الوقت- معركة خلقت تضامنا تاريخيا شعبيا ودوليا على مدى 20 عاما ولايزال ذكراها يتجدد في كل عام من شهر نيسان، معركة "مخيم جنين" التي خلدت نضال شعب بأكمله، فقد خلقت انتصارا للمقاومة على الرغم من قدراته المحدودة في ذلك الوقت، اضافة الى أنها حولت المخيم الى أيقونة مقاومة.
ها قد مرّ عقدان ونيّف على الانتفاضة الثانية التي اندلعت في 28 أيلول/سبتمبر 2000، إثر زيارة زعيم المعارضة الإسرائيلية حينها أريئيل شارون للحرم القدسي. واعتبر الفلسطينيون تلك الخطوة استفزازا لمشاعرهم، فكانت الزيارة سببا في اشتعال المواجهات بينهم وبين القوات الإسرائيلية.
أما الفلسطينيون الذين كبروا في أعقاب تلك الانتفاضة يجدون أنفسهم محاطين بحواجز سياسية ومادية كثيرة، على أمل أن يتغير الحال في المستقبل، فما رآه هذا الشعب المناضل وتحمله من مآسٍ تشهد به صفحات تاريخه على مدى سنوات عديدة.
أحداث جددت الحديث عن جنين
ان عملية هروب مجموعة الشبان الشجعان من سجن جلبوع الاسرائيلي، وعثور الكيان الاسرائيلي عليهم واعادتهم الى السجن من جديد، جددت الحديث عن المنزلة المتميزة التي تحظى بها مدينة جنين، ومخيَّمها للاجئين، بين الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة.
فيما أعلنت اسرائيل بوضوح على على موقع "زمن إسرائيل"، تخوفها من تلك البقعة الجغرافية المناضلة "جنين" واصفة اياها جبهة عصية على الاحتلال خلال المواجهات، وآخرها حادثة هروب الأسرى الستة في أغسطس/آب الماضي، إذ حطَّ اثنان منهم رحالهما في جنين بالفعل.
ثمة حقيقة قائمة لا يستطيع الإسرائيليون أنفسهم إنكارها، وهي أن مخيم جنين جعل المقاومة الفلسطينية تستنهض حالها في كل مرة اعتقد فيها الإسرائيليون أنها ضعفت أو انهارت، ولا سيما في الضفة الغربية، كما يبرز المخيم دوما بوصفه مخرجا لعشرات المقاومين الموحَّدين خلف راية المقاومة الفلسطينية عموما، دون الانضواء تحت راية فصائلية أو حزبية كما يحدث في مناطق فلسطينية أخرى.
ومضات تاريخية
في عام 1799، لم یتردد سکان جنين الواقعة عند سفح تلال جبل النار "نابلس" في حرق بساتين الزيتون التي يقتاتون منها بُغية وقف القوات الفرنسية الزاحفة بقيادة "نابليون بونابرت" على أراضيهم، فأتى الرد الفرنسي على مقاومة جنين بحرق المدينة ونهبها.
وفي أثناء الحرب العالمية الأولى، وقعت جنين تحت الاحتلال البريطاني مثلها مثل بقية الأراضي الفلسطينية في سبتمبر/أيلول 1918، لكن المحافظة لم تستسلم؛ فقاومت حتى نظَّمت أول مقاومة مسلحة عام 1935 بقيادة "عز الدين القسَّام" .
وفي عام الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية 1948، حين قتلت العصابات الصهيونية الآلاف من الفلسطينيين واحتلَّت منازلهم، تخلَّصت جنين من احتلال قصير نال منها بفضل الدفاع الشرس من قِبَل المتطوعين الفلسطينيين والجيش العراقي، ثم آلت المدينة إلى حكم الإدارة الأردنية عام 1949، وفي أوائل الخمسينيات أُنشئ مخیم جنين لإيواء النازحين ممَّن استولت إسرائيل على منازلهم بعد طردهم، وسرعان ما صار المخيم الواقع في ضواحي المدينة معقلا للمقاومة الفلسطينية ضد الاحتلال الإسرائيلي وخاصة أثناء السبعينيات والثمانينيات.
ومن ثم أتت مجزرة جنين في إبريل/نيسان 2002 لتصبح أحد أبرز الأحداث التي أظهرت بشاعة الاحتلال وبسالة المقاومة في المخيم، فبعد حصار دام عشرة أيام مُنِعت فيها عن المخيم المياه والكهرباء والطعام والعلاج، قصف الاحتلال المخيم بطائرات "إف-16" وبالمدفعية؛ ما أدَّى إلى استشهاد 52 فلسطينيا، وتدمير 150 بناية بالكامل، كما قُتِل 23 جنديا إسرائيليا على يد عناصر من المقاومة في جنين.
عمليات متوافقة مع الذكرى العشرين
وفي ذكرى الانتفاضة الفلسطينية من هذا العام قتل فلسطيني وجرح آخرون، بنيران الجيش الإسرائيلي في مخيم جنين للاجئين الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة، كما ذكرت وزارة الصحة الفلسطينية.
وقال متحدث باسم الجيش الإسرائيلي لوكالة الصحافة الفرنسية إنه ينفذ عملية عسكرية في مخيم جنين بشمال الضفة الغربية المحتلة، المنطقة التي جاء منها مطلق النار في هجوم تل أبيب الأخير الذي اسفر عن سقوط قتيلين.
وأوضحت وزارة الصحة الفلسطينية أن خمسة أشخاص آخرين أصيبوا بجروح بنيران الجيش الإسرائيلي.
وأتت عملية السبت غداة اعلان اسرائيل انها قتلت رعد فتحي حازم البالغ 28 عاما منفذ هجوم الخميس في أحد أحياء تل أبيب ما أدى إلى مقتل ثلاثة إسرائيليين وجرح أكثر من عشرة.
وبعد الهجوم في تل أبيب، قال رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت إنه أعطى قوى الأمن حرية التحرك المطلقة لمواجهة موجة جديدة من الإرهاب.
وقام الشاب الفلسطيني ضياء حمارشة البالغ من العمر27 عاما، بعملية اطلاق نيران أسفرت عن مقتل 5 إسرائيليين وإصابة 6 آخرين، تسليط الضوء على مخيم جنين، شمالي الضفة الغربية، الذي تحوَّل إلى أبرز معاقل المقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي، وفشلت دولة الاحتلال في إخضاعه رغم استخدامها كل أدوات القمع والتنكيل.