الوقت- اتخذ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قرارًا مهمًا ومثيرًا للجدل في 27 فبراير 2022، بوضع "قوة الردع النووي" لبلاده في حالة تأهب قصوى؛ وجاء ذلك ردًا على تصريح لحلف شمال الأطلسي بأنه قد يرد بقسوة ضد موسكو خلال عمليتها الخاصة في أوكرانيا. جاء ذلك عقب قرار بوتين بشن عملية عسكرية روسية خاصة في أوكرانيا، في 24 فبراير.
والسؤال المطروح الآن هو، لماذا اتخذ بوتين مثل هذا القرار المهم بعد أربعة أيام من بدء العملية الخاصة في أوكرانيا، وما هي التداعيات والنتائج التي قد تترتب على هذا القرار على العلاقات بين الغرب وموسكو خلال الأزمة الأوكرانية؟ من ناحية أخرى، وفي استجابة متبادلة، وضعت فرنسا قدرتها النووية في حالة تأهب لزيادة احتمال نشوب صراع نووي، ويطرح السؤال الآن حول ما إذا كان العالم على وشك بدء نزاع نووي.
معنى وأبعاد أمر بوتين بجهوزية الردع النووي
ودعا بوتين، في مرسومه الجديد، وزير الدفاع الروسي ورئيس هيئة الأركان المشتركة للقوات المسلحة الروسية إلى وضع جميع الوحدات التابعة لقوة الردع النووي في وضع قتالي. بادئ ذي بدء، من الضروري الانتباه إلى حقيقة أن الموقف القتالي لقوات الردع النووي الروسية هو دفاعي ويتماشى مع التحضير لهجمات مضادة من العدو. وفي هذا الصدد، وحسب وزارة الدفاع الروسية، فإن الردع النووي يشمل وحدات عسكرية تمنع أي هجوم، بما في ذلك هجوم نووي على الأراضي الروسية.
تم تجهيز الوحدات بالصواريخ والقاذفات الاستراتيجية والغواصات والسفن الحربية، وكذلك دروع الدفاع الصاروخي وأنظمة الدفاع الجوي وأنظمة القتال عبر الأقمار الصناعية.
بوتين غير متردد في مواجهة الناتو
في تحليل المعنى الضمني والسبب الكامن وراء إصدار بوتين لأمر الجهوزية لـ "قوة الردع النووي" لبلاده، من المهم الانتباه إلى رسالة هذا الأمر الرمزية أكثر من الانتباه إلى المظاهر الموضوعية والميدانية له.
وقال بوتين في خطابه للشعب الروسي إن "الدول الغربية لم تلجأ فقط إلى إجراءات اقتصادية معادية (عقوبات) لنا، ولكن في الوقت نفسه سمح مسؤولون رفيعو المستوى من دول الناتو الرئيسية لأنفسهم بالإدلاء بتصريحات معادية لروسيا"، بيان رئيس الكرملين يعني بوضوح أن أي هجوم للناتو ضد العمليات الخاصة لأوكرانيا ستكون عواقبه أسوء مما يتصورون، وان الروس على أعلى مستوى من التأهب، والذي يمكن أن يشمل حتى الهجوم النووي.
وفي هذا السياق، فإن رسالة بوتين الرمزية إلى الناتو هي أن موسكو ليست فقط غير خائفة من أي مواجهة، بل إنها مستعدة حتى للدخول في مرحلة الحرب النووية في مواجهة نفوذ الناتو وتوسعه في المناطق المجاورة لها. هذا في سياق أنه في كل السنوات منذ عام 1991، وخاصة منذ عام 1997، قبل الناتو عضوية 15 دولة ممن كانت عضوًا في الاتحاد السوفيتي السابق ووصل تدريجياً قريباً من حدود روسيا. لكن في الوقت الحالي، يرسل بوتين بشكل لا لبس فيه رسالة رمزية مفادها بأنه لن يتماشى بعد الآن مع منظمة حلف شمال الأطلسي.
أوكرانيا.. خط أحمر
يمكن قراءة بُعد مهم آخر لأمر فلاديمير بوتين بتجهيز الـ "الردع النووي" في خضم الأزمة الأوكرانية في شكل تذكير من موسكو بأن أوكرانيا خط أحمر. في الأشهر التي سبقت العملية الخاصة الأخيرة على حدودها الغربية، صرحت موسكو مرارًا وتكرارًا أن أوكرانيا كانت أكثر أهمية للكرملين من العمق الاستراتيجي، وأن هذا هو الخط الأحمر غير المتنازع عليه للكرملين.
وكانت موسكو قد شددت مرارًا وتكرارًا على أن الطيف القومي الحاكم والمؤيد للغرب في كييف، الذي يهيمن على أوكرانيا، يتجاهل علانية اتفاقات "مينسك" وينفذ أعمالًا استفزازية ضد جمهوريتي لوهانسك ودونيتسك. لكن تحركات زيلينسكي الخاصة وخططه للتحريض على الحرب مهدت في النهاية الطريق أمام بوتين لدخول خطه الأحمر.
الحد من نهج الغرب العدواني تجاه العالم الشرقي
فيما يتعلق بعواقب النظام المعادلة الجديدة لفلاديمير بوتين في إصدار أمر الاستعداد لـ "قوة الردع النووي" الروسية، يمكن النظر في الحد من التوسع الغربي في العالم الشرقي. بعد انهيار الكتلة الشرقية في عام 1991، أعلن العالم الغربي صراحة انتصار الديمقراطية الليبرالية، حتى المفكر الياباني الأمريكي فرانسيس فوكوياما ذهب إلى حد الدفاع عن نظرية نهاية التاريخ لمصلحة الديمقراطية الليبرالية. بعد هذا الحدث التاريخي، بدأت الدول الغربية في توسيع نفوذها ببطء وبصورة تدريجية في الجزء الشرقي من العالم.
بعد نهاية الحرب الباردة، بدأ الغربيون، الذين رؤوا الساحة فارغة من منافس جاد، يسيطرون تدريجياً على جهات فاعلة مختلفة على نطاق عالمي. لكن الأزمة في أوكرانيا وعزم روسيا بوتين، من ناحية، قد أوضحت للغرب أن نظام الاحتكار الذي يهيمن عليه الغرب قد انتهى في هذ العصر الجديد. من ناحية أخرى، وفي المستقبل القريب، يبدو أن صراعاً جديداً سيتولد في منطقة شرق آسيا شبيه بالسيناريو الروسي الحالي، ولكن هذه المرة مع الصين. وسيواجه الغربيون حقيقة أن القوى الأخرى عبر الإقليمية والإقليمية في العالم الشرقي لن تلتزم الصمت بعد الآن أمام التوسع الهمجي الامريكي في الشرق.
