الوقت- ضجّت المواقع الإخباريّة بالأنباء التي تتحدث عن وجود ”اتفاق مبدئيّ” بين مصر والعدو الصهيونيّ على إمكانية إجراءات تعديلات على اتفاقية “كامب ديفيد” أو ما يُطلق عليها "اتفاقيّة السلام"، التي وقعها الرئيس المصريّ الراحل، محمد أنور السادات، مع ورئيس الوزراء الصهيونيّ، مناحيم بيغن، في 17 سبتمبر/ أيلول عام 1978 برعاية أميركية وذلك بعد 12 يوماً من المفاوضات السريّة في منتجع كامب ديفيد بالولايات المتحدة إبان حكم الرئيس جيمي كارتر، وبسبب الاتفاق تلقى السادات وبيغن ما تُسمى "جائزة نوبل للسلام" لعام 1978 بالتقاسم.
تحت مبرر "التماشي مع الظروف السياسيّة والأمنية الراهنة"، تستضيف القاهرة وتل أبيب منذ أسابيع وفوداً أمنيّة وسياسيّة من الجانبين لفتح ملف “كامب ديفيد” من جديد وإعادة المناقشة ببعض بنود الاتفاقية، وإدخال بعض التعديلات عليها، وهي الاتفاقيّة التي رفضها العرب تحت عناوين السلام، كما رفضها المصريون والكثير من مثقفيهم، وتسببت في استقالة دبلوماسيين وعسكريين مصريين أبرزهم وزير الخارجية محمد إبراهيم كامل ورئيس الأركان السابق سعد الدين الشاذلي، الذي كان يشغل منصب سفير مصر في البرتغال وقت الاتفاقية.
وتتحدث المعلومان أنّ إدخال تعديلات جديدة على “اتفاقية الاستسلام” الموقعة بين المصريين والصهاينة، ستركز في معظمها على الأمن والسيطرة على مناطق إضافية وتعزيز التواجد فيها، وسيكون لمنطقة الحدود مع قطاع غزة المحاصر، وسيناء نصيب الأسد من هذه التعديلات، في ظل مساع من قبل القاهرة وتل أبيب لتشديد ومضاعفة انتشار القوات الأمنيّة في منطقة رفح المصريّة على وجه الخصوص، ومحاولة إزالة أيّ عقبات تعترض هذه التوافق من خلال المشاورات الثنائيّة والتي تتم جميعها تحت إشراف من واشنطن.
ورغم أنّ التاريخ علمنا ألا نثق في كل ما يقال وأن نضع حساباً لما يجري في الخفاء، تزعم الوسائل الإعلاميّة التي نقلت تلم الأخبار أن “التعديلات الأمنية” التي سيتم إضافتها على بنود اتفاقية كامب ديفيد، تصر عليها الحكومة المصريّة كثيرًا خاصة مع ربطها بالأوضاع الميدانية الهادئة نسبيًا في غزة، وإمكانية التوصل لاتفاق وقف إطلاق النار طويل الأمد قد يستمر لأكثر من عقد.
وفي الوقت الذي يرفض فيه الشعب المصريّ أيّ اجتماع أو لقاء أو حتى تعاون بين مسؤوليه ومسؤولي الكيان، وذلك منذ اليوم الأول لتوقيع اتفاقية العار "كامب ديفيد"، والدليل هو رد الفعل الشعبيّ والنقابيّ والبرلمانيّ الغاضب في مصر تجاه أدنى ارتباط رسميّ أو غير رسميّ بكيان الاحتلال الباغي، تشير تقارير إخباريّة أنّ النتائج النهائية لتلك الاجتماعات حول إدخال تعديلات على الاتفاقية ستعلن خلال الفترة القليلة القادمة، وسيكون هناك مؤتمر صحفي مشترك بين المصريين والصهاينة وخطوات تنفيذ رسميّة على أرض الواقع، ومستقبل "سيناء" قد يشهد نقله نوعيه جديدة.
وفي ظل الآراء والأفكار الشعبيّة المعارضة والمناهضة لإقامة أيّ علاقات مع العدو الغاصب للأرض العربيّة، يبدو أنّ توقيت هذه الخطوة يرتبط بشكل وثيق مع دخول عدة دول عربيّة إلى حظيرة التطبيع الأمريكيّة مع كيان الاحتلال (الإمارات، البحرين، السودان، المغرب)، ما يثير تخوفات مستقبليّة حول دور القاهرة القادم في الملف الفلسطينيّ، حيث إنّ السادات وقف يلقي خطابه التاريخيّ في الكنيست التابع للعدو يوم 20 نوفمبر/تشرين الثاني 1977، مفاجئاً المصريين أنفسهم والعرب والعالم أجمع، عقب 4 سنوات فقط من الانتصار الذي حققته مصر على العدو في حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973.
بمعنى آخر، لا يمكن التكهن بتفاصيل الاتفاق الذي يمكن أن يجري بين مصر والعدو سواء بالإجبار أو الاقناع أو ربما عدم العلم، فلكنا نعلم أنّ يوم توقيع اتفاق التطبيع بين العدو الصهيونيّ و كل من الإمارات و البحرين لم يكن عاديّاً، فبعد فشل الأخيرتين في تبرير تحالفها مع "إسرائيل" بذرائع واهية، فُضحت المحاولات المتكررة لأعضاء الوفد البحرينيّ داخل الفندق، لكي يعرفوا ما هي النسخة الفعليّة التي سيوقعها وزير خارجيّتهم في البيت الأبيض، ما يدل بشكل جليّ على طريقة التعامل الرخيصة مع العملاء والخانعين، وإنّ أسلوب التعامل الأمريكيّ مع من يرضخ لإملاءات واشنطن ويخنع لضغوطاتها واحد.
وما ينبغي ذكره أنّ السنوات الأخيرة شهدت مطالبات من قبل أمنيين وسياسيين مصريين، بضرورة تعديل بعض بنود كامب ديفيد، بما يسمح بمزيد من الانتشار العسكريّ للقوات المصريّة في المناطق المحاذية للحدود، والتي كانت تشهد “عمليات إرهابية” وانتشاراً لجماعات “متطرفة”، إذ تحدد المعاهدة القوات المصريّة الصهيونيّة المتمركزة على الحدود، لكنها تنص على إمكانية زيادة عددها وفق اتفاق بين البلدين.
أيضاً، تقسّم معاهدة كامب ديفيد شبه جزيرة سيناء المصريّة إلى ثلاث مناطق “أ، ب، ج” وتحظر على الجانب المصري إدخال الطائرات والأسلحة الثقيلة إلى المنطقة “ج” المجاورة للحدود مع الأراضي الفلسطينيّة المحتلة من العصابات الصهيونيّة، وتنص على ألّا يزيد عدد الجنود المصريين المنتشرين على 750 جندياً، إلا أن أحد بنود الاتفاقية يسمح بأن تقام ترتيبات أمن متفق عليها بناء على طلب أحد الطرفين وباتفاقهما، بما في ذلك مناطق محدودة التسليح في الأراضي المصرية أو الفلسطينيّة المحتلة وقوات أمم متحدة ومراقبون من الأمم المتحدة، وسبق أن وافق العدو الصهيونيّ منذ أعوام على زيادة عدد القوات المصريّة في سيناء في إطار الحملة العسكريّة للقاهرة ضد التنظيمات الإرهابية.
في الختام، يسعى الكيان الصهيونيّ المجرم للمحافظة على ما تسمى "اتفاقيات السلام" مع مصر وتنمية المنافع منها، في الوقت الذي تخشى فيه تل أبيب من تراجع أهميتها بالنسبة للقاهرة في ظل التهدئة في غزة وتراجع التهديد الأمنيّ في سيناء، وتنامي العلاقات الخليجية - الصهيونيّة بشكل كبير على حساب العلاقات مع المصريين، ليبقى السؤال الأبرز دون إجابة، ماذا سيكون الرد الشعبيّ المصريّ على تلك الاتفاقيات في ظل الرفض الشعبيّ العارم لموجة التطبيع العربيّة؟، وما هو الثمن الذي سيدفعه الفلسطينيون هذه المرة مقابل كل خيانة جديدة لبعض العرب؟