الوقت- نشرت صحيفة “فايننشال تايمز” البريطانية تقريراً جديداً لمراسلها سيمون كير أكد فيه أن قرار الإمارات الأخير المتعلق بتعديل العطلة الأسبوعية لتكون يومي السبت والأحد وفق النمط الغربي (عوضاً عن الجمعة والسبت) يستهدف السعودية بالدرجة الأولى، وحملة المملكة الأخيرة للإصلاح، التي تهدف إلى استعادة بعض النشاط التجاري الذي اجتذبته الإمارات لعقود من الزمن.
وتأتي هذه الخطوة كجزء من مساعي الإمارات لإبقاء اقتصادها أكثر جاذبية للأجانب وللغربين بالذات وقطع الطريق أمام المنافسة السعودية.
وينص القرار أنه اعتباراً من مطلع العام الجديد، سينتهي أسبوع عمل القطاع العام، الذي ستعتمده الجهات الحكومية في الإمارات وأسواق المال، اعتباراً من ظهر الجمعة.
وحسب التقرير فمع تطبيق القرار على المدارس، من المتوقع أن يتبناه القطاع الخاص. وذهبت الشارقة، أكثر الإمارات محافظة، إلى أبعد من ذلك؛ حيث حددت أسبوع عمل من 4 أيام، مع عطلة نهاية أسبوع لمدة 3 أيام تمتد من الجمعة إلى الأحد.
وحسب الكاتب فإن كان هناك ترحيب بالقرار من البعض فإن البعض الآخر، وخاصة المحافظين دينيا، أكثر مقاومة للتغيير. ونقل عن أحد الإماراتيين قوله: “في نهاية المطاف، اعتاد الناس أن يجتمعوا على الغداء يوم الجمعة، مع قضاء اليوم في العبادات ومع الأسرة”.
وجاء في التقرير أن الإصلاحات العلمانية الأخرى في الإمارات، التي تتفوق فيها أعداد الوافدين على المواطنين بنسبة تسعة إلى واحد، شملت السماح للأجانب بامتلاك أعمالهم دون شريك محلي، ومنحهم تأشيرات إقامة طويلة الأجل، وحتى فتح الباب أمام تجنيس النخبة من المغتربين. وتشمل الإصلاحات المستقبلية المطروحة إنشاء محاكم باللغة الإنجليزية وإلغاء تجريم الشذوذ الجنسي.
ويؤكد التقرير أن وتيرة التغيير تسارعت بشكل كبير في الإمارات مدفوعة بحملة الإصلاح الأخيرة في السعودية، التي تهدف إلى استعادة بعض النشاط التجاري الذي اجتذبته الإمارات لعقود من الزمن.
إذ فرضت السعودية رسوماً جمركية جديدة على البضائع التي تدخل المملكة من جيرانها الخليجيين؛ ما يقوض نماذج الأعمال للعديد من الشركات الإماراتية التي تعمل في التصنيع الموجه للتصدير. كما حذرت الحكومة السعودية الشركات متعددة الجنسيات، التي تميل إلى جعل مقراتها الإقليمية في دبي، من أنها قد تخسر العقود الحكومية المربحة إذا لم تنقل مقارها إلى الرياض.
وعن هذا الموضوع قال الأستاذ المشارك في السياسة المقارنة بكلية لندن للاقتصاد ستيفن هيرتوغ: “ (قرار تعديل العطلة الأسبوعية في الإمارات) محاولة للبقاء في الصدارة في المنافسة مع المملكة على مركز الأعمال بالمنطقة”. واعتبر القرار ذكياً؛ لأنه “سيكون من الصعب على السعودية أن تتبعه بأن تجعل يوم الجمعة، اليوم المقدس لدى المسلمين، نصف يوم عمل”.
لكن هيرتوغ قال إن أسبوع العمل الأقصر بالنسبة للقطاع العام، الذي يتمتع بالفعل برواتب أعلى وامتيازات أفضل، قد يكون مثبطاً آخر للمواطنين - الذين يفضلون الوظائف الحكومية - للانتقال إلى القطاع الخاص، وهو أمر تريد الإمارات تشجيعه في سعيها لتنويع اقتصادها بعيدا عن النفط. وأضاف: “لذلك يبدو أن أجندة المنافسة الاستثمارية تغلبت على أجندة التأميم” في الإمارات.
محاولات تنويع الاقتصاد والتنافس
تحاول كل من السعودية والإمارات تنفيذ خطط اقتصادية بهدف تنويع مصادر الاقتصاد وتقليل الاعتماد على قطاع النفط، الحليفان اللذان يشتركان في السياسة الخارجية بكل صغيرة وكبيرة هما اليوم على مفترق طرق والسبب يعود إلى المصالح الاقتصادية والتي بدأت تظهر بوادرها من خلال تصريحات وسياسات الجانبين السعودي والإماراتي.
يسعى كل من الإماراتيين والسعوديين حالياً إلى تنويع مصادر الاقتصاد، والاستفادة من قطاعات اقتصادية أخرى مثل: السياحة، الخدمات المالية، الخدمات اللوجستية، البتروكيماويات، التكنولوجيا.
ولكن الطرفين يفتقدان المواهب المطلوبة للعمل بهذه القطاعات، لذلك بدأت المنافسة مع بعضهما البعض لجذب خبرات المغتربين، وكذلك الاستثمار الاجنبي المتخصص بهذه المجالات.
حرب اقتصادية بين الطرفين
بدأت بوادر حرب اقتصادية باردة بين الطرفين السعودي والإماراتي من خلال اتخاذ خطوات وسياسات اقتصادية متعددة حيث ستطلب السعودية بدءاً من عام 2024 من الشركات الأجنبية التي تود التعاقد مع الحكومة السعودية ومؤسساتها، أن تنشئ مقراً إقليميا لها في السعودية. و هذا يعتبر إشارة للشركات المستقرة في الإمارات بضرورة الوجود في السعودية وإلا سيخسرون فرصاً تقدر بتريليونات الدولارات في أكبر أسواق الخليج الفارسي.
كذلك بدأت السعودية بتقديم إغراءات كبيرة للشركات بهدف جذبها للسوق السعودي، مثل التخفيف من القيود على أسلوب حياة الناس، كالسماح بقيادة النساء للسيارات، والسماح بفتح السينما ودور عرض، وبناء مدن حديثة مثل نيوم.
كذلك قامت الرياض بتقديم حوافز كبيرة للشركات متعددة الجنسيات من إعفاءات ضريبية إلى مبادرة استثمر في السعوية المسؤول عن الترويج والاستثمار بالمملكة وتقديم رواتب تنافسية معفاة من الضرائب للراغبين في الانتقال إلى السعودية و بناء على ذلك قامت العديد من الشركات الأمريكية بإرسال مستشارها إلى السعودية بشكل دوري ولكن رغم كل هذه التسهيلات لم تتمكن السعودية من الهيمنة على اقتصاد الشرق الأوسط و إزاحة بقية المنافسين من طريقها و إغراء المستثمرين للخروج من دبي حتى الآن.
ومن جهتها بدأت الإمارات باتخاذ خطوات أخرى للرد على السياسات الاقتصادية السعودية حيث قررت منح المغتربين حصة أكبر في اقتصادها، من خلال تعديل القوانين الخاصة بملكية الشركات المسجلة في الإمارات. كما أقرت بعض التعديلات على قانون الجنسية والذي سيسمح لبعض الوافدين بالحصول على الجنسية الإماراتية، وهي خطوة مصممة لاستقطاب المواهب إلى الإمارات.
ضربة للسعودية
وتأتي الخطوة الأخيرة بتعديل عطلة نهاية أسبوع بمثابة ضربة للملكة العربية السعودية وتحدي لها لأن الوضع في السعودية يختلف خاصة لأنها أرض الحرمين ورمز من رموز الدول الإسلامية ويمثل هذا الأمر تحدياً كبيراً لها من قبل الإمارات العربية المتحدة
لكن يبدو أنه لن يكون من السهل تحدي هيمنة دبي في دولة الإمارات المجاورة باعتبارها العاصمة التجارية والمالية للمنطقة. ومع امتلاكها القليل من الثروة النفطية التي لدى جيرانها، بنت دبي اقتصادها على ما تتمتع به من مؤهلات كساحة مفتوحة أمام الأعمال والوعد بنمط حياة براق للمغتربين الأثرياء. لكن الإمارات تأخذ على محمل الجد التهديد القادم من السعودية، أكبر اقتصاد عربي وأكبر مصدر للنفط في العالم. ويبدو أن الاقتصاد سيفرق ما جمعته السياسة فصحيح أن الدولتين تجتمعان على كثير من القضايا السياسية في المنطقة والعالم إلا أن الاقتصاد سيفرقهما والدليل على ذلك القرارات المتخبطة من كلا الطرفين وردود الأفعال السريعة لتفادي ضربات قاضية قد تسبب أذى لاقتصاد أي من الدولتين.