الوقت - أعلن رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك يوم الأحد استقالته من منصبه على خلفية الأزمة السياسية الراهنة.
وقال حمدوك، فى كلمة موجهة للشعب السوداني، بثها التلفزيون الرسمي "أعلن لكم استقالتي من منصب رئيس الوزراء مفسحا المجال لآخر من بنات أو أبناء هذا الوطن المعطاء".
وأضاف " لقد منحتموني شرف رئاسة مجلس الوزراء في هذا الظرف الدقيق والمفعم بالآمال، ولقد حاولت بقدر استطاعتي أن أجنب بلادنا خطر الانزلاق نحو الكارثة".
وتابع " في ظل هذا الشتات داخل القوى السياسية والصراعات العدمية بين كل مكونات الانتقال، ورغم ما بذلت كي يحدث التوافق المنشود والضروري للإيفاء بما وعدنا به المواطن من أمن وسلام وعدالة وحقن للدماء، ولكن ذلك لم يحدث".
وتعليقاً على هذه الاستقالة، قال الأمين العام المكلف لحزب المؤتمر الشعبي المعارض بالسودان محمد بدر الدين إن استقالة عبد الله حمدوك كانت أمرا متوقعا وأنها ستزيد تأزيم الأوضاع. وشدد بدر الدين على أن المخرج من الأزمة هو حوار شامل لا يقصي أحدا.
أما القيادي بالحزب الشيوعي السوداني صديق يوسف، فاعتبر أن تنحي رئيس الوزراء تأخر كثيرا، وتوقع أن تضيّق استقالة حمدوك الخناق على المكون العسكري داخليا وخارجيا.
وعلّق حاكم إقليم دارفور غربي السودان، مني أركو مناوي، على استقالة رئيس الوزراء، عبد الله حمدوك بالقول إنه “لا بديل عن الحوار” والاعتراف المتبادل بين مكونات البلاد.
وكتب مناوي في تغريدة على “تويتر”، مساء الأحد، قائلا إن ”استقالة حمدوك واحدة من تجليات الأزمة السياسية والاجتماعية المتراكمة التي لم تفهمها القوي السياسية التي ورثت البلاد في زمن غفلة أغلب الشعب”.
وأشار إلى أن “قول حمدوك في خطابه أن الاسباب وراء استقالته عدم توافق سياسي يجب ان يُفهم”.
ويرى محللون ان استقالة حمدوك لن تغير في الواقع على الأرض خاصة حركة الاحتجاجات الجارية حالياً والتي يرجح تصاعدها، في المقابل سيمضي مجلس السيادة في تعيين رئيس وزراء جديد والمسارعة في تشكيل حكومة مدنية، حسب توقعاتهم.
وجاء إعلان حمدوك استقالته، عقب ساعات قليلة من احتجاجات شهدتها الخرطوم، الأحد، للمطالبة “بحكم مدني”، سقط خلالها 3 قتلى وعدد آخر من الجرحى بحسب لجنة “أطباء السودان غير الحكومية”، دون صدور إحصائية رسمية أو تعليق من السلطات بالخصوص.
ومنذ 25 تشرين الأول الماضي، يشهد السودان احتجاجات ردا على إجراءات استثنائية اتخذها قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، أبرزها فرض حالة الطوارئ، وحل مجلسي السيادة والوزراء الانتقاليين، وعزل حمدوك، واعتقال مسؤولين وسياسيين.
ورغم توقيع البرهان وحمدوك اتفاقا سياسيا، في 21 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، تضمن عودة الأخير لمنصبه، وتشكيل حكومة كفاءات، وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين، فإن قوى سياسية اعتبرت الاتفاق “محاولة لشرعنة الانقلاب”، وتعهدت بمواصلة الاحتجاجات حتى تحقيق “الحكم المدني الكامل” خلال الفترة الانتقالية.
واعتبر المحلل السياسي، عمرو شعبان، استقالة عبدالله حمدوك بمثابة انتصار لإرادة الشارع السوداني الذي لم يسانده منذ الاتفاق الذي وقعه مع رئيس مجلس السيادة الفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان في 21 تشرين الثاني الماضي.
وقال شعبان، إن حمدوك وجد نفسه معزولا مع تصاعد موجة الاحتجاجات الرافضة للاتفاق السياسي وفشله في التوصل لوفاق شامل لتكملة الفترة الانتقالية بخلاف ما كان يتوقع.
وأشار إلى أن السيناريو المتوقع هو أن يسارع المكون العسكري في تعيين رئيس وزراء بديل لحمدوك وتشكيل حكومة مدنية خلال زمن قياسي لتهدئة الضغط الدولي المحتمل.
وأكد أن استقالة حمدوك لن تغير شيئاً في حركة الاحتجاجات الجارية والتي توقع توسع رقعتها خلال الفترة القادمة نظراً للمطالب التي يرفعها المتظاهرون والداعية للحكم المدني كاملاً.
بدوره، قال المحلل السياسي، شوقي عبدالعظيم، إن مغادرة حمدوك سوف تترتب عليها تداعيات قاسية وسيناريوهات مرعبة، بينها خيار المواجهة المفتوحة بين الأطراف وهو المرجح في الوقت الحالي نظراً لتباعد المواقف بين المكونات السودانية.
وأضاف عبدالعظيم، إن استقالة حمدوك ستترك حيرة حتى على المجتمع الدولي في كيفية التعاطي مع الملف السوداني نسبة للتعقيدات التي تطرأ "فمآلات الأوضاع مفتوحة وسيكون لها ارتدادات سياسية واقتصادية، وأمنية سيئة".
ورجح أن يلجأ المكون العسكري إلى "فرض الأمر الواقع" بمزيد من العنف لكبح حركة الاحتجاجات وتعيين رئيس وزراء مدني وتكوين حكومة بلا سند شعبي فبالتالي لن تقود إلى الاستقرار والأمن في البلاد.
وأكد أن الوضع الأمني المتدهور سيقود لمزيد من التراجع الاقتصادي وتردي الأوضاع المعيشية، وهروب رؤوس الأموال والاستثمارات إلى الخارج.
بدوره قال السياسي السوداني، محمد عادل، إن استقالة حمدوك تركت السودان في مفترق طرق يتطلب تحكيم صوت العقل والحكمة بين كل المكونات لتفادي انزلاق البلاد لمنعطفات خطيرة.
وأوضح عادل، أن الوضع في السودان سيقود إلى 3 سيناريوهات، هي "الفوضى، انقلاب عسكري، توافق سياسي" يقود إلى انتخابات لنقل السلطة.
وأشار إلى أن التمترس في المواقف سيقود إلى فوضى عارمة في البلاد، وهو الشيء الذي يجب تجنبه بضرورة التنازل والتوافق على تشكيل حكومة من كفاءات وطنية مستقلة، وضمان استقلالية القضاء والأجهزة العدلية، وسن قانون للانتخابات وتشكيل المفوضيات لإكمال عملية الانتقال.
من جهته قال الخبير القانوني عبد الباسط الحاج أن ما يترتب على استقالة حمدوك هو إلغاء الاتفاق الإطاري الموقع بينه كرئيس وزراء والقائد العام للقوات المسلحة البرهان، لأن الصفة الاعتبارية التي كان يمثلها حمدوك قد سقطت مع الاستقالة المقدمة منه.
وأضاف: وفقا للاتفاق، فإن حمدوك والبرهان كانا يسعيان إلى تأسيس إطار سياسي جديد يعقب الانقلاب الذي قام به البرهان عن طريق وثيقة الاتفاق الثنائية، وقد عجزا عن ذلك، ولم تتحقق بنود الاتفاق.
وأكد على أن الاتفاق الإطاري للبرهان وحمدوك قام، تأسيساً على قرارات الخامس والعشرين من أكتوبر/تشرين الأول، الأمر الذي يعني أن الوضع السياسي في البلاد بعدها سيعود إلى تلك نقطة، أي وضع الانقلاب على الحكومة المدنية الذي عطل فيها العمل بعدد من مواد الوثيقة الدستورية وخاصة تلك التي تؤسس للشراكة بين الجيش وقوى الحرية والتغيير.
وأضاف: لكن البرهان أكد في انقلابه على أنه ملتزم باتفاق السلام، ما يعني أن اتفاق جوبا سيظل قائماً في موقف البرهان استقراء من بيان الانقلاب، ما لم يصدر موقف آخر غير ذلك.
وبيّن أن اتفاق السلام هو جزء من الالتزامات الدستورية وليس مرجعية دستورية، لافتا إلى أن المرجعية الواردة في كل الاتفاقات السابقة تقول إن الوثيقة الدستورية هي المرجعية الانتقالية المعترف بها. وأشار إلى أن اتفاق السلام نفسه نتج عن الوثيقة الدستورية.