الوقت- بعد تصاعد التوترات بين تل أبيب وموسكو بسبب الحرب في أوكرانيا، أمرت روسيا بوقف جميع انشطة الوكالة اليهودية المعروفة باسم "سخنوت" في هذا البلد. كما طلبت وزارة العدل الروسية حل المكتب التمثيلي للوكالة اليهودية لإسرائيل في موسكو. وأكد مسؤولو هذه الوكالة أنهم تلقوا تعليمات من القضاء الروسي وهم يتشاورون مع الخارجية الإسرائيلية لإيجاد سبل لحل هذه المشكلة.
وأشار المتحدث باسم هذه الوكالة إلى خوف الجالية اليهودية من صدور هذا الحكم، وقال إنه بسبب المهلة التي حددتها موسكو، يخشى اليهود عدم تمكنهم من مغادرة هذا البلد في الوقت المحدد. وكتب وزير الخارجية في إسرائيل في رسالة إلى يائير لابيد، رئيس وزراء الكيان الصهيوني، قال فيها، إن هذه الوكالة أبلغته أن أنشطتها أوقفت بأمر مباشر من وزارة العدل الروسية. وفي هذه الرسالة، كشف، أنه سيكون لهذا القرار آثار دائمة على إمكانية هجرة اليهود إلى إسرائيل وغيرهم ممن لديهم الحق في القيام بذلك بموجب قانون العودة. كما طلب هذا الوزير الصهيوني من لابيد التدخل السريع وتعليق عملية هجرة اليهود من روسيا إلى إسرائيل.
وذكرت وسائل إعلام إسرائيلية، يوم الخميس الماضي، أن إسرائيل تعد وقف عمل الوكالة اليهودية في روسيا "عقوبة سياسية عليها". وقالت مراسلة الشؤون السياسية في "القناة الـ13"، موريا وولبرغ، إن "روسيا تريد وقف عمل الوكالة اليهودية، ظاهرياً، ويدور الحديث عن أمر بيروقراطي تقني، لكن في إسرائيل يقولون إنّ الأمر يتعلق بعقوبة سياسية". وأضافت إن "إسرائيل حاولت إبقاء الأمر على نار منخفضة، وعدم خلق أزمة دبلوماسية، لكن ذلك لم ينجح". وأشار "اتحاد الشتات اليهودي" في روسيا إلى أن قرار "تصفية الوكالة اليهودية انتكاسة في العلاقات". وأشارت "القناة الـ13" إلى "أنّهم في إسرائيل يفهمون أن موضوع الوكالة اليهودية يمكن أن يتطور بسرعة كبيرة إلى أزمة دبلوماسية مع روسيا". بدورها، ذكرت قناة "كان" أن "موضوع الوكالة اليهودية هو نوع من البطاقة الصفراء، ليس فقط بسبب الحرب في أوكرانيا، وإنما أيضاً بسبب العمليات الإسرائيلية في سوريا".
وأكدت وزيرة الهجرة الإسرائيلية بنينا تامينو، في حينه، أن وزارة العدل الروسية أبلغتها بتعليق أنشطة الوكالة اليهودية في البلاد، وقالت إنها ناشدت رئاسة الوزراء العمل على حل المشكلة مع موسكو. وقال موقع "ليخايم" اليهودي الناطق بالروسية، إن تامينو بعثت رسالة إلى رئيس الوزراء يائير لبيد طالبته فيها ببحث أنشطة "سخنوت" مع الحكومة الروسية، مضيفة "إنني أحثكم على التدخل بشكل عاجل من أجل مواصلة أنشطة الوكالة اليهودية في روسيا وعدم الإضرار بالعودة المستمرة إلى الوطن". وأشارت تامينو إلى دور الوكالة اليهودية في إعادة اليهود إلى الكيان الإسرائيلي في فلسطين المحتلة، مذكرة أن أكثر من 21 ألف يهودي روسي جاؤوا إلى "إسرائيل" خلال العام الماضي، وفي الأشهر الأخيرة جاء 30 ألف شخص من روسيا وأوكرانيا.
كما أعلنت وزارة خارجية تل أبيب أنها تحقق في تفاصيل هذا الإجراء وهي على اتصال بمقر هذه المنظمة في القدس. وقال مصدر دبلوماسي صهيوني إن روسيا اتهمت الوكالة اليهودية بجمع معلومات بشكل غير قانوني عن مواطنين روس. وهذا على الرغم من حقيقة أنه في الأسابيع الأخيرة، وسعت روسيا تعريفها للعميل الأجنبي ليشمل أي شخص يتلقى دعمًا من الخارج وينخرط في إجراءات تعترف السلطات بأنها تتعارض مع المصالح الوطنية لروسيا.
يأتي تحرك روسيا بتعليق نشاط الوكالة اليهودية في ظل الظروف التي أدانت فيها السلطات الصهيونية في الأشهر الأخيرة هجمات روسيا على أوكرانيا، بل أرسلت مرتزقة إسرائيليين إلى أوكرانيا لمحاربة الروس، وأثار هذا الأمر غضب سلطات الكرملين. بعبارة أخرى، فإن الإجراء الروس الأخير له جانب سياسي ويعود إلى أفعال تل أبيب في أراضي أوكرانيا وكذلك في سوريا. ولطالما كانت لروسيا والنظام الصهيوني علاقات وثيقة مع بعضهما البعض، لكن العلاقات بين الجانبين توترت بشدة في الأشهر الأخيرة وأدت حتى إلى حرب كلامية بين سلطات موسكو وتل أبيب. إن الروس غاضبون جدًا من الصهاينة لدرجة أنهم اتخذوا مؤخرًا قرارًا في مجلس الأمن الدولي يدين اعتداءات هذا النظام على الأراضي السورية، وهو أمر غير مسبوق من نوعه.
التأثير السلبي لإيقاف عملية هجرة الصهاينة
تأسست الوكالة اليهودية لإسرائيل عام 1929 بهدف إقامة علاقات بين اليهود حول العالم وهذا البلد. كما قامت هذه الوكالة بأنشطة لإعادة توطين اليهود في الأراضي المحتلة. إن قرار قصر الكرملين بوقف أنشطة "الوكالة اليهودية" التي كانت نشطة في الاتحاد السوفيتي وروسيا منذ نهاية الحقبة الشيوعية، يظهر التدهور الخطير للعلاقات بين إسرائيل وروسيا وقد يعيق جهود اليهود لمغادرة روسيا. ويقال إنه في العقدين الماضيين، غادر أكثر من مليون يهودي روسيا إلى إسرائيل، وكل ذلك تم تحت إشراف الوكالة اليهودية.
وبعد اندلاع الحرب في أوكرانيا، أصبحت الأراضي الفلسطينية المحتلة إحدى الوجهات الرئيسية لموجة الهجرة الروسية، التي ضمت العديد من العمال الصناعيين الروس. وتم تسجيل حوالي 16000 مواطن روسي كمهاجرين في إسرائيل منذ بداية الحرب، أي أكثر من ثلاثة أضعاف العدد الإجمالي الذي دخل في العام الماضي إلى الأراضي المحتلة كسياح. إن النظام الصهيوني، الذي حاول منذ تأسيسه في العقود السبعة الماضية توطين اليهود في جميع أنحاء العالم في الأراضي المحتلة، اعتمد على وكالات يهودية في دول مثل روسيا.
إن الوكالة اليهودية، التي تأسست منذ ما يقرب من قرن من الزمان باسم الوكالة اليهودية لفلسطين، هي أكبر منظمة يهودية غير ربحية في العالم. كان نشاط هذه الوكالة محظوراً في الاتحاد السوفيتي حتى السنوات الأخيرة قبل انهياره، ولكن في روسيا الجديدة ازدهر نشاطها، حيث دخل نحو مليون مهاجر من الاتحاد السوفيتي السابق إلى فلسطين من أواخر الثمانينيات من نهاية القرن الماضي. لذلك، لعبت هذه الوكالة دورًا مهمًا في زيادة عدد سكان الأراضي المحتلة. ولكن الآن، مع الإجراء الجديد للكرملين، سيكون من الصعب عمليًا نقل اليهود في المستقبل. ولقد زار نفتالي بينيت، رئيس الوزراء الأسبق للنظام الصهيوني، موسكو في بداية الحرب في أوكرانيا لإقناع السلطات الروسية بإرسال اليهود الأوكرانيين الذين فقدوا منازلهم بسبب الحرب إلى الأراضي المحتلة.
وفي السنوات الأخيرة، وبسبب الحروب المتكررة للجيش الصهيوني مع فصائل المقاومة الفلسطينية، غادر عشرات الآلاف من الصهاينة الأراضي المحتلة، وحاولت سلطات تل أبيب خلق توازن في عملية الهجرة من خلال استبدال يهود أوكرانيا وروسيا، ولكن بسبب التوترات بين موسكو وتل أبيب، فإن الهجرة إلى إسرائيل ستكون في مأزق. وحسب الإحصائيات المعلنة، بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، تزايدت عملية الهجرة من روسيا إلى الأراضي المحتلة كل عام، وخلال تلك السنوات سافر آلاف الأشخاص إلى الأراضي المحتلة كل عام، ولكن مع التوترات الأخيرة، سيتم إيقاف هذه العملية.
وفي بداية الحرب في أوكرانيا، ادانت السلطات الصهيونية الهجوم الروسي على اوكرانيا وأرادت نقل يهود روسيا واوكرانيا إلى الأراضي المحتلة، لكن مع تعليق أنشطة الوكالة اليهودية في موسكو، سيواجه اولئك اليهود صعوبات في نقلهم إلى اسرائيل. لذلك، فإن الوكالة اليهودية، التي لعبت دورًا مهمًا في نقل اليهود إلى إسرائيل ووازنت بطريقة ما عملية الهجرة، ستواجه بعد ذلك الكثير من العقبات، وسينخفض عدد السكان الصهاينة بالتزامن مع زيادة الهجرة العكسية من الأراضي المحتلة.