الوقت- ذهب الرئيس السوري بشار الأسد إلى مسجد عبد الله بن عباس في حلب وأدى صلاة عيد الأضحى هناك. وكان الرئيس السوري قد دخل هذه المحافظة لافتتاح الوحدة الخامسة لمحطة الطاقة الحرارية في مدينة حلب، والتي لقيت ترحيباً واسعاً من أهالي هذه المدينة. إن زيارة الأسد إلى حلب هي الأولى منذ تحريرها وعلى الرغم من أن وجود الأسد في حلب كان لأداء واجب ديني، إلا أنه في الوضع الحالي يحمل رسائل مهمة لداخل سوريا وخارجها.
وبالنظر إلى أن حلب كانت القاعدة الأساسية للإرهابيين ونقطة انطلاق الأزمة في سورية عام 2011، فيمكن من وجهة النظر هذه أن نمعن النظر بأن هذه المدينة أصبحت الآن آمنة بفضل شجاعة قوات المقاومة على الرغم من الصراعات واسعة النطاق من أجل تحريرها. بعبارة أخرى فإن الإرهابيين الذين خططوا لإسقاط الحكومة السورية من هذه المدينة وقاموا بتنفيذ خطط الولايات المتحدة والنظام الصهيوني، باءت جهودهم بالفشل ولم تذهب إلى أي مكان بعد إنفاق مئات المليارات وظلت حلب بيد الحكومة المركزية. لذلك، فإن وجود الأسد في هذه المدينة يعني نهاية الحرب والانتقال من أزمة 11 عامًا التي بدأها الإرهابيون وأنصارهم.
والمسألة الثانية أن حلب كانت المركز الاقتصادي لسوريا، ووفقًا للإحصاءات، كان حوالي 20٪ من اقتصاد البلاد يتركز في حلب، وهذه المدينة المهمة والاستراتيجية في الوقت الحالي تحت سيطرة دمشق، ولهذا يمكن لهذه المدينة أن تحدد النتيجة المستقبلية للحرب ضد الغزاة. لأن هذه المدينة تلعب دورًا مهمًا في الاقتصاد السوري، كما أن سيطرة دمشق عليها ستساعد أيضًا في التغلب على المشاكل الاقتصادية.
ولقد اعلنت الرئاسة السورية، عبر حسابها على تويتر، أن "الأسد زار محطة حلب الحرارية ليشهد مع الخبراء والعمال والفنيين إطلاق عمل المجموعة الخامسة من المحطة بعد إعادة تأهيلها". ونقلت الرئاسة السورية عن الأسد وصفه العمال في المحطة بأنهم "أبناء الميدان"، وذكرت أنه"عبر لهم عن الفخر بجهودهم وتفانيهم وإخلاصهم"، معتبرا أن محافظة حلب "عانت جراء الإرهاب والتخريب أكثر من المحافظات الأخرى وبالتالي من حق أبناء حلب أن تكون المستفيد الأكبر من إصلاح المحطة".
وقال إن "عمال سوريا هم النسق الثاني على الجبهة الذي يُعمر ما خربه الإرهاب ويقدم الجهد والعرق والشهداء"، وأضاف إن "أعمال التأهيل والترميم في محطة حلب الحرارية تعطي رسالة واحدة هي أن كل العقبات والصعوبات تسقط أمام الإرادة والتصميم". ونشرت الرئاسة السورية صورا قالت إنها للأسد وزوجته وهما "يتجولان في حلب القديمة من الجامع الأموي والذي تستمر عمليات ترميمه، وأسواق المدينة القديمة التي يجري العمل على إعادة إحيائها". وذكرت الرئاسة السورية أن أسماء الأسد شاركت في ورشة "تطوير استراتيجية أسواق الشارع المستقيم" بمدرسة سيف الدولة في مدينة حلب القديمة، واعتبرت أسماء أن "التدمير الذي تعرضت له آثار حلب الثقافية والحضارية كانت محاولة ممنهجة لتدمير كل ما يعبر عن تاريخ الإنسان السوري وحضارته ونسيجه الاجتماعي لأن الغاية الأساسية للحرب كانت استهداف الهوية السورية".
والشيء الآخر الذي يمكن ذكره عن وجود بشار الأسد في حلب هو أن هذا العمل هو تعبير عن سلطة وشرعية حكومة بشار الأسد المنتخبة، لأن الدول الغربية والعربية زعمت دائمًا أن بشار الأسد ليس له شرعية بين الناس وخاصة بين سكان المدن المحررة، لكن استقبال الناس للأسد في حلب يثبت عكس هذا الادعاء وكان بمثابة نزول المطرقة على رؤوس الأعداء الخارجيين الذين لجؤوا إلى كل تكتيك للإطاحة بالأسد من السلطة ولكن كل هذه المؤامرات باءت بالفشل. وبالنظر إلى أن أهالي حلب عانوا الكثير من الآلام والمعاناة في العقد الماضي وفي بعض النقاط وجدت بعض قبائل هذه المحافظة خلافا مع الحكومة المركزية، لذلك فإن وجود الاسد في حلب سيحقق الوحدة الوطنية التي كانت تعاني بسبب السياسات الغربية والصهيونية.
من ناحية أخرى، فإن وجود بشار الأسد في حلب كمكان للقاء الجماعات التكفيرية يعني أن الإرهابيين لن يكون لهم مكان في سوريا، ومثلما سيطر محور المقاومة في إدلب على قاعدتهم الأولى، فإن مقرات الإرهابيين ستكون خالية من هذه الجماعات في المستقبل، والمسألة الوحيدة المتبقية هي مسألة الوقت الذي ستتحقق فيه عملية تدمير التكفيريين والقضاء على مخططاتهم إلى الأبد. ولقد نفذ الإرهابيون في الأسابيع الأخيرة عمليات متفرقة في محيط إدلب وحلب ضد قوات الأمن السورية من أجل إعادة اعادة احتلال تلك المناطق، لكن الحكومة السورية تراقب بعناية تحركات الإرهابيين ولم تسمح لهذه المجموعات بتكرار تحركاتها وجرائمها في شمال سوريا.
ومن ناحية أخرى، بالنظر إلى أن السلطات التركية أعلنت أنها ستبدأ عملياتها العسكرية في شمال سوريا قريبًا، فإن وجود بشار الأسد في حلب التي ستكون مركز ثقل العمليات التركية، هو تحذير لتركيا، أنه في حالة حدوث مغامرة في شمال سوريا فإن قوات المقاومة لن تقف مكتوفة الأيدي وسترد على الغزاة بحسم في ساحة المعركة. هذا بينما تحاول تركيا، عبر إيران، إقناع الجيش السوري بالتزام الصمت في وجه العمليات العسكرية التركية، لكن السلطات في دمشق حذرت مرارًا من أن تحرك أنقرة يلعب بالنار وسترد عليه بقوة. على الرغم من جهود المثلث العبري العربي الغربي لإسقاط الحكومة السورية، إلا أن بشار الأسد لا يزال في السلطة بعد 11 عامًا، وبمساعدة حلفائه استطاع إفشال كل مخططات الأعداء، وسيقف على رجليه في المستقبل ضد تجاوزات تركيا والتكفيريين.