الوقت- منذ اندلاع العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في السابع من أكتوبر 2023، أظهرت كتائب القسام – الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية حماس – بسالة غير مسبوقة في الميدان، مقرونة بأخلاق عالية في معاملة الأسرى الإسرائيليين الذين وقعوا في يدها خلال العمليات الأولى للهجوم المفاجئ، هذه الأخلاق، التي تجلّت في عدة مشاهد ووقائع موثّقة، تعاكس تمامًا السلوك الإسرائيلي تجاه الأسرى والمدنيين الفلسطينيين، وتكشف عن التناقض الجذري بين مشروع مقاومة يسعى للحرية واحتلال غارق في العنصرية والانتقام.
أسرى في يد المقاومة: الحماية بدل الانتقام
منذ الساعات الأولى لعملية "طوفان الأقصى"، نشرت القسام عدة تسجيلات مصورة تظهر فيها كيفية تعامل المقاتلين الفلسطينيين مع الأسرى الإسرائيليين – عسكريين ومدنيين – حيث وفّروا لهم الغذاء والماء والرعاية الطبية، وحرصوا على تهدئتهم في ظل القصف الإسرائيلي الذي لم يتوقف حتى عن مهاجمة الأماكن التي يُحتجز فيها هؤلاء الأسرى، ما شكّل تهديدًا مباشرًا لحياتهم.
وفي مشاهد لا يمكن إنكار دلالتها الأخلاقية، ظهر مقاتلو القسام وهم يربتون على أكتاف أطفال إسرائيليين، يهدّئونهم، ويطعمونهم، في وقت كانت الطائرات الإسرائيلية تمطر غزة بالصواريخ وتحصد أرواح الأطفال الفلسطينيين بلا تمييز، وفي كل هذه المشاهد، لم يُرَ أي سلوك انتقامي أو إذلالي تجاه الأسرى، بل كان التعامل في إطار أخلاقي منضبط مستند إلى تعليمات دينية وإنسانية، بما في ذلك وصايا قيادة حماس بالتعامل مع الأسرى وفق الشريعة الإسلامية التي تضمن حقوق الأسير وكرامته.
القسام تنقذ أسرى من تحت الأنقاض: بطولة تتجاوز حدود المعركة
في مشهد غير مسبوق في تاريخ الصراعات الحديثة، نشرت كتائب القسام مؤخرًا (نيسان/أبريل 2025) مقاطع فيديو لعملية إنقاذ بطولية نفذها مقاتلوها داخل الأنفاق، حيث قاموا بانتشال عدد من الأسرى الإسرائيليين الذين كانوا تحت الأنقاض بعد تعرّض النفق الذي يُحتجزون فيه لقصف مباشر من قبل طائرات الاحتلال.
وفي تلك المقاطع، ظهر المقاتلون وهم يخاطرون بحياتهم في منطقة معرّضة للانهيار والقصف، يحملون الأسرى المصابين، ويقومون بإسعافهم ميدانيًا، أحدهم يُسمع وهو يقول بالعبرية: "אנחנו לא עוזבים אותך" – أي "لن نتركك"، وهو يخاطب أسيرًا مضرجًا بالدماء، هذه اللحظة وحدها تلخص روح المقاومة الفلسطينية: إنسانية في مواجهة وحشية، وخلق سامٍ يقف على النقيض الكامل من رواية الاحتلال التي تصوّر المقاومة ككيان إرهابي.
هذه العملية، التي وثّقتها القسام وأكدتها لاحقًا تقارير إعلامية عبرية بشكل غير مباشر، أثارت موجة من الإعجاب بين ناشطين دوليين وحقوقيين، ودفعت بالبعض إلى إعادة النظر في الخطاب المهيمن الذي شيطن المقاومة الفلسطينية طوال عقود، متجاهلًا الفظائع الإسرائيلية اليومية.
مقارنة صارخة: من يلتزم بأخلاق الحرب؟
ما يُثير الانتباه هو الفارق الهائل بين سلوك مقاتلي حماس تجاه الأسرى، وبين ما تفعله "إسرائيل" بالأسرى الفلسطينيين في سجونها أو حتى بالمواطنين المدنيين خلال الحروب، فبينما أنقذت القسام حياة أسرى إسرائيليين رغم الخطر، تواصل "إسرائيل" تعذيب آلاف الأسرى الفلسطينيين، وحرمانهم من العلاج، وترك بعضهم يموتون بالإهمال الطبي أو تحت التعذيب.
بل إن الاحتلال، ومنذ بدء عدوانه على غزة، ارتكب مذبحة موثقة بحق الأسرى الفلسطينيين الذين أُسروا خلال الاجتياحات البرية، حيث نُشرت مشاهد لأسرى مقيّدي الأيدي والأرجل، عراة تحت الشمس، يتعرضون للإهانة والضرب، وسط تعتيم إعلامي وتواطؤ دولي مخزٍ.
المنظمات الحقوقية، من بينها "هيومن رايتس ووتش" و"أمنستي"، وثّقت هذه الانتهاكات، مشيرة إلى أن ما تقوم به "إسرائيل" بحق الأسرى الفلسطينيين يُعد انتهاكًا صريحًا لاتفاقيات جنيف، وفي المقابل، لم تُسجّل أي منظمة مستقلة حالة تعذيب واحدة لأسرى إسرائيليين في غزة، رغم ظروف الحرب والحصار والتجويع الذي فرضته "إسرائيل" على السكان والمقاتلين معًا.
المقاومة فعل حضاري وليس همجياً
يريد الإعلام الغربي أن يصوّر مقاومة حماس على أنها رديف للهمجية، متجاهلًا السياق الاستعماري للصراع، ومتغافلًا عن الفارق في المعايير الأخلاقية، لكن ما تقوم به كتائب القسام – من حماية للأسرى، ورعاية للمصابين منهم، واحترام لحقوقهم – يعكس مستوى رفيعًا من الانضباط والالتزام الأخلاقي، ليس هذا سلوك "ميليشيا"، بل هو سلوك جيش مقاوم يمتلك عقيدة وتاريخًا وقيمًا.
لقد حرصت حماس منذ نشأتها على التمييز بين أهدافها العسكرية والمدنية، وبين معاملة العدو في ميدان القتال وبين معاملته كأسير له حقوق مصونة، هذه الأخلاق لم تأتِ من فراغ، بل من ثقافة قرآنية تَعتبر الإحسان إلى الأسير من علامات التقوى.
الدعاية الصهيونية تنهار أمام الحقيقة
خلال الأشهر الماضية، بذل الاحتلال جهدًا ضخمًا لتصوير الأسرى الإسرائيليين وكأنهم يتعرضون للتنكيل في غزة، لكن غياب أي دليل مصور، مقابل عشرات المشاهد التي توثق عكس ذلك، قوّض هذه الرواية، بل إن بعض عائلات الأسرى الإسرائيليين نفسها بدأت تتحدث – بشكل غير مباشر – عن قلقها الأكبر من قصف الجيش الإسرائيلي لمواقع يحتجز فيها أبناؤهم، وليس من معاملة المقاومة.
في هذا السياق، أصبح السؤال الحقيقي: من يحمي الأسرى حقًا؟ من يحترم قوانين الحرب؟ وهل لا يزال من الممكن تصديق الرواية الإسرائيلية عن "الإنسانية" في ظل تواتر الأدلة المصورة عن جرائم الإعدام الميداني، والإبادة الجماعية في غزة، والتجويع، واستهداف المستشفيات، واغتيال الطواقم الطبية والإغاثية؟
خاتمة: مقاومة تُربك السردية وتُعيد تعريف البطولة
في كل حرب هناك ميدانان: ميدان السلاح وميدان القيم، وقد أثبتت المقاومة الفلسطينية في هذه الحرب أنها لا تكتفي بإرباك العدو في الميدان العسكري، بل تهزمه أيضًا في ميدان الأخلاق، إن إنقاذ الأسرى الإسرائيليين من تحت الأنقاض، وسط القصف الإسرائيلي، يقدّم صورة ناصعة لمقاتل فلسطيني يقاتل من أجل الكرامة، لا من أجل الانتقام.
وفي مواجهة احتلال يعامل البشر كأرقام وأعداء محتملين، تثبت المقاومة أنها تقاتل بوعي وقيم، وأنها – رغم الفقر والدمار والحصار – أكثر التزامًا بالإنسانية من عدوٍ يملك أحدث الأسلحة وأبشع السجلات.
وهكذا، وبينما يستمر العالم في صمته المخزي، يستمر مقاتلو القسام في كتابة معادلة جديدة للبطولة: بطولة لا تقوم فقط على الصمود في الأنفاق، بل على الإنقاذ من تحتها.