الوقت - أبرزت العملية الصاروخية الإيرانية ضد عين الأسد، القاعدة الأمريكية في العراق بعد اغتيال اللواء قاسم سليماني، عمق غباء سياسة "الضغط الأقصى" التي انتهجها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب.
كشف رد فعل طهران على اغتيال اللواء سليماني، عن أدلة أخرى على الفشل الكامل للانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي.
في الساعات الأولى من صباح 8 كانون الثاني/يناير 2020، أصاب 11 صاروخاً باليستياً إيرانياً أكبر قاعدة عسكرية في العراق، وهي قاعدة عسكرية أمريكية، أحدث بعضها ثقوباً في الأرض بعرض 30 قدماً.
دمرت هذه العملية المصحة والحظيرة ومخزن المعدات العسكرية. وبالتأكيد، كانت هذه العملية واسعة النطاق أكبر هجوم على الولايات المتحدة. وقد روت القوات الموجودة في قاعدة عين الأسد، قصص وحکايات عن إطلاق الصواريخ الذي استمر لعدة ساعات.
أصيب أكثر من 100 من أفراد الجيش الأمريكي بإصابات في الدماغ نتيجةً للعملية، وحصلوا من أجل ذلك مؤخرًا على جائزة "القلب الأرجواني"؛ لكن ترامب زعم أن الإصابات كانت في الواقع "صداع غير خطير".
هذه العملية، في الواقع، أظهرت فشل سياسات إدارة ترامب تجاه إيران؛ وهي السياسات التي قوضت، بعد الانسحاب من الاتفاق النووي في مايو 2018، المسار الدبلوماسي الفعال مع إيران.
كانت سياسة ترامب المفضلة هي حملة "الضغط الأقصى"، والتي تهدف إلى حرب اقتصادية سرية تزيد من حدة التوترات.
يجب أن تكون العواقب الوخيمة لسياسة ترامب تجاه إيران على الاستقرار الإقليمي والمصالح الوطنية الأمريكية الرئيسية، بمثابة تحذير للرئيس الأمريكي جو بايدن بعدم اتباع نهج ترامب المدمر للذات.
تكمن أهمية الرد الإيراني الفوري على اغتيال اللواء سليماني في تداعياته الاستراتيجية. حيث أعطت العملية إيران فرصةً لإثبات قدرة الصواريخ الباليستية التي كانت تتحدث عنها.
كان التأثير الجيوسياسي للعملية الإيرانية ضد عين الأسد ذا شقين: لقد عززت ردع إيران ضد الهجوم، وأعادت إقامة التوازن الإقليمي نحو التعامل مع إيران.
ليس فقط القواعد العسكرية الأمريكية المنتشرة في جميع أنحاء الشرق الأوسط، بل أيضًا البنية التحتية الحيوية لشركاء الولايات المتحدة في المنطقة باتت أكثر عرضةً للخطر.
ونقل توماس فريدمان الصحفي في نيويورك تايمز، عن أحد مؤسسي مفاعل "ديمونا" النووي للکيان الصهيوني قوله، إن "اسرائيل يجب أن تغلق هذه المنشأة، نظراً لقدرة ايران المثبتة حديثاً، وعلى كل عاصمة عربية أن تعيد نهجها تجاه إيران أيضًا".
عارضت السعودية والإمارات ودول عربية أخرى الاتفاق النووي، ودعمت بشدة جهود ترامب لعزل إيران.
وأوضح مقال النيويوركر في 2018 كيف حقق ولي العهد السعودي محمد بن سلمان وولي العهد الإماراتي محمد بن زايد مكانهما في إدارة ترامب، وضغطا بشدة على ترامب لاتخاذ موقف صارم ومعاد لإيران.
حتى أن محمد بن زايد لعب دورًا محوريًا في تشكيل التحالف مع الکيان الإسرائيلي للتأثير على إدارة ترامب، ولا سيما فيما يتعلق بإيران. لكن في العام الأخير من إدارة ترامب، انسحبت الإمارات من حملة الضغط القصوى، وأرسلت وفودًا إلى إيران لمحاولة تخفيف التوترات. کما اتخذت السعودية خطوات للتفاوض مع إيران لحل التوترات.
والأهم من ذلك، أن الدول الخليجية تدعم الآن إحياء الاتفاق النووي الذي عارضته بشدة في السابق.
في الواقع، ما فعله ترامب بسياسته تجاه إيران، كان الكشف عن الفراغ الكامن وراء الضمانات الأمنية الأمريكية في المنطقة. وكانت حملة "الضغط الأقصى" التي شنها ترامب، بمثابة هزيمة استراتيجية للولايات المتحدة على كل الجبهات.
من جهة أخری، عززت الإجراءات العسكرية الانتقامية الإيرانية موقعها الإقليمي وأمنها ضد الأعمال الأجنبية. کما قامت إيران بتوسيع برنامجها النووي بشكل كبير، مع تحقيق الاستقرار لاقتصادها في مواجهة الحصار الاقتصادي الكامل.
وإذا نظرنا إلى الوراء، فإن كل ما فعله ترامب هو تقريبًا بدء حرب كارثية في عدة حالات. ويجب أن تكون إدارة بايدن واقعيةً بشأن الرؤية الاستراتيجية الحالية، والخطر الكامن في اتباع سياسات ترامب.
في غضون ذلك، لم يتخل بايدن عن حملة "الضغط الأقصى" لترامب، وقد هددت إدارته باتباع خطة "ب" غير قابلة للتنفيذ للضغط على إيران إذا فشلت محادثات فيينا.
سيكون هذا سوء تقدير كبير، وفي هذه المرحلة يجب على واشنطن أن تتخذ کل الخطوات الضرورية للحفاظ على الدبلوماسية، وتقديم التنازلات اللازمة لمنع دورة توتر أخرى ستكون مكلفةً للولايات المتحدة.