الوقت - بينما تقدم أمريكا نفسها كزعيم ومدافع عن حقوق الإنسان في العالم، فإن موجة العنف العنصري في هذا البلد منتشرة على نطاق واسع، لدرجة أن المواطنين ليسوا في مأمن حتى من أيدي الشرطة.
وبينما كانت هناك احتجاجات ضخمة ضد العنصرية ووحشية الشرطة في الولايات المتحدة في العقد الماضي، ولکن لم تسفر هذه الجهود عن نتائج ملموسة، وتستمر قوات الشرطة في ارتكاب جرائم ضد السود.
وفي هذا الصدد، في الأيام الأخيرة، وعقب مقتل شاب أسود على يد الشرطة الأمريكية في مدينة أكرون بولاية أوهايو، طالب المتظاهرون بالعدالة من خلال تنظيم مظاهرات.
أصبحت الاحتجاجات ضد وحشية الشرطة ممارسةً عاديةً، ونرى مثل هذه الاحتجاجات في جميع أنحاء أمريكا كل يوم، لكن سلطات هذا البلد تتجاهل بسهولة هذه الجرائم وتعبر فقط عن أسفها بشأن هذه القضية.
في جميع البلدان، تحمي الشرطة سلامة الناس وأرواحهم، لكن في أمريكا تسود سياسة "الجميع متساوون، لكن البعض أكثر مساواةً"، وينتشر التمييز بين البيض والسود في المجتمع.
دائماً تبرر الشرطة الأمريكية قتل السود بأعذار مختلفة، منها أن الضحية أطلق النار عليهم أو قصد ذلك، لكن مقاطع الفيديو والصور التي يتم نشرها لاحقًا تدحض بيان الشرطة.
في قضية مقتل جورج فلويد على يد الشرطة، الأمر التي أحدثت ضجةً كبيرةً وأدت إلى أكبر احتجاجات ضد وحشية الشرطة في أمريكا، أظهرت مقاطع الفيديو المنشورة أن هذا الشخص الأسود لم يقاوم الشرطة أو لم يکن يحمل سلاحًا ناريًا عندما قتلته الشرطة.
والسبب في استمرار الشرطة الأمريكية في ارتكاب مثل هذه الفظائع على الرغم من المعارضة الواسعة للشعب، هو أن القانون لم ينص على أي عقوبات لهم ولا يخشون العقاب على ارتكاب مثل هذه الجرائم، لأنهم يعلمون أنهم لن يدانوا أو يسجنوا بقرار من المحكمة، وسيستمرون في الخدمة في قسم الشرطة.
لذلك، فإن عدم وجود قوانين صارمة وعقوبات جنائية لرجال الشرطة المتهمين، هو أحد الأسباب الرئيسية لاستمرار قتل السود.
وحسب الإحصائيات التي نشرتها أجهزة المخابرات الأمريكية، فقد قتل ضباط الشرطة 985 مواطنًا أمريكيًا عام 2021، ولم تتم إدانة قوات الشرطة في أي من هذه القضايا.
لقد وصلت وحشية الشرطة إلى مستوى المجتمع الأمريكي أيضًا، وتحدث عمليات إطلاق نار قاتلة يوميًا من قبل المراهقين في هذا البلد، ومعظمهم من البيض. وتُظهر البيانات المأخوذة من أرشيف العنف بالأسلحة النارية في أمريكا، أن المعدل اليومي لإطلاق النار الجماعي في الولايات المتحدة قد وصل إلى أكثر من 2.4 حادثة يوميًا.
كما يشير هذا التقرير إلى أنه منذ بداية عام 2022، قُتل ما يقرب من 9 آلاف شخص وأصيب أكثر من 15 ألفاً آخرين بسبب العنف المسلح في الولايات المتحدة، وبعض هذه الجرائم لم يتم نشرها في وسائل الإعلام.
مع انتشار الحوادث المميتة في الولايات المتحدة في الأشهر الأخيرة، نظَّم الآلاف من الناس في جميع أنحاء البلاد احتجاجات للمطالبة بفرض قيود على حرية حمل السلاح، ولكن لم يتم تمرير أي قانون في هذا الصدد حتى الآن، وحتى المحكمة العليا الأمريكية التزمت الصمت في هذا الصدد.
تنتشر وحشية الشرطة الأمريكية على نطاق واسع، لدرجة أن باراك أوباما أثناء رئاسته انتقد بشدة هذه القضية، وقال إن العنصرية تسري في "الحمض النووي" للأميركيين. ويثبت العنف ضد السود هذه القضية بوضوح، كما لو كان هناك قانون غير مكتوب للشرطة مفاده بأن كل السود مجرمون ما لم يثبت خلاف ذلك!
وعود فارغة للحد من العنف
الرئيس الأمريكي جو بايدن، الذي رفع شعار الحد من وحشية الشرطة وحرية حمل السلاح في بداية تنصيبه، مثل أسلافه،لم يتخذ أي إجراء في هذا الصدد، وكغيره من الرؤساء السابقين، لم يقدم سوى وعود فارغة.
وفي بيان صدر يوم الاثنين الماضي، أعرب بايدن عن صدمته من حادث إطلاق النار في احتفال عيد الاستقلال في شيكاغو، وقال إنه ذُهل من عنف السلاح الذي أحزن المجتمع الأمريكي مرةً أخرى في يوم الاستقلال، وادعى أنه لن يتوقف عن محاربة وباء العنف المسلح.
تجربة الرؤساء السابقين تدل على أن هذه الوعود لن تتحقق، لأن لوبي السلاح في الولايات المتحدة قد تغلغل في الهياكل السياسية والهيئة الحاكمة، لدرجة أنه لا يسمح بفرض قيود على الأسلحة.
ومقارنة إحصائيات عنف السلاح بين أمريكا ودول أخرى في العالم، تظهر أمريكا دولة استثنائية تمامًا. حيث إن معدل إطلاق النار العنيف في هذا البلد أعلى من أي بلد آخر في العالم؛ وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة تمثل حوالي 5٪ من سكان العالم، إلا أنها تضم ما يقرب من 31٪ من أولئك الذين يرتكبون جرائم قتل جماعي بالأسلحة.
ووفقًا للإحصاءات، هناك حوالي 120 بندقية لكل 100 أمريكي، وهو أمر لا يصدقه العالم. أي إن هناك حوالي 400 مليون سلاح ناري في أيدي الأمريكيين، وهو عدد أكبر من عدد سكان هذا البلد نفسه، وهذه القضية سبب رئيسي لحدوث أعمال عنف مميتة.
يعتبر قانون ترخيص السلاح من أكثر القوانين إثارةً للجدل في أمريكا. والكثير من الناس يطالبون بفرض ضوابط وقيود أكثر صرامةً على مبيعات الأسلحة، ويعتقد جزء من المجتمع أيضًا أنه لا ينبغي لأي قانون أن يعرض حق الأمريكيين في حمل السلاح للخطر.
التمييز بين البيض والسود
بينما تقتل الشرطة الأمريكية السود بسهولة، فإنها لا تستخدم مثل هذا العنف ضد البيض. وعلى الرغم من أن العديد من الهجمات المسلحة وعمليات إطلاق النار القاتلة ينفذها البيض، فإن الوثائق والأفلام المنشورة تظهر الاختلاف في طريقة تعامل الشرطة مع السود والبيض.
حيث يتم قتل السود العزل بسهولة على يد الشرطة، لكن إذا ارتكب البيض جرائم قتل جماعي فسيتم القبض عليهم فقط، وذلك بطريقة لطيفة ومحترمة جداً.
کما يمكن رؤية العنصرية في أمريكا بوضوح في الفرق بين السجناء السود والبيض. وفقًا لـ هيومن رايتس ووتش، يُسجن الأمريكيون من أصل أفريقي خمس مرات أكثر من الأمريكيين البيض، ومرتين أكثر من الأمريكيين من أصل إسباني.
في عام 2019، شكَّل الأمريكيون من أصل أفريقي حوالي 13 في المئة من سكان الولايات المتحدة، لكنهم شكلوا ما يقرب من ثلث سكان البلاد المسجونين. وعلى الرغم من أن الأمريكيين البيض يشكلون أكثر من 60٪ من إجمالي السكان، إلا أنهم يمثلون حوالي 30٪ فقط من نزلاء السجون.
كما أظهرت الدراسات التي أجريت على إحصاءات الوفيات في السجون الأمريكية، أن معدل الوفيات بين السجناء السود أعلى بكثير من غيرهم من السجناء، لأنهم يتعرضون للكثير من التعذيب.
وتشير الدراسات أيضًا إلى تجاهل سبب الوفاة في شهادة الوفاة. فبين عامي 1980 و2018، لم يتم الإبلاغ عن 55 في المئة من جميع الوفيات الوحشية على أيدي الشرطة في نظام الإحصاء الحيوي الوطني.
وعلى الرغم من أن عدد الأمريكيين من أصل أفريقي أقل، إلا أنهم شكلوا حوالي 24 في المئة من حوادث إطلاق النار المميتة على أيدي الشرطة منذ عام 2015.
ويُظهر المزيد من الأبحاث أن معدل إطلاق الشرطة النار المميت على السود العزل في الولايات المتحدة، أعلى بثلاث مرات من الأشخاص البيض. حتى أن هناك بعض الإحصائيات التي تظهر أن كل 28 ساعة يُقتل رجل أسود على يد الشرطة.
إن قتل السود في أمريكا وانتشار التمييز العنصري في هذا البلد، يظهر أن ما يهدد أمن أمريكا ليس الإرهاب المزعوم من الخارج، بل السلوك العنيف للشرطة البيضاء، والذي يعتبر تهديدًا خطيرًا للمواطنين.