الوقت_ بعد القرار المفاجىء بقبول الكيان الصهيونيّ العنصريّ كعضو مراقب في الاتحاد الإفريقي (منظمة دولية تتألف من 55 دولة أفريقية، تأسس في 9 يوليو/ تموز عام 2002 - مقره أديس أبابا) دون استشارة أيّ من الدول الأعضاء، تحول هذا الاتحاد إلى ساحة صراع بين الدول التي ترغب في إقحام "إسرائيل" وطردها، في نقطة خلاف محوريّة تسيطر على القمة المزمع عقدها نهاية الاسبوع، حيث كان سبب هذا الخلاف هو قيام رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقيّ، موسى فكي محمد، في تموز/ يوليو المنصرم، بالموافقة على منح الكيان صفة مراقب في الهيئة، ما أعطى الصهاينة انتصاراً كانوا يلهثون نحوه منذ سنوات طويلة.
قضية هامة
في الوقت الذي اتفقت فيه الكثير من الدول الإفريقيّة على طرد الكيان المجرم من الاتحاد الإفريقي، وعلى رأسها جنوب إفريقيا والجزائر، بالاستناد إلى أنّ ذلك القرار تم بدون التشاور معها، إضافة إلى أنّ هذه الخطوة تتعارض مع العديد من بيانات الاتحاد الإفريقي، بما في ذلك تصريحات فكي محمد نفسه الداعمة للأراضي الفلسطينية، للحفاظ على مبادئ الاتحاد ودعم الدولة الفلسطينيّة العربيّة، بعد أن أدخلت الولايات السودان والمغرب إلى حظيرة التطبيع مع أعداء العرب والمسلمين، مقابل الحصول على حفنة من المصالح التي بات يدركها الجميع.
وإنّ يوم السبت القادم قد يشهد حسماً لهذه القضية التي ترفضها العديد من العواصم الإفريقيّة، بعد فشل وزراء خارجية المنظمة في حلها خلال الاجتماع الماضي في تشرين الاول/أكتوبر، حيث يبدو هذا الملف مُلحاً للغاية رغم وجود قائمة طويلة من القضايا الهامة من بينها جائحة فيروس كورونا وسلسلة الانقلابات الأخيرة، ويتوقع محللون أن تحظى مسألة "طرد إسرائيل" بجلسة استماع مطولة في القمة التي تقام إحياء للذكرى العشرين لتأسيس الاتحاد الإفريقي، وقد يجري التصويت على دعم أو رفض قرار فكي محمد التعسفي.
وفي الوقت الذي يتنبأ البعض باحتماليّة حدوث انقسامات في الاتحاد عقب 20 عاماً من تأسيسه، تتشارك الكثير من الدول الإفريقية الرغبة في طرد العدو الصهيونيّ الطامح بالتغلغل الأكبر في إفريقيا، ومن بينها: جنوب أفريقيا، تونس، أريتيريا، السنغال، تنزانيا، النيجر، جزر القمر، الغابون، نيجيريا، زمبابوي، ليبيريا، مالي، السيشل، وتؤكّد أنّها لن تقف مكتوفة الأيدي أمام الخطوة التي قام بها الكيان والاتحاد الأفريقي دون استشارة الدول الأعضاء، ولم تخف بعض الحكومات الإفريقيّة قلقها من تمدد الكيان الصهيونيّ يوماً بعد آخر في هذه القارة، خاصة تطبيع الرباط والخرطوم.
وعلى الرغم من أنّ الاتحاد الإفريقيّ منح صفة مراقب لـ 72 دولة وتكتلاً ومنظمة إقليميّة، بما في ذلك كوريا الشماليّة والاتحاد الأوروبيّ وبرنامج الأمم المتحدة المشترك المعني بفيروس نقص المناعة المكتسبة “الإيدز”، إلا أنّ القرار الانفراديّ بقبول "إسرائيل" كعضو مراقب اعتبر "غير شرعيّ"، بهدف ضرب استقرار المنظمة التي لطالما طالبت بحل سياسيّ عادل للقضية الفلسطينية يضمن احترام حقوق الفلسطينيين وفقاً لمبادئ القانون الدوليّ وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة، بما يؤدي إلى إنهاء الاحتلال الصهيونيّ الكامل للأراضي الفلسطينيّة، واستقلال دولة فلسطين وعاصمتها القدس الشرقية داخل حدود الرابع من حزيران عام 1967، ناهيك عن دعوات إنهاء جميع أشكال التعامل مع الكيان الصهيونيّ الباغي.
وفي هذا الشأن، إنّ هذا التحرك الدبلوماسيّ الواسع والمعادي لوجود الاحتلال وإن كان بصفة "مراقب"، يأتي من باب محاربة التغلغل الصهيونيّ في القارة الأفريقية، وهو الاختراق الذي عملت الدبلوماسيّة الصهيونيّة على مدى عقود لتحقيقه، علماً أن كيان الاحتلال العنصري تمتع سابقاً بصفة عضو مراقب في "منظمة الوحدة الأفريقية" لغاية 2002، ومن ثم انتزع منه ذلك جراء استبدال هذه المنظمة بالاتحاد الأفريقي، حيث عزت حكومة العدو هذا الأمر إلى الزعيم الليبي الراحل، معمر القذافي، الذي كان ذو نفوذ كبير في الاتحاد الإفريقي حتى الإطاحة بنظام حكمه وقتله بإشراف أمريكيّ عام 2011.
وما ينبغي ذكره أن هذه القضيّة أثارت علامات استفهام كثيرة، حيث إنّ القرار الأخير اتُخذ في وقت تعرض فيه الشعب الفلسطيني لحملة عسكريّة دمويّة وقصف مدمر مع استمرار الاستيطان والاعتقال والإجرام، خاصة أنّ قرار منح العدو الباغي صفة مراقب، لا يتوافق مع موقف الاتحاد الأفريقي الرافض بشدة لمنهج "إسرائيل" العنصريّ -بحسب منظمات حقوقيّة دولية- في قتل الفلسطينيين وتدمير بناهم التحتية المدنية، ويعتبر الاتحاد الإفريقي من أكبر المعاقل التي دافعت ولا تزال عن القضية الفلسطينيّة.
ويشار إلى أنّ أي قرار بشأن عضوية الكيان الصهيونيّ يحتاج إلى تأييد ثلثي الدول الأعضاء، في ظل التكالب على فلسطين وداعميها من خلال الانجرار نحو اتفاقات العار لتمرير "صفعة القرن" التي تهدف إلى تصفيّة قضيّة الشعب الفلسطينيّ والعربيّ والإسلاميّ، والغوص في مشاريع التفتيت والتقسيم في المنطقة، رغم أنّ القرار لا يحمل أيّ صفة أو قدرة لإضفاء الشرعيّة على ممارسات وسلوكيات المراقب الجديد التي تتعارض تماماً مع القيم والمبادئ التي ينص عليها القانون الأساس للاتحاد الإفريقيّ، ولا يؤثر بشكل جوهريّ على الدعم الثابت والفعال للمنظمة القاريّة تجاه القضية الفلسطينيّة والتزامها بتجسيد الحقوق الثابتة للشعب الفلسطينيّ وأهمها إقامة دولة مستقلة وعاصمتها القدس.
والسر يكمن في أنّ العدو الإسرائيليّ تقدّم بطلب الانضمام إلى الاتحاد أكثر من 10 مرات منذ عام 2002، ومارست تل أبيب ضغوطاً على حلفائها في أفريقيا مثل إثيوبيا وكينيا وغانا، ولكن لم يتحقق لها المطلوب إلا في عام 2021، عندما اتخذ رئيس الاتحاد الأفريقي التشاديّ الجنسيّة، موسى فكي، قراراً فرديّاً بذلك، باعتبار أنّ القارة الأفريقية كانت وماتزال مطمعاً للغزاة والمحتلين، لاستغلال ثرواتها والاستفادة منها، وهذا الأمر لا يقتصر على العدو الصهيونيّ فقط، حيث إنّ القارة السمراء الرائعة يحاوطها بالفعل الكثير من المخاطر المستقبليّة المتمثلة في التدخلات والأطماع الخارجيّة.
تغلغل صهيونيّ
"إنّ مستقبل الأجيال القادمة في دول الاحتلال الصهيونيّ، مرتبط بقدر كبير بنشاطها في القارة الأفريقية"، مقولة لثالث رئيس وزراء لكيان الإجرام الصهيونيّ (1963-1969)، وقد عمل كل قادة العدو لتحقيق ذلك بكل ما أوتوا من قوة، لأنّ تل أبيب تدرك جيداً أهمية قارة أفريقيا التي تملك قدرات وإمكانيات هائلة من الموارد غير المستغلة، إضافة إلى حاجتها الماسة للتكنولوجيا الحديثة، ويضع قادة العدو هدفا إستراتيجيّاً بالتغلغل فيها، لما تمثّله من ثقل سياسيّ واقتصاديّ كبير، وباعتبارها سوقاً مفتوحة لمختلف منتجاتها ومن ضمنها العسكريّة، لهشاشة أوضاعها وسهولة الاندساس في مفاصلها.
كذلك، أدرك العدو الصهيونيّ حاجته الملحة إلى من يدعمه في المحافل المختلفة القاريّة والدوليّة، فعمد إلى بناء الجسور العلاقات مع الدول طمعاً في أصواتها، وبالتالي منع الدبلوماسيّة المعادية للإجرام الصهيونيّ من استصدار قرارات ضد تل أبيب ومعاقبتها على دمويّتها، حيث إنّ الكيان المعتدي يعتبر نفسه وسيطاً بين الدول الأفريقيّة وواشنطن، وهو موضوع هام استغلّته العصابة الصهيونيّة باستمرار ضد الدول الضعيفة والفقيرة هناك.
ومن الناحية الاقتصاديّة، يعتبر العدو الصهيونيّ القاتل أكثر من يستغل المعادن الثمينة في قارة أفريقيا، حتى أصبح من أكبر مصدري الماس والذهب واليورانيوم وغيرها من الموارد، ورغم الادعاءات الصهيونيّة بأنّ تل أبيب تتبادل المصالح مع أفريقيا، إلا أنّ الواقع يؤكّد أنها تستغل تلك الدول بدعم أجنبيّ.
وبما أنّ العدو المستبد يمتلك علاقات دبلوماسيّة كبيرة في أفريقيا، ويتملك بحسب زعمه علاقات مع عشرات الدول هناك، فإنّ أهمية الاعتراف به داخل الاتحاد الأفريقيّ يقدم له الكثير من التسهيلات في التعامل مع الدول والهيئات التابعة له، خاصة في المجال العسكري والاستخباريّ، وهو أكثر المجالات التي تنشط فيها تل أبيب هناك، سواء كان في مبيعات السلاح، أو التدريب الأمنيّ للجيوش الأفريقيّة، أو التقنيات وتكنولوجيا التجسس.
أيضاً، تبرع "إسرائيل" في تغذية الصراعات الأفريقيّة، حيث تستغل النزاعات المزمنة في كثير من الأقاليم، وتعمل على تغذية أطراف النزاع بالسلاح، كدعم نيجيريا في قضية "بيافرا"، وتغذية النزاع في جمهورية الكونغو وجنوب السودان وتشاد وغيرها الكثير الكثير، والدليل على كل ذلك ما أشار إليه رئيس قسم أفريقيا بالخارجية الصهيونيّة، حول أن سبب اكتساب أفريقيا أهمية كبيرة في سياسة العدو الخارجية هو "تنامي أهميتها الاقتصاديّة والسياسيّة".
ولا يمكن أن تقل الناحية الثقافيّة عن كل ما ذُكر، وقد حاول العدو الغاصب إظهار نفسه على المستوى العالميّ بأنّه دولة تعرض شعبها للعنف والتمييز العنصريّ رغم أنّه أكبر كيان ممثل للإجرام والعنصريّة والاستبداد، وهو أيضا ما روج له في علاقاته مع القارة الأفريقية بأن كيانه الغاصب يشترك مع دول القارة السمراء في أنّهم تعرضوا للعنف و التمييز العنصريّ، لخلق نوع من التعاطف و التاريخ المأساوي المشترك بينهما رغم ممارساته العنصرية باعتراف دوليّ، إلي جانب ذلك قدمت تل أبيب نفسها على أنّها نموذج متقدم و متطور يمكن الاقتداء به من قبل الدول النامية مثل بعض دول أفريقيا كل هذا ساعد على اتساع دائرة العلاقات مع أفريقيا، و أدى إلى وصول العلاقات الصهيونيّ - الأفريقية إلى منزلة لا شك بأنها تعود بنفع كبير على العدو.