الوقت - يمكن وصف الغزو الشامل لليمن من قبل بعض الدول العربية، بمعركة مليئة بالمفاجآت رغم مرور عدة سنوات على نشوبها.
النظرة الأولية لقوة الأطراف المعنية أظهرت خلافات كثيرة، وكان يعتقد أن العدوان سينتهي بسرعة باحتلال الأراضي اليمنية. لكن مع تقدم الحرب، شهدنا الكشف عن العديد من الابتكارات والمبادرات من قبل المقاومة الشعبية والجيش اليمني.
في الأسبوع الماضي تقريباً، وبسبب إعادة تورط الإمارات في الحرب في اليمن، وبعد العديد من التحذيرات التي تجاهلها المعتدي، بدأت الهجمات اليمنية على بعض المناطق المهمة والحساسة في الإمارات، لكن يبدو أن الهجوم الأخير قد حطم الرقم القياسي لليمنيين في إظهار قوتهم العسكرية.
الرد الصاروخي الذي انطلق في ساعة مبكرة من صباح الاثنين، كان في الواقع هجومًا مشتركًا لليمنيين ضد كل من السعوديين والإماراتيين باعتبارهما المعتدين الرئيسيين، حيث تعرضت بعض المناطق الحدودية للسعودية ومدينة أبو ظبي في الإمارات للهجوم.
في مناقشة الهجوم على أبو ظبي، بحسب بيان الجانب الإماراتي(الذي لم يتضح ما إذا كان، كما في السابق، مصحوبًا بالكذب أم لا)، فإن الصاروخ الباليستي اليمني قد تم اعتراضه من قبل الأنظمة الدفاعية الموجودة حول أبوظبي(بحسب بعض المصادر الإماراتية، باتريوت باك 3).
ومع ذلك، بعد ساعات من الهجوم، نشرت وزارة الدفاع الإماراتية صورًا تزعم أن الطائرات المقاتلة من طراز F-16 في هذا البلد قد دمرت منصة الإطلاق التي أطلقت منها الصواريخ على أبو ظبي، وهو ما اتضح على الفور بأنه كذبة كبيرة.
التقديرات والتحقيقات الأولية لموقع الهجوم تشير إلى أن هذه النقطة تقع بالقرب من مدينة الحزم في محافظة الجوف اليمنية، وتبعد ما يقرب من 1350 كيلومترًا عن أبوظبي في الإمارات. وهکذا، فإنها أکبر الهجمات من حيث المدی يتم شنها خلال الحرب اليمنية منذ البداية وحتى اليوم. لكن هذه مجرد البداية.
نشر الصور التي فضحت الإمارات
منذ البداية، شكك بعض الخبراء في مزاعم الإمارات بوجود قاذفة صواريخ يمنية، من خلال نشر صور الأقمار الصناعية للموقع الذي تدعيه الإمارات لإطلاق قاذفة الصواريخ، ومقارنتها بصور الغارات الجوية التي شنتها الإمارات علی اليمن.
وأثبت هؤلاء الخبراء أن مجموعةً من المركبات الثقيلة كانت موجودةً هناك لبعض الوقت، وقد شنت الإمارات هذا الهجوم الأعمى والعديم الجدوى لمجرد الرد على الرأي العام في البلاد، أو الخوف من الضربات الصاروخية والطائرات المسيرة، ومن خلال اختلاق قصة مزيفة، أعلنوا رسميًا أنهم استهدفوا منصة الإطلاق.
وبعد نشر مقطع فيديو لموقع هجوم المقاتلات الإماراتية، اتضح أن الموقع كان مخصصًا لوقوف المركبات الثقيلة ومعدات البناء، ولا توجد هناك قاذفات أو صواريخ أو حتى معدات عسكرية بسيطة.
فإذا لم يكن الإطلاق من حول منطقة الحزم، فإن الخيارات المحتملة التالية لموقع الإطلاق هي مناطق حول صعدة وصنعاء، وفي هذه الحالة ستكون المسافة التي يقطعها الصاروخ بالتأكيد أقرب إلى 1500، ولا يزال الجدل حول الهجوم اليمني الذي حطم الرقم القياسي في هذا الهجوم قويًا، وقد يتزايد من حيث العدد.
ما هو الصاروخ اليمني الذي تم إطلاقه؟
لكن كما ذكرنا، بافتراض صحة الادعاءات الإماراتية(فقط حول موقع الإطلاق وليس اكتشاف منصة الإطلاق، وهو ما كان کذباً بالکامل)، فنحن أمام إطلاق من مدى 1350 كم، وبحسب بعض الأدلة، فقد وقع الهجوم من مسافة أبعد.
بالنظر إلى هذه الخصائص والطبيعة الباليستية للنظام المستخدم، فمن المحتمل أن يكون السلاح المستخدم هو صاروخ "بركان 3".
شوهد هذا الصاروخ لأول مرة في اليمن عام 2019، وفي نفس العام استُخدم في هجوم بعيد المدى على مسافة 1300 كيلومتر في شرق السعودية حول منطقة الدمام. وكان هذا الإطلاق أكبر هجوم صاروخي باليستي في حرب اليمن قبل الهجوم الأخير على أبو ظبي.
يعتبر صاروخ بركان 3 في الواقع استمرارًا لتطوير سلسلة بركان، والتي تقوم على ترقية الصواريخ اليمنية السابقة من صواريخ مثل سلسلة "سكود سي".
يستخدم الصاروخ الوقود السائل، واستنادًا إلى الهجوم الأخير يمكن القول على الأرجح إنه تمكن من الوصول إلى مدى يزيد عن 1300، وعلى الأرجح 1500 كيلومتر، وهو ما تحقق علی يد اليمنيين.
في عائلة صواريخ بركان، شهدنا إزاحة الستار عن صواريخ بركان 1 وبركان 2 وبركان 2 إتش قبل بركان 3. فعلى سبيل المثال، كان صاروخ بركان 2 إتش أول سلاح يمني يستهدف مناطق مثل الرياض والطائف، مما أوصل الحرب إلى العاصمة السعودية لأول مرة.
ما هو الهدف من الهجمات اليمنية؟
إن إلقاء نظرة على الهجومين اليمنيين الأخيرين على مناطق معينة في الإمارات، يثير بعض التساؤلات حول طبيعة هذه الهجمات.
في الأساس، يبدو أن اليمنيين ما زالوا يحاولون اتباع سياسة إرسال إشارات قصيرة ومحدودة لإبعاد الإمارات باحترام عن حرب اليمن، وما نقله مسؤولون يمنيون في وسائل الإعلام قبل أسابيع قليلة، هو تحذير للناس العاديين والمستثمرين في الإمارات.
من الواضح أن اليمنيين، الذين لديهم تاريخ من الهجمات الشديدة مثل الهجوم علی أرامكو، لديهم القدرة على شن هجمات واسعة النطاق، لكنهم ما زالوا يحاولون إرسال إشارات مقطعية.
تكمن مشكلة الإمارات، على عكس السعودية، في أن جغرافيتها محدودة بدرجة أكبر، وهي حساسة وهشة للغاية في مواجهة مثل هذه الهجمات.
يعتمد جزء كبير من دخل هذه الدولة على السياحة وعبور البضائع والركاب ووجود الشركات متعددة الجنسيات، واستثماراتها العديدة في مختلف المجالات.
وكان العامل الأهم الذي منح كل هذه الامتيازات للإمارات عبر السنين هو وجود الأمن والاستقرار، ومن الواضح أنه إذا اختفى هذا العامل ودخل اليمنيون مرحلة أكثر خطورةً من الهجمات، فإن المصدر الرئيسي لدخل الشعب الإماراتي سيعاني من أضرار لا تعوض.
سيتضح في المستقبل القريب بأن المسؤولين الإماراتيين – الذين ما زالوا على خلاف حاد بينهم - سيختارون الحفاظ على الاستقرار والدخل الرئيسي لبلدهم القائم علی الأمن والاستمرار، أم يواصلون اتباع مغامرات الأمير السعودي الشاب وعديم الخبرة.