيل الحكومة التي لم تنجح الجهود في هذا المجال حتى الآن، وستدرس قضية الخيار الرئاسي في مكانها وهناك بعض المشاكل في هذا المجال، وتحاول بعض التيارات أن تفرض خيارها، لکن محور المقاومة يعارض هذا السيناريو كما في السابق.
على اللبنانيين أن يجدوا في النهاية آليةً لحل الأزمة السياسية وتشكيل الحكومة، لأن استمرار هذا الوضع يجعل الناس أكثر يأسًا يومًا بعد يوم. والجهة الوحيدة التي أثبتت قدرتها وصدقها، وأكثر الناس يثقون بها، حتى المسيحيين والسنة، هي محور المقاومة الذي لعب دورًا كبيرًا في استقرار لبنان. لذلك، لا تزال بعض الجماعات السياسية تحاول إيجاد موطئ قدم في لبنان بمساعدة الغربيين، لكن من غير المرجح أن تحقق هذا الهدف.
الوقت: غياب النشاط الرسمي لشخص مثل سعد الحريري يستطيع جمع الجبهة السنية وتيار 14 آذار، إلى أي مدى كان مؤثراً في الوضع الحالي؟
الدکتور مصيب النعيمي: كان الحريري نفسه يعرف أنه بعد إخفاقاته في مجال السياسة الخارجية في الماضي، لا يحظي بشعبية كبيرة بين أغلبية أهل السنة، وتيار المستقبل التابع للحريري وبسبب الأخطاء السياسية التي ارتكبها أثناء صعود داعش، لم يستطع تلبية رغبات الناس. کما كان الحريري أيضًا تحت تأثير السعودية وفرنسا، وقد خاب أمل هذه الدول في قدرة الحريري على إدارة الشؤون السياسية في لبنان.
لذلك، لم يكن غياب الحريري مؤثراً جداً في هذا الشأن، ولم يتسبب إلا في انقسام في التيار السني لأنهم اضطروا إلى تعيين أحد الشخصيات السنية على رأس هذا التيار في الانتخابات. وعندما أدرك الحريري أنه فشل ولا يستطيع فعل أي شيء، انسحب من المشهد السياسي، ويقال إن الضغوط السياسية أثرت على قرار الحريري. وبالنظر إلى مشاکل الحريري مع السعودية بعد اعتقاله في هذا البلد، كانت هناك فكرة أنه إذا وصل الحريري إلى السلطة، فلن يتمكن من إقامة علاقة جيدة مع الدول العربية، فكان على الحريري الانسحاب من السياسة.
الوقت: ما هي المبادرات التي تم طرحها حتى الآن من قبل الأطراف الداخلية وخاصةً المقاومة، للخروج من المأزق الحالي؟
مصيب النعيمي: المبادرات التي طرحها محور المقاومة هي أن المقاومة تؤمن بأن كل اللبنانيين شركاء في انتخاب رئيس الوزراء والعملية السياسية، والإطار الرئيسي الوحيد في هذا المجال هو المصالح الوطنية للبنان. كما أن الخروج من الأزمة السياسية والتأكيد على حق موارد الغاز في لبنان مهم في مواجهة الكيان الصهيوني، وأي رئيس وزراء يتولى المنصب يجب أن يتولى هذه المهام. وهذا يعني إطاراً يقود الناس إلى الاتجاه الصحيح وعودة رأس المال إلى لبنان، والإطار العام هو المصالح الوطنية.
في لبنان، وفقًا للقانون، يجب على رئيس الوزراء الذي يتم ترشيحه، تقديم خطط عمله قبل انتخابه لاستقطاب رأي النواب. ولهذا الغرض، يجب أن يتبنى أساليب وبرامج وطنية، ولا يكون أي منها شخصيًا أو حزبيًا.