الوقت - وصف العديد من المحللين من جميع أنحاء العالم، وصول بوتين إلى طهران بأنه بداية فصل جديد في تحديد النظام الإقليمي الذي يمر بمرحلة انتقالية، وتعزيز التحالف بين طهران وموسكو في الجبهة العالمية المناهضة للغرب.
في غضون ذلك، كان من أبرز ما جاء في زيارة الرئيس الروسي لإيران تصريحات سماحة السيد آیة الله خامنئي المرشد الأعلى للثورة الاسلامية التي وجهها إلى بوتين نفسه، حول اتخاذ الإجراءات اللازمة لأخذ زمام المبادرة في أزمة أوكرانيا.
حيث قال المرشد الأعلى للثورة في هذا الاجتماع: "لو لم تتخذ روسيا زمام المبادرة في ملف أوكرانيا، لكان الطرف الآخر قد تسبب في حرب بمبادرته".
ومع ذلك، فُسرت تصريحات المرشد الأعلى للثورة في إيران هذه في وسائل الإعلام الأجنبية المنحازة وحتى المسؤولين الأمريكيين، على أنها إعلان عن دعم إيران الرسمي للعمليات العسكرية الخاصة لروسيا في أوكرانيا، وذلك للتشكيك في موقف طهران المبدئي والرسمي من الحياد في هذه الحرب. ويأتي اختلاق قصة إرسال طائرات دون طيار إيرانية إلى روسيا في الاتجاه نفسه أيضًا.
بطبيعة الحال، فإن مواقف الحكومات من أحداث وتطورات النظام الدولي، وخاصةً الحروب ذات الأبعاد الإقليمية والدولية الواسعة، يمكن أن تتغير بمرور الوقت، اعتمادًا على عوامل مختلفة، وهذا أمر شائع ومقبول في علم العلاقات الدولية، وهناك العديد من الأمثلة التاريخية على ذلك، مثل التغيير في موقف الحكومة الأمريكية في الحرب العالمية الثانية، عندما تركت موقف الحياد بعد الهجوم الياباني على بيرل هاربر في ديسمبر 1941، وانضمت إلى الحلفاء.
لكن بهذا الوصف، هل يمكن أن تؤخذ تصريحات قائد الثورة في إيران كما تدعي أمريكا ووسائل الإعلام الغربية، على أنها تعني دعم إيران لروسيا في الحرب وترك موقف الحياد؟
للإجابة على هذا السؤال، أولاً وقبل كل شيء، الموقف الرسمي لجمهورية إيران الإسلامية فيما يتعلق بأزمة أوكرانيا هو الحياد ودعم حل تفاوضي للأزمة، دون تدخل القوى الخارجية وحلف شمال الأطلسي.
لذلك، حتى لا يتغير الموقف الرسمي للحكومة الإيرانية، فإن الحديث عن دعم إيران لروسيا في حرب أوكرانيا، بناءً على العلاقات الوثيقة والمتنامية بين طهران وموسكو، هو خطاب سياسي لا أساس له من الصحة.
ثانياً، لا يمكن العثور على أي تعارض في تصريحات قائد الثورة الإسلامية في لقائه مع بوتين، ومواقفه السابقة حول أسباب وسياقات الأزمة في أوكرانيا وسياسة الجمهورية الإسلامية.
حيث أكد سماحة السيد خامنئي في أول تصريح له بشأن الأزمة في أوكرانيا، والذي أدلى به في آذار من العام الماضي بمناسبة عيد الأضحى، أن "أوكرانيا ضحية للسياسة الأمريكية".
وأشار في هذا الخطاب المتلفز إلى أن إيران تريد وقف الحرب في أوكرانيا، وقال: "نحن ضد الحرب في أي مكان في العالم، وضد قتل الناس وتدمير البنية التحتية للشعب".
لكن المرشد الأعلی أكد أن: "جذور الأزمة في أوكرانيا هي السياسة الأمريكية، وأمريكا هي التي أوصلت أوكرانيا إلى هذه النقطة."
والآن، من خلال النظر إلی المواقف الجديدة للمرشد الأعلی في إيران ونظرته التحليلية السابقة إلى جذور الأزمة، من الممكن فهم استمرارية النهج المبدئي للجمهورية الإسلامية فيما يتعلق بالحرب في أوكرانيا، والذي يستند إلى الاستفزازات الغربية والوضع الذي خلقه توسع الناتو شرقاً ضد روسيا، وضرورة دفاع موسكو عن مصالحها الأمنية الحيوية.
إن تصريحات المرشد الأعلی في إيران في تحليله لاستمرار الأزمة في أوكرانيا مع نظرة استشرافية وتطلعية، وقوله إن الهدف النهائي للغربيين من توسيع الناتو نحو حدود روسيا والتدخل في الوضع في أوكرانيا، هو شن حرب ضد روسيا بحجة استعادة شبه جزيرة القرم، لا يعني في الواقع دعم روسيا، بل يعني بأن المسؤولية الرئيسية عن اندلاع الحرب تقع على عاتق الغرب وليس روسيا.
فلا ينبغي أن ننسى أنه في العامين الماضيين على الأقل، أجرت روسيا العديد من المفاوضات مع الجانب الأوكراني وحتى مع الأطراف الغربية، لمنع الحرب والحصول على ضمانات أمنية بشأن عدم توسيع الناتو نحو حدودها، لكن جهود الكرملين فشلت تمامًا، ما دفع بوتين إلى الاستنتاج بأن الدول الغربية ليس لديها في الأساس إرادة للنظر في الخطوط الحمراء الأمنية لروسيا.
ويمكن رؤية هذا الموقف التحليلي حتى لدی أبرز خبراء ومنظري العلاقات الدولية، حيث قال جون ميرشايمر، وهو باحث أمريكي بارز ومعروف بمقاربته الواقعية، بأن الولايات المتحدة مسؤولة بشكل أساسي عن الأزمة الأوكرانية.
وصرح في ندوة دراسية عقدت في فلورنسا بإيطاليا في يونيو 2022: "نقطتي الرئيسية هي أن الولايات المتحدة اتبعت سياسات تجاه أوكرانيا اعتبرها بوتين وزملاؤه تهديدًا وجوديًا لبلدهم [...]، أتحدث على وجه التحديد عن هوس أمريكا بإدخال أوكرانيا إلى الناتو وتحويلها إلى معقل غربي على حدود روسيا".