الوقت - قلة كانوا يظنون أن إصدار ملف صوتي من الماضي لموقف وزير إعلام ميقاتي من الحرب اليمنية وثنائه على مقاومة الشعب اليمني كان سيتحول إلى أزمة عميقة وبعيدة المدى في علاقات بيروت مع الرياض. لم يكتفِ السعوديون بالإعلان عن قطع كامل للعلاقات السياسية والاقتصادية وفرض حظر على السفر بين البلدين، بل حثوا أيضًا دولًا أخرى مثل البحرين والإمارات والكويت على اتخاذ إجراءات عقابية ضد بيروت. والسؤال الآن ما هي نتائج متابعة مسار التطورات وتحليل الأحداث انطلاقا من القرار الذي رسمه القادة السعوديون باتباع نهج القوة تجاه بيروت؟
كيف صنعت السعودية من "ناقد" بطلاً عالمياً؟
في السنوات الأخيرة، اتبعت المملكة العربية السعودية، بقيادة شاب وعديم الخبرة ولكن متعطش للسلطة، سياسة خارجية جامحة، والتي أدت بالطبع إلى مشاكل مختلفة للحكومة السعودية، مثل اغتيال جمال خاشقجي في القنصلية السعودية على غرار عصابات المافيا وأفلام هوليوود، والدي أطاحت بماء وجه بن سلمان كمصلح. كانت الحرب في اليمن مثالاً آخر، وبالطبع تحاول الرياض جاهدة عدم السماح بانتشار الأصوات الناقدة في العالم العربي ضد الجرائم المرتكبة في هذه الحرب غير المثمرة.
ومع ذلك، كما في حالة اغتيال خاشقجي، الذي كلف أكثر بكثير من إسكات صوت الصحفي الناقد للرياض وبن سلمان نفسه باعتباره المطالب الرئيسي بخلافة الأب، فإن تصرفات المملكة العربية السعودية المضطربة ضد جورج قرداحي آخذة في الازدياد، التفاعل في وسائل الإعلام الدولية والرأي العام في العالم العربي أدى إلى زيادة الاهتمام بالخطاب المنطقي والموقف الشجاع للوزير اللبناني. لم يخف السعوديون منتقدي الحرب اليمنية بتنمرهم، فمن خلال مراقبة رد فعل الرأي العام على وسائل التواصل الاجتماعي فقد ساعدت الرياض في سماع موقف وزير الإعلام اللبناني أكثر. وأصبح بطل الوطن العربي الذي لم يسكت في وجه القمع السعودي لليمنيين.
مقامرة الرياض لإسقاط ميقاتي
لا يمكن إنكار حقيقة أن المملكة العربية السعودية تمارس نفوذها وضغطها على السياسيين اللبنانيين منذ سنوات لإضعاف المقاومة في الساحة السياسية اللبنانية، ولا سيما لإخراج حزب الله من عملية تشكيل الحكومة، غير راضين عن التطورات الحالية في لبنان. إن الشرعية الشعبية العليا لحزب الله، والتي ترجع إلى تعزيز الكبرياء الوطني اللبناني نتيجة الدفاع عن وحدة أراضي البلاد ومصالحها ضد العدو الصهيوني، كانت بمثابة إشارة تحذير لأعداء المقاومة.
على الرغم من أن الوضع الاقتصادي الحرج في لبنان هذه الأيام هو نتيجة عقود من سوء السلوك من قبل القيادة السياسية للفصيل القريب من الغرب والمملكة العربية السعودية، فإن الجبهتين الغربية والعربية والصهيونية تسعى من خلال الابتزاز السياسي إلى عزو الوضع الحالي إلى وجود المقاومة في الحكومة. العقوبات الغربية على المسؤولين اللبنانيين والبنوك المرتبطة بحزب الله أو الجدل حول تفجير ميناء بيروت تستخدم لهذا الغرض بالذات ولتصعيد الأزمة. الآن، وسط جهود تخريبية خارجية ضخمة لإدامة الأزمة السياسية وما تبعها من تصعيد للأزمة الاقتصادية، أدى تعاون الأحزاب السياسية المتمحورة حول المقاومة إلى إنهاء حالة الجمود السياسي وتشكيل مجلس الوزراء؛ تتطلع الجهات الخارجية للإطاحة بحكومة ميقاتي الجديدة.
حتى الآن، استندت حكومة ميقاتي إلى تخفيف التوترات من خلال إقناع المملكة العربية السعودية ودول أخرى تفرض عليها عقوبات باتخاذ موقف مختلف. من ناحية أخرى، لا يريد ميقاتي تكرار تجربة استقالة سعد الحريري على الأراضي السعودية، وإنهاء الإرث السياسي لفتراته الثلاث كرئيس للوزراء بوصمة الاستسلام للضغوط الخارجية، كما يرى الرأي العام اللبناني هذا العمل على أنه يسيء إلى كرامتهم الوطنية. ومع ذلك، يمكن القول إن محمد بن سلمان لجأ مرة أخرى إلى المقامرة السياسية، والتي قد تؤدي هذه المرة إلى عواقب أكثر خطورة بكثير من الهزيمة في حالة حصار قطر. ولا ينبغي أن ننسى أن عدم التعاون بين الدوحة ومسقط في مجلس التعاون ودول أخرى مثل الأردن ومصر (التي كانت ظاهريًا جزءًا من التحالف الذي تقوده السعودية في الحرب اليمنية) مع التحرك السعودي هو أحد نتائج الفشل في حصار قطر.
حقيقة أن حتى إجبار الحكومة اللبنانية على طرد وزير الإعلام من مجلس الوزراء لن يجلب للرياض شرفًا واحترامًا، لكن الجدل الحالي أدى إلى تصاعد الفضيحة السعودية في حرب اليمن.