الوقت- في ظل تسارع المخططات الاستيطانيّة للكيان الصهيونيّ في الضفة الغربيّة المحتلة والقدس بشكل كارثيّ خلال السنوات الأخيرة، من أجل محاولة وسم هوية مدينة القدس كعاصمة يهوديّة لكيان الاحتلال الغاشم وقتل أيّ مساعٍ فلسطينيّة أو دوليّة لإقامة دولة فلسطينيّة في الأراضي المحتلة عام 1967 من جهة أخرى، اعتبر مسؤولون صهاينة أن إدارة الرئيس الأميركيّ، جو بايدن، وحكومة العدو الغاشم برئاسة نفتالي بينيت، يسعيان إلى التوصل إلى تفاهمات من خلال "قنوات اتصال هادئة" حول البناء في المستوطنات، مشيرين إلى أنّ هذه القضية يمكن أن تشكل توتراً بين الجانبين، حيث تحاول إدارة بايدن إجراء توازن بين قضية الاستيطان واستقرار الحكومة الإسرائيليّة، وفقاً لمواقع عبريّة.
بالتزامن مع محاولات الكيان العنصريّ حسم المعركة في الساحة الرئيسة للمواجهة مع الكلّ الفلسطينيّ والعربيّ والإسلاميّ والمسيحيّ في الأمة، شكلت قضية البناء في المستوطنات إحدى القضايا التي تناولها لقاء بايدن وبينيت في البيت الأبيض قبل أشهر، وبعد عودته من واشنطن قال رئيس وزراء العدو لقادة المستوطنين، إنّه رفض طلب بايدن بخصوص البناء في المستوطنات، وشدّد على أنّ كيانه سيستمر في البناء الاستيطانيّ بزعم تلبية احتياجات "النمو السكانيّ"، ما يؤكّد أنّ العدو الصهيونيّ لا يمكن بأيّ حال من الأحوال أن يتوقف عن إجرامه وقضمه لأراضي الفلسطينيين وتهجيرهم.
وبناء على الموقف الذي عبر عنه رئيس حكومة العدو، أجرى نائب السفير الأميركيّ لدى تل أبيب، مايكل ريتني، اتصالات مع مسؤولين صهاينة في مكتب رئيس الحكومة، الأسبوع المنصرم، وأبلغهم بأن الإدارة الأمريكيّة "ترغب برؤية لجم أو تقليص مشاريع البناء الاستيطانيّة"، وعبّر عن قلق واشنطن من أعمال بناء استيطانيّ مستقبلية في المنطقة "E1" بين القدس المحتلة ومستوطنة "معاليه أدوميم"، لأنها تعني قطع التواصل الجغرافيّ بين شمال الضفة الغربيّة وجنوبها، وتمنع بشكل كامل قيام دولة فلسطينيّة ذات تواصل جغرافيّ.
ومع استمرار النهب والسلب الصهيونيّ لأراضي الفلسطينيين، أعرب الرئيس الأمريكيّ في مناسبات عدة ومن ضمنها خلال لقائه مع بينيت، عن تأييده لحل الدولتين، فيما يكرر بينيت معارضته المُطلقة لقيام دولة فلسطينيّة، أو حتى عملية سياسيّة مع الفلسطينيين، لدرجة أنّه امتنع قبل أسبوعين عن أيّ ذكر للقضية الفلسطينيّة والفلسطينيين خلال خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، ناهيك عن أنّه تولى سابقاً منصب ما يُسمى "رئيس مجلس المستوطنات".
ومن الجدير بالذكر أنّ وزير الحرب الصهيونيّ، بيني غانتس، صادق على خطط بناء 2000 وحدة سكنية في المستوطنات، و800 وحدة سكنيّة في قرى فلسطينية في مناطق C، وبالتحديد قبل لقاء بايدن وبينيت الذي سعى لأن تصادق لجنة التخطيط العليا في "الإدارة المدنيّة" التابعة لقوات العدو على مخططات البناء الاستيطانيّ خصوصاً، لكن بسبب تشويشات في العمل ينفذها موظفو "الإدارة المدنيّة" لم يتم ذلك، ولم تتم المصادقة على هذه المخططات حتى اليوم، فيما نقل "واللا" العبريّ عن مسؤول صهيونيّ قوله إنّه "توجد حساسية كبيرة الآن مقابل الأميركيين بكل ما يتعلق بالمستوطنات، وهذا سبب التأخير في دفع أعمال البناء الجديدة".
وفي الوقت الذي يثبت فيه العدو الصهيونيّ الباغي، أنّه لن يكون في أيّ وقت مستعداً للقبول بدولة فلسطينية على حدود كيانه السياسيّة وتحويلها إلى تهديد بالنسبة له، مع تجاهله لكافة القوانين الدوليّة والإنسانيّة بكل وقاحة وإجرام في الهيمنة على الضفة الغربيّة بأكملها من خلال شراء الوقت وإرهاق الفلسطينيين وتنفيذ سياسات التهجير القسري والتوسع التدريجيّ، زعم المتحدث باسم السفارة الأميركية في تل أبيب، أنّ إدارة بايدن تؤمن بأن على كلا الجانبين الامتناع عن خطوات أحادية الجانب ومن شأنها تصعيد التوتر والسعي من خلال جهود من أجل دفع حل الدولتين، وهذا يشمل البناء في المستوطنات، لكن مسؤولين في مكتب بينيت رفضوا التطرق إلى هذا الموضوع بشكل كامل، والأسباب معروفة وواضحة.
وتتحدث مواقع عبريّة أنّ إدارة بايدن تحاول إجراء توازن بين موقفها ضد البناء في المستوطنات والحفاظ على احتمال لحل الدولتين في المستقبل، وبين امتناع بايدن عن الدخول إلى مواجهة مع الكيان الصهيونيّ حول موضوع الاستيطان، كي لا تنعكس مواجهة كهذه على العلاقات الأميركية – الصهيونيّة، مثلما حدث خلال ولاية الرئيس الأميركيّ الأسبق، باراك أوباما، حيث إنّ مواجهة كهذه حول الاستيطان، من شأنها أن تستدعي تهجمات ضد بينيت من جانب اليمين الصهيونيّ المتطرف، قد تستهدف حكومته، وهو أمر تحاول الإدارة الأميركية منعه، كي لا يعود رئيس الوزراء الصهيونيّ السابق، بنيامين نتنياهو، إلى الحكم من جديد.
بناء على ما ذُكر، اعتبرت كتلة الصهيونيّة الدينية في بيان، أن ضعف رئيس الوزراء والحكومة اليساريّة التي شكلها تستدعي ضغوطا دوليّة، متحدثة عن وجود تجميد للبناء في "يهودا وسامرة" أيّ الضفة الغربيّة المحتلة من العصابات الصهيونيّ بشكل رسميّ، وأنّ "إسرائيل" تدفع منذ اليوم أثمانا باهظة بسبب الأداء الفاشل لحكومة بينيت، ورئيس القائمة الموحدة، منصور عباس.
وفي هذا الخصوص، قال عضو الكنيست الصهيونيّ عن حزب "الليكود"، شلومو كرعي، ، إن من يوافق على التعهد أمام واشنطن بالتزام الصمت حيال الاتفاق النوويّ الخطير، ويوافق على إرسال وزراء حكومته إلى الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، سينصت بشكل أكبر إلى أيّ مطلب من أجل لجم البناء أي الاستيطان، غير الموجود تقريباً في هذه الحكومة المعادية للصهيونيّة بحسب وصفه، معتبراً أنّ بينيت في جميع الأحوال، لا يحتاج إلى بايدن كي لا يبني، ففي حكومته يوجد حزب "ميرتس" الذي سيجعله يهدم، وهو حزبٌ يساريّ ّ يهودي- عربيّ.
إضافة إلى تصريحات كرعي، أشار رئيس مجلس المستوطنات، دافيد إلحياني، أنه من الأفضل ألا تتدخل الولايات المتحدة في ما أسماها "شؤون الكيان الداخليّة"، قائلاً: "يعلم الرئيس بايدن أن المس بالبناء في المستوطنات في الضفة الغربيّة وغور الأردن يعني سقوط الحكومة الإسرائيليّة الحاليّة ولن نتحمل تدخلا أميركيا فظا كهذا، ونتوقع من رئيس الحكومة نفتالي بينيت أن يرفض هذا المطلب".
يُشار إلى العديد من الدول العربيّة أُدخلت في حظيرة التطبيع الأمريكيّة مع العدو الصهيونيّ المجرم، مبررة ذلك بوقف مشاريع ضم الأراضي الفلسطينيّة، رغم أنّ أفعال العدو الصهيونيّ فندت كل ادعاءات الخيانة الكاذبة، لكن عقب التطبيع تصاعد قضم الاحتلال الصهيونيّ للأراضي المحتلة، ما يعرقل ما يُسمى "إقامة دولة فلسطينيّة مستقلة" على أساس حل الدولتين، على الرغم مما يطلق عليه "اتفاق السلام" مع العدو.
خلاصة القول، أكّدت الإدارات الأمريكيّة المتعاقبة مراراً المثل الشعبيّ العربيّ الذي يقول: "من يجرَّب المجرَّب، فعقله مخرَّب"، وإنّ الخطاب الأمريكيّ مهما حمل كلاماً معسولاً لا يمكن أن يحمل بشائر الخير بالنسبة للعرب بشكل عام والفلسطينيين على وجه الخصوص، كما أنّه لا يمكن الاعتماد على السياسة الأمريكيّة المعهودة المتعلقة بدعم الاستيطان وتسليح الكيان الصهيونيّ المجرم والدفاع عن مصالحه في المنطقة، لذلك لا يمكن التعويل أبداً على هراء الإدارة الأمريكيّة لأن الواقع السياسيّ يقول إنّ واشنطن لا يمكن أن تتخلى عن دعم الصهاينة المحتلين بشكل لا متناهٍ، على حساب الحقوق الوطنيّة للشعب الفلسطينيّ، رغم علمها اليقينيّ أنّ الاحتلال قائم على الإرهاب المنظم، في ظل دعم الإدارة الامريكية المتعاقبة الاحتلال والكراهية الراسخة والدائمة في المنطقة بما يخدم مصالحها، ويفصل شرق الوطن العربيّ عن مغربه.