الوقت - بعد عدة أسابيع من الانتظار السعودي الصهيوني، بدأ الرئيس الأمريكي جو بايدن اليوم أخيراً جولته الإقليمية في غرب آسيا بزيارة تستغرق ثلاثة أيام للأراضي المحتلة، وبعدها ستكون السعودية الوجهة الثانية لبايدن. قبل بدء الرحلة، بخصوص الأهداف المعلنة وغير المعلنة لرحلة بايدن إلى المنطقة، قدمت تقارير وتحليلات مختلفة من قبل وسائل الإعلام والمسؤولين في بعض دول المنطقة، أجمع معظمها على قضية تطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل وبناء تحالف في المنطقة. وفي هذا الصدد، وللتعرف على أهداف رحلة بايدن إلى المنطقة، التقت "الوقت" مع صباح زنكنه الخبير في شؤون غرب آسيا.
الوقت: في اليوم الأول من رحلته إلى المنطقة، أصدر الرئيس الأمريكي بيانًا مشتركًا مع القائم بأعمال رئيس وزراء الكيان الصهيوني تحت عنوان بيان القدس، والذي يشير إلى تعزيز التعاون الأمني بين الولايات المتحدة وإسرائيل والتزام الولايات المتحدة بالحفاظ على أمن الكيان الصهيوني. ما هي مخاوف الصهاينة الأمنية وما تأثيرها في أهداف رحلة بايدن إلى المنطقة؟
إن خطأ بايدن والرؤساء الأمريكيين السابقين، وخاصة دونالد ترامب، هو أنهم يعتقدون أن تحقيق الأمن لجزء من المنطقة، وخاصة النظام الصهيوني، ممكن دون احترام أمن الشعب الأساسي لتلك الأرض، وهم فلسطينيون لكن قضية الصراع الفلسطيني لم تحل بعد وملايين الفلسطينيين شردوا من ديارهم ولا تزال المدن والقرى الفلسطينية تتعرض للاعتداء والاحتلال من قبل الصهاينة كل يوم.
لذلك، ما دام الأمن الفلسطيني يراد تحقيقه دون قدرة اللاجئين على نيل حقوقهم والعودة إلى أرضهم الرئيسية، دون ضمان أمن سكان قرى ومدن فلسطين ، ودون ممارسة حق السيادة و الحق في العيش بحرية على أرضهم ودون حدود حرة وتنقل حر من وإلى أراض وطنهم، فهذا الأمن لن يتحقق في الأراضي المحتلة. لذلك فإن الخطة التي يبحث عنها الأمريكيون هي بالفعل وضع أعباء ونفقات إسرائيل على كاهل العرب وخلق جو خاص لسيادة هذا النظام على مصير وأمن الدول العربية، وهذا هو تعريف الأمريكيين لمصطلح الأمن في المنطقة.
الوقت: تتابع أمريكا منذ سنوات مناقشة بناء تحالف إقليمي ضد إيران، حتى أن طبيعة تشكيل مجلس التعاون الخليجي كانت قائمة على هذا الأساس. في السنوات الأخيرة، أثيرت أيضًا قضية الناتو العربي، لكنها ظلت حتى الآن على مستوى الكلمات. هل يمكن أن تؤدي الجولة الجديدة من جهود واشنطن إلى النتيجة المرجوة لأمريكا؟
في الواقع، فإن قضية أمن الدول العربية هي ذريعة لبيع الأسلحة الأمريكية للمنطقة ومحاولة كسب تفوق النظام الصهيوني على الدول العربية، وهو الأمر الذي لن يتم تنفيذه أبدًا إذا كان الهدف الأساسي لبناء التحالف هو هذا. إن ضمان أمن الدول العربية يمكن أن يكون بأيديهم، ويمكن تحقيق ذلك من خلال إنشاء نظام حقيقي من حيث الأمن داخل المنطقة لزيادة التعاون ودون إنفاق تكاليف باهظة على شراء الأسلحة. الهدف الأساسي هو أمن الكيان الصهيوني، وأصبح ادعاء تهديدات إيران ذريعة قديمة لبيع أسلحتهم للعرب وفرض إرادتهم عليهم.
الوقت: ترددت أنباء في الأيام الأخيرة عن احتمال إعلان تطبيع العلاقات بين السعودية والنظام الصهيوني. هل نتوقع تقدمًا كبيرًا في عملية التطبيع بين الجانبين خلال رحلة بايدن؟
قدمت المملكة العربية السعودية عدة خطط بشأن قضية فلسطين والصراع العربي الإسرائيلي، ولم يتم تنفيذ أي منها، ولم تساعد الولايات المتحدة بالفعل في تنفيذها. لذلك فإن السعودية بحاجة إلى تحديد مصير خططها عملياً، سواء انسحبت من خططها السابقة أم لا. كان أساس هذه الخطط هو إقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس، ويجب معرفة ما إذا كانت أهداف هذه الخطط قد تحققت أم لا. لذلك، تاريخيًا وسياسيًا، لن تتمكن السعودية من الخروج عن هذه المخططات، إلا إذا أعلنت رسميًا أن قضية فلسطين والقدس لا تهمها؛ في الوقت الذي ينص ميثاق منظمة التعاون الإسلامي، أن هدفه الأول هو المساعدة في تحرير فلسطين والقدس. إذا تخلت السعودية عن هذه الأهداف، فعليها أن تعلن رسمياً أن قضية فلسطين والقدس مهمة صعبة. وحتى عائلة آل سعود لا توافق على هذا الأسلوب لضمان أمن إسرائيل والقيام بعملية التطبيع مع هذا النظام دون أن تدفع إسرائيل ثمنًا لهذا أو تنسحب من الأراضي المحتلة ودون احترام حقوق الشعب الفلسطيني والاعتراف بالقدس عاصمة للكيان. لذلك، وبهذه الطريقة، ستواجه المملكة العربية السعودية العديد من المشاكل سواء في البيئة المحلية أو في المنطقة أو على الساحة الدولية.
الوقت: في السنوات الأخيرة، أظهرت الدول العربية في الخليج الفارسي رغبة بتقليل اعتمادها على الولايات المتحدة وميلاً نحو القوى الشرقية مثل روسيا والصين. هل يمكن لرحلة بايدن أن تعيد الثقة الماضية بين هذه الدول وأمريكا؟ على سبيل المثال في حالة الحرب في أوكرانيا تتوقع الولايات المتحدة تعاون الدول العربية الجاد مع الحظر على النفط الروسي، فهل سيحدث هذا التعاون كما يتوقع البيت الأبيض؟
سيتقدم بايدن بعدة مطالب من الدول العربية، ومن أجل تحقيق أهدافه سيضع العرب، وخاصة السعودية، في كثير من الصعوبات. أولاً، تريد من السعوديين عدم التعاون مع الصين وتعتزم منع شرائها للأسلحة من هذا البلد، وكذلك عدم السماح للصين بالمشاركة في مشاريع تصنيع الأسلحة في المملكة العربية السعودية. أيضًا، يجب على المملكة العربية السعودية الامتناع عن بيع المزيد من النفط للصين. ثانيًا، سيطلب من الدول العربية الانسحاب من اتفاقية أوبك بلاس التي وقعتها مع روسيا وعدم تنفيذ رغبات الروس والتصرف بشكل مخالف لسياسات موسكو. وزيادة إنتاجهم النفطي لتقليل أزمة الطاقة التي بدأت في العالم بعد اندلاع حرب أوكرانيا حتى لا تستفيد روسيا من هذا الوضع، وهو الذي لن يكون ناجحًا أيضًا؛ لأنه طلب غير معقول يتعارض مع مصالح أوبك وأوبك بلس، وبالتالي لن يتم توفير إمدادات الطاقة الرخيصة لأمريكا وأوروبا بهذه الطريقة.
الوقت: في رحلة بايدن، لم يكن هناك أي ذكر لموضوع أفغانستان الحساس، في حين أن الوضع في أفغانستان ملتهب للغاية، ولا سيما في الشأن الإنساني. ما هو تحليلك لهذه القضية؟
أمريكا تخرب أينما حلت، والآثار السلبية لهذه الأعمال التخريبية يمكن رؤيتها في على الصعد الإنسانية والاجتماعية والثقافية، وأمريكا أخلت المنطقة بغض النظر عن هذه المشاكل. وفعلت ذلك في أفغانستان أيضا، في الوقت الذي كانت معظم الدول العربية قد دعمت أمريكا في أفغانستان. وحتى الآن بعد أن عادت طالبان إلى السلطة ومع بقاء الأسلحة الأمريكية المتبقية في أفغانستان، نشأت أزمة كبيرة في هذا البلد وستنعكس آثارها على دول المنطقة. يرجع عدم ذكر اسم أفغانستان في رحلة بايدن إلى الكم الهائل من التخريب الأمريكي، والدخول في هذا النقاش سيلقي بظلاله على رحلة بايدن بأكملها وسيشكك في مصير التحالف الإقليمي مع الولايات المتحدة. ستدرك المنطقة أن أمريكا لا يمكنها أن تكون محل ثقة وأنهم لا يستطيعون حل مشاكلهم من خلال هذا البلد.