الوقت- يترنح المشهد السياسي في ليبيا، دون أفق لإجراء انتخابات تنهي الاستقطابات التي تجعل مستقبل هذا البلد غامضاً. حيث كان من المفترض أن تنظم ليبيا انتخابات رئاسية وبرلمانية في ديسمبر كانون الأول، إلا أن الخلافات بين الفصائل ومؤسسات الدولة بشأن كيفية إجرائها أدت إلى انهيار العملية قبل أيام من موعد التصويت.
وجرى تسجيل زهاء ثلاثة ملايين ليبي للتصويت في انتخابات ديسمبر كانون الأول، وهو عدد يقول المحللون إنه يشير إلى رغبة وطنية واضحة في اختيار القادة.
وكان من المفترض أن تحل انتخابات ديسمبر كانون الأول “أزمة الشرعية” هذه، كما تُعرف، باستبدال كل مؤسسات ليبيا بأخرى يختارها الناخبون.
وصوت مجلس النواب هذا الأسبوع على اعتماد “خريطة طريق” سيختار بموجبها حكومة مؤقتة جديدة تعمل مع مؤسسة أخرى، هي المجلس الأعلى للدولة، على إعادة صياغة دستور مؤقت وتأجيل الانتخابات إلى العام المقبل.
وفي السياق، أعلن رئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبية عبدالحميد الدبيبة، أنه لن يسمح بمراحل انتقالية جديدة، ولن يتراجع عن دوره في الحكومة.
وأكد الدبيبة، في كلمته الثلاثاء للشعب الليبي، أن حكومة الوحدة الوطنية مستمرة في عملها إلى حين تسليم السلطة لسلطة منتخبة، قائلا: “لن نسمح لحكومة موازية بالعبث بأموال الشعب”.
وأضاف الدبيبة أن مجموعة يسعون لاختيار سلطة موازية من أجل الحكم والمال، بعضهم اتهم البعض بالإرهاب والإخوان، والآخر اتهم الآخر بالعسكر والانقلاب، واليوم الطرفان يتحالفان للاستيلاء على الشرعية.
وجرى تشكيل المجلس الأعلى للدولة من أعضاء في برلمان مؤقت انتُخب في 2012 لكن رفض الاعتراف بانتخابات لاستبداله بعد ذلك بعامين. واعترف اتفاق سياسي أُبرم في 2015 لإنهاء الحرب الأهلية بالمجلس الأعلى للدولة كمؤسسة رسمية لها سلطات استشارية.
وانتُخب البرلمان، مجلس النواب، في 2014. وبينما لم يكن له فترة محددة كان من المفترض أن يشرف على فترة انتقالية قصيرة إلى دستور جديد تعده هيئة أخرى منتخبة في ذلك العام، لكن تلك الخطوة لم تكتمل مطلقا.
وفي غضون ذلك جرى تنصيب حكومة الوحدة الوطنية في طرابلس العام الماضي بموجب خريطة طريق مدعومة من الأمم المتحدة بتفويض للإشراف على الفترة التي تسبق الانتخابات.
واختار أعضاء ملتقى الحوار السياسي الليبي، وعددهم 75، قادة الحكومة. وكانت الأمم المتحدة قد اختارت أعضاء الملتقى ليمثلوا مختلف المناطق والقوى السياسية الليبية الرئيسية.
وبحسب خريطة طريق ملتقى الحوار الوطني فإن تفويض حكومة الوحدة الوطنية يستمر حتى إجراء الانتخابات يوم 24 ديسمبر كانون الأول، لكنها لم تقل ماذا سيحدث إذا لم تُجر الانتخابات.
يبدو أن السيناريو الأكثر ترجيحا هو العودة إلى التقسيم الإداري بين حكومتين متوازيتين تتمركزان في مدينتين مختلفتين، وهو الوضع الذي كان سائدا منذ عام 2014 حتى تشكيل حكومة وحدة وطنية مؤقتة قبل عام.
وكان الليبيون يمنون النفس في أن تتمخض العملية المدعومة من الأمم المتحدة عن أول فرصة منذ 8 سنوات لانتخاب قادة جدد للبلاد، لكنهم باتوا يعدون أنفسهم الآن لعملية انتقالية طويلة أخرى تهيمن عليها نفس المجموعة من أصحاب النفوذ.
وقال فولفرام لاخر من مركز الأبحاث الألماني إس.دبليو.بي “ستكون ليبيا مرة أخرى عالقة في حالة من الضبابية دون وجود حتى عملية واضحة المعالم للمضي قدما. وهناك نية واضحة للغاية لدى الجانبين للاستيلاء على السلطة أو الحفاظ عليها”.
وحشدت الفصائل المسلحة، سواء المتحالفة مع حكومة الوحدة أو المناوئة لها، قواتها في طرابلس مؤخرا، كما بدأ السكان في ملاحظة وجود المزيد من المقاتلين في الشوارع وباتوا يخشون تصاعد التهديد المستمر والواضح باندلاع عنف مفاجئ.
ومع ذلك، ليس من الواضح ما إذا كان تعيين البرلمان لرئيس وزراء جديد سيؤدي سريعا إلى تجدد القتال الذي اندلع معظم فترات العقد الماضي وتسبب في تدمير أحياء كاملة في المدن الليبية.
ويستعد البرلمان في الشرق الذي كان متحالفا مع حفتر خلال الحرب فيما يبدو لتعيين فتحي باشاغا رئيسا للوزراء، وهو خصم سابق للمعسكر الشرقي وسبق أن تولى منصب وزير الداخلية في حكومة طرابلس السابقة.
وبعد ذلك سيكلفه البرلمان بتعيين حكومة مؤقتة جديدة، وهي عملية من المرجح أن تنطوي على مساومات مطولة بين الفصائل بشأن الحقائب الوزارية.
وينتمي كل من الدبيبة وباشاغا إلى مصراتة وهي مدينة ساحلية تنحدر منها بعض من أقوى الفصائل المسلحة المتمركزة في طرابلس والتي تسعى باستمرار إلى توسيع نفوذها وإيراداتها.
وعلى مدى الأشهر الأخيرة، اتحدت الفصائل المسلحة المتنوعة في العاصمة في معسكرين رئيسيين، أحدهما متحالف بوضوح مع الدبيبة، مما يجعل من السهل اندلاع القتال في الشوارع على خلفية النزاعات السياسية.
ومع ذلك، يبدو من غير المرجح أن يسعى القادة السياسيون باختلاف توجهاتهم والقوى الأجنبية التي تدعمهم إلى دخول مواجهة مسلحة في الوقت الحالي.
بل على العكس، يبدو أنهم أكثر ميلا لمواصلة سعيهم للحفاظ على السلطة بطرق أخرى، مثل الضغط على شركة النفط الحكومية، أو من خلال الشد والجذب خلف الكواليس.
وأكد الكاتب الصحفي عبد الستار حتيتة، المتخصص في الشأن الليبي، أن الموقف الليبي أصبح صعبا للغاية، موضحا أن هناك جبهتين تتنازعان، الأولى تريد إرجاء الانتخابات لمدة عام، بينما الثانية تريد الإبقاء على حكومة عبد الحميد الديبية.
ورأى حتيتة الوضع الليبي الصعب يؤشر بصعوبة إجراء الانتخابات في يوليو المقبل، لافتا إلى هناك تآكل للمؤسسات في ليبيا خاصة المرتبطة بالقضاء والأمور المالية والأمنية بسبب النزاع بين الشرق والغرب في ظل حالة الاستقطاب الحاد.
وأشار إلى أن هناك خوف من تأثر المؤسسات الليبية سلبيا نتيجة الصراع بين الغرب والشرق فضلا عن تخوف من حمل السلاح.
وتابع أن كل طرف من الطريفين يتحدث كما لو كان رئيسا للدولة الليبية، موضحا أن الدبيبة اتهم بعض النواب في البرلمان الليبي بتلقي رشاوى في المقابل يتحدث مجلس النواب باستعلاء مع حكومة الدبيبة.