الوقت_ رغم أنّ التعامل الإسرائيليّ مع السلطة الفلسطينيّة برئاسة محمود عباس يتم بإذلال واستعباد، إلا أن عباس، التقى مؤخراً وزير الحرب الصهيوني، بيني غانتس، وأكد على استمرار التنسيق الأمنيّ مع العدو وملاحقة المقاومين في الضفة الغربية، حيث فتحت حكومة رام الله كل أبواب التعاون مع تل أبيب واستخدمت جميع الأساليب الإجراميّة ضد شعبها، مستجدية العدو الباغي لأنّها تعتبر مقاومته أمراً خاطئاً، وتعلن دوماً استمرارها في استخدام منهج الخنوع الذي لم يجلب لها سوى الخيبة والهزيمة والاستحقار أمام الفلسطينيين والإسرائيليين حتى، فيما ندد باللقاء كل من فصائل المقاومة وأحزاب اليمين الإسرائيلي المتشددة.
خطيئة جديدة
تحت مزاعم بحث أهمية إيجاد "أفق سياسيّ يؤدي إلى حل في فلسطين، وفق قرارات الشرعية الدوليّة"، اجتمع عباس وغانتس في منزل الأخير، متناسين ما تذكرنا به دوماً وسائل الإعلام الصهيونيّة حول عدم رغبة الإسرائيليين بالسلام مع الفلسطينيين، والدليل هو الواقع الذي يفرضه العدو في العاصمة الفلسطينيّة المحتلة القدس وحصار قطاع غزة منذ 15 عاماً وجرائمه الشنيعة المتصاعدة، في مخالفة واضحة للشرعيّة الدوليّة التي يتم الحديث عنها، والدليل أنّ عصابات الاحتلال تمارس نشاطاتها الاستيطانيّة بشكل أخطر وأوسع.
وفي الوقت الذي يساهم فيه الرئيس عباس، بتطبيق "صفقة القرن" التي تهدف إلى تصفيّة القضيّة الفلسطينيّة من خلال التعاون اللامحدود مع الإسرائيليين، يعلم الجميع أنّ السلطة الفلسطينيّة سقطت سقوطاً مدويّاً من قلوب الفلسطينيين وباتت أداة رخيصة تستعمل ضد إرادة الشعب وتطلعاته، وإنّ الاجتماع الأخير الذي جمع بينهما، وحظي بتغطيةٍ واسعة النطاق، خير برهان على أنّ السلطة الفلسطينيّة لن تكون في يوم من الأيام ممثلاً شرعيّاً لمطالب الفلسطينيين الذين يعيشون الويلات على أراضيهم المسلوبة.
وتتحدث وسائل إعلام أنّ عباس وغانتس بحثا "الأوضاع الميدانية المتوترة، بسبب ممارسات المستوطنين واعتداءاتهم"، رغم أنّ حكومة رام الله لم تحصل على أيّ فائدة من العلاقات مع العدو واستمرارها بالتنسيق الأمنيّ معه، مقابل وقوفها في وجه توحيد الصف الفلسطينيّ لمنع تحدي الاحتلال الغاصب وعرقلة مقاومة التطبيع والتهويد والضم والاستيطان المتصاعد، وهو الشيء الذي شجع جنود الاحتلال والمستوطنين على العربدة والتغول في أراضي الفلسطينيين من خلال مخطّطات العدو الاستيطانيّة الرامية لإنهاء الوجود الفلسطينيّ السياسيّ والسكانيّ في الضفة الغربيّة ومدينة القدس.
أما فيما يتعلق القضايا الأمنيّة والاقتصاديّة والإنسانيّة التي جرى الحديث عنها، فإنّ المتحكم الوحيد بهذا الأمر هو العدو القاتل والسلطة الفلسطينيّة مُجرد "حجر شطرنج" على طاولة السياسية الإسرائيليّة الخبيثة، فالضفة الغربيّة لو لم تكن مرهونة بقرارات السلطة المتعاونة مع العدو العنصريّ، لما وصل الإجرام والاستخفاف الصهيونيّ بأرواح الفلسطينيين لهذا الحد، وإنّ حركة "فتح" ترتكب وفقاً لغالبية الفلسطينيين "خطيئة تاريخيّة" لا تغتفر من خلال اعتقادها بأنّ وجود علاقة مع الكيان الإرهابيّ ربما تصب في مصلحتهم، في الوقت الذي يثبت فيه التاريخ والواقع أنّ الصهاينة يتمادون أكثر فأكثر في عدوانهم الذي لا يمكن أن يوقفه إلا القوة والوحدة والمقاومة.
أيضاً، إنّ الاجتماع الذي استغرق ساعتين بحث ما قيل إنّه "حفاظ على الاستقرار الأمنيّ ومنع الإرهاب والعنف"، في وقت كان ومازال فيه العدو منبعاً للعنصريّة والدمار والإرهاب والعنف، والأجدر بحركة فتح أن تردع الكيان وتوقفه عند حده بسبب عدوانه الإجراميّ المتزايد بحق الأبرياء، وقضمه الجنونيّ لأراضي الفلسطينيين وتهجيرهم، حيث إنّ أكبر دليل على "الغباء السياسيّ" للسطلة العميلة هو نص إعلان الدولة الإسرائيليّة المزعومة، والذي يدعي أنّ أرض فلسطين هي مهد الشعب اليهوديّ، وفيها تكونت شخصيته الروحيّة والدينيّة والسياسيّة، وهناك أقام دولة للمرة الأولى، وخلق قيماً حضاريّة ذات مغزى قوميّ وإنسانيّ جامع، وأعطى للعالم كتاب الكتب الخالد، ويزعم الإعلان أنّ اليهود نُفيوا عنوة من بلادهم، ويعتبرون أنّ الفلسطينيين هم ضيوف في "إسرائيل" وأنّ الجرائم التي يرتكبونها بحقهم بمثابة استعادة لحرياتهم السياسيّة في فلسطين، فَعن أيّ استقرار يتحدثون!.
والمُضحك في الأمر أنّ وزير الحرب الإسرائيليّ أبلغ عباس أنّه "ينوي مواصلة تعزيز إجراءات بناء الثقة، والعمل على تعزيز التنسيق الأمنيّ"، حيث إن السلطة الفلسطينيّة خذلت الشعب الفلسطينيّ وأعادت غرز خنجر الحقد الصهيونيّ والخيانة العربيّة في ظهر قضيّتهم من خلال تنسيقها الكبير مع الأجهزة الأمنيّة التابعة للعدو لمنع إطلاق يد المقاومة وعرقلتها في لجم العدوان الصهيونيّ على الشعب الفلسطينيّ، ومنع توجيه البنادق باتجاه العصابات الصهيونيّة المعتدية، ثأراً لدماء شهداء فلسطين وحماية لأبناء الضفة الغربيّة المحتلة والمستهدفة، بيد أن جنود الاحتلال المجرم لا يتوقفون عن استهداف وقتل وتهجير الفلسطينيين ونهب أراضيهم، وماتزال السلطة الخانعة تحدثنا عن "سلام الجبناء" الذي لن يجلب سوى العار والموت على طريقة العدو.
ويأتي هذا اللقاء بين الجانبين، بعد نحو 4 أشهر من اجتماعهما في مدينة رام الله بالضفة الغربيّة المحتلة، لإجراء مباحثات في قضايا مهمة، بعد أن اقترح عباس على أمريكا ومصر والأردن وأطراف أخرى، أن يبدأ الجانبان الفلسطينيّ والصهيونيّ مفاوضات فورية لـ "ترسيم الحدود" التي ابتدعها الدعم العسكريّ والسياسيّ والاقتصاديّ للعدو المُستبد من الإدارات الأمريكيّة والغرب منذ نشأة الدولة اللقيطة في 14 أيار 1948 بعد انتهاء الانتداب البريطانيّ على فلسطين.
تنديد كبير
في ظل الدفاع المستميت من قبل حركة فتح عن لقاء عباس وغانتس، واعتباره أنه محاولة "جديّة" لوضع حد للممارسات التصعيديّة ضد الشعب الفلسطيني، ولفتح مسار سياسيّ يرتكز على وهم الشرعية الدوليّة، استنكرت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) اللقاء، واعتبرت أنه يعمق الانقسام الفلسطيني ويشجع أطرافا بالمنطقة على التطبيع، عقب دعوات متكررة من الفصائل الفلسطينيّة لتغليب ملف "المصالحة الفلسطينية" على كل الملفات الأخرى، وعدم الرهان على العلاقات مع الكيان الصهيونيّ والتنسيق الأمنيّ معه.
"مرفوض وشاذ عن الروح الوطنية للشعب الفلسطيني"، هكذا المتحدث باسم حماس، حازم قاسم اللقاء مع وزير الحرب الإسرائيلي، واعتبر أنّه تزامن مع هجمة المستوطنين على المدنيين في الضفة ويُشكل طعنة للانتفاضة هناك، مضيفاً أنّه "سلوك قيادة السلطة يعمق الانقسام الداخلي، ويشجع بعض الأطراف في المنطقة التي تريد أن تُطبع مع الاحتلال، ويُضعف الموقف الفلسطيني الرافض للتطبيع"، في ظل اجماع فلسطيني كبير على ضرورة رص الصف الفلسطينيّ من أجل تحدي الاحتلال الغاصب ومقاومة التطبيع والتهويد والضم والاستيطان المستمر، حيث تدرك الفصائل الفلسطينيّة حجم المخاطر التي تواجه قضيتهم اليوم، وبالأخص التطبيع الذي شكل طعنة في ظهر هذا البلد.
ولأن السلطة الفلسطينيّة، خالفت القاعدة التي تشير إلى أنّه "لا يمكن أن يواجه الفلسطينيون التحديات إلا بوحدة وشراكة حقيقية من خلال الاتفاق على إستراتيجيّة وطنيّة يعيدون فيها بناء مؤسساتهم، ويطلقون يد المقاومة ليدفع الاحتلال الصهيونيّ"، أدانت حركة الجهاد الإسلامي اللقاء مع المسؤول الإسرائيليّ البارز، مؤكّدة أنه يكرس الدور الوظيفيّ للسلطة التي تبحث عن حلول للخروج من أزماتها وعجزها وفشلها على حساب مصالح الفلسطينيين.
من ناحية أُخرى، وصفت "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين" اللقاء بأنه "إمعان بالوهم ورهان على السراب وتنكّر لدماء الشهداء وتعطيل لجهود الوحدة"، بعد تأكيدها مراراً على ضرورة إجراء انتخابات شاملة ومتزامنة تعيد بناء النظام الفلسطينيّ على أسس الشراكة، وتحذيرها من أن علاقات السلطة الفلسطينيّة مع الاحتلال تُشكل ضربة لحالة الإجماع الوطنيّ الرافضة للتسوية والمفاوضات، في الوقت الذي يحاول فيه الكيان خلق أمر واقع على الأرض لإقامة دولته المزعومة.
وفي الجانب الصهيونيّ، نددت أحزاب اليمين الإسرائيلي المتطرف بلقاء عباس غانتس، وفي مقدمتها حزب "الليكود" برئاسة رئيس الوزراء السابق بنيامين نتنياهو، ووصفته بـ "المسيء لليهود"، مع غياب أي معيار يتساوى فيه الفلسطينيّ واليهوديّ بين النهر والبحر في فلسطين المحتلة، وقالإنّ "التنازلات الخطيرة لأمن الكيان ليست سوى مسألة وقت"، وأنّ "حكومة بينيت الإسرائيلية - الفلسطينية تعيد محمود عباس والفلسطينيين إلى جدول الأعمال"، معتبراً أن حكومة العدو الحاليّة "تشكل خطراً على إسرائيل".
نتيجة لكل ذلك، تحولت العلاقات بين السلطة الفلسطينيّة والعدو الصهيونيّ المُستبد، إلى معضلة في في وجه حالة الإجماع الوطنيّ الرافضة للتسوية والمفاوضات مع عصابات الاحتلال، خاصة أن تل أبيب بكل ما أوتيت من قوّة خلق أمر واقع على الأرض لإقامة الدولة العنصريّة المزعومة على أراضي الفلسطينيين، مع تمسك شديد من قبل الفصائل الفلسطينية باستمرار وضوح منهجهم التفاوضيّ في أيّ مباحثات، ويرتكزون في ذلك بالفعل على مصلحةَ الشعب الفلسطيني وحقوقه الثابتة، لإنهاء الانقسام والاتفاق على استراتيجية وطنية ناظمة للعلاقات الفلسطينية - الفلسطينية، ولطبيعة المواجهة مع سالبي الأرض وسارقي التاريخ وقاتلي الأبرياء.