الوقت_ في ظل تزايد التنبؤات باقتراب معركة محافظة إدلب شمال سوريّا والتي تُعد آخر معقل رئيس لفصائل المعارضة السوريّة والتنظيمات المتشددة والمتطرفة، تتصاعد بالفعل احتمالات إجراء عمل عسكريّ مباغت لاستعادة المنطقة من الفصائل المسلحة والإرهابيّة، ولا يخفى على أحد أنّ الشراكة العسكريّة بين سوريا وروسيا سيكون لها دور مهم في معركة استعادة المدينة نتيجة لظروف تفرضها المعطيات السياسيّة، وخاصة أنّ مجلس الأمن القوميّ التابع لتركيا التي تحتل أجزاء من الأراضي الشماليّة لسوريا، أبدى استعداد أنقرة لسحب القوات العسكريّة من سوريا بشكل كامل، إذا قامت موسكو بحماية الحدود الجنوبيّة لتركيا، أي الحدود المشتركة مع سوريا، وذلك عقب اجتماع عقد بحضور الرئيس التركيّ، رجب طيب أردوغان في العاصمة التركيّة.
بالتأكيد، ساهمت الانتصارات الكبيرة التي حققها الجيش العربيّ السوريّ والقوات الرديفة والداعمة من محور المقاومة في الميدان العسكريّ بعد دحر المجموعات الإرهابيّة المسلحة في أغلب المناطق السورية وسيطرته على معظم مساحة البلاد، بوصول دمشق إلى هذه المرحلة السياسيّة والعسكريّة المهمة التي ستكون "فاتحة خير" لتحرير كامل الأراضي السوريّة وهذا الهدف الأوحد بالنسبة للرئيس السوريّ بشار الأسد، الذي حقق انتصاراً كبيراً في الانتخابات الرئاسيّة السوريّة لعام 2021 بنسبة كبيرة عكست نتائجها جماهيريّته داخل البلاد وخارجها.
وفي الوقت الذي تتحدث فيه تقارير إخباريّة، أنّ أكثر من 10 آلاف مقاتل يعملون في صفوف الجماعات الإرهابيّة في محافظة إدلب التي تسيطر ما تُسمى "هيئة تحرير الشام" على أجزاء كبيرة منها، وقد انشقت بشكل رسميّ عن تنظيم القاعدة الإرهابيّ، إلا أنها لا تزال تعتبر في كثير من الدول بمثابة الفرع السوريّ للتنظيم، فيما يضم ما يعرف بـ "الحزب الإسلاميّ التركستانيّ" في صفوفه بسورية ما يزيد على 1500 مقاتل، مقابل نحو 1000 مقاتل لتنظيم "حراس الدين"، مع غياب أيّ معلومات أو بيانات دقيقة عن أعداد مقاتلي تنظيم "داعش" الإرهابيّ والتي تُقّدر بالمئات، وتضم إدلب أيضاً ميليشيات تدعي انفصالها عن تنظيم القاعدة، تعدادها 55 ألف مقاتل تقريباً، والجماعة الأقوى بينهم هي "الجبهة الوطنية للتحرير"، بما يصل إلى 50 ألف شخص، وهي عبارة عن تحالف "جماعات إسلاميّة معتدلة" وفق زعمهم.
"معركة وشيكة ومحسومة" هكذا يمكننا وصف معركة إدلب التي ستقلب مجريات الأمور في سوريا على جميع المستويات، وإن إبداء استعداد مجلس الأمن القومي التركي لسحب قوات الاحتلال التركيّة من سوريا بشكل كامل في حال قيام روسيا بحماية الحدود الجنوبيّة لتركيا، دليل واضح على أنّ المعركة محسومة أصلاً، وأنّ احتماليّة حدوث عمل عسكريّ في معقل المعارضة الأخير لاستعادتها من الفصائل الإرهابيّة والمسلحة بات أمراً قطعياً بالاستناد إلى المعطيات الحاليّة.
وبما أنّ محافظة إدلب السوريّة والواقعة على الحدود مع تركيا وغيرها من المناطق الخاضعة للسيطرة التركيّة والمتعاونين معها شمال وغرب سوريا، ساحة مفتوحة أمام مختلف التنظيمات الإرهابيّة وعلى رأسها تنظيم القاعدة المتطرف، فهي تشكل خطراً حقيقيّاً ليس فقط على سوريا وأمنها القوميّ، بل أيضاً على الدول المجاورة بشكل كامل، مع احتماليّة أن تقوم حركة "طالبان" المتشدّدة والمحظورة دوليّاً بإرسال الإرهابيين الأكثر خطورة إلى مدينة إدلب، لأن هذه المحافظة تعتبر بيئة حاضنة للتنظيمات الإرهابيّة.
ومن الجدير بالذكر أنّ سوريا حققت بالتعاون مع حلفائها سواء في محور المقاومة أو روسيا انتصارات عسكريّة مهمة وباعتراف الجميع، على سبيل المثال تحرير مدينة "تدمر" التاريخيّة والأثريّة، بعد أن عاث فيها ما يسمى "تنظيم داعش الإرهابيّ" فساداً وقتلاً وتهجيراً، كما أنّ الطريق الدوليّ "إم5" والذي يربط بين العاصمة السياسيّة دمشق والعاصمة الاقتصاديّة حلب أي بين الجنوب والشمال، أصبح تحت سيطرة الدولة السوريّة بعد الاشتباكات أواخر عام 2019 وبدايات عام 2020، فيما لا يزال الطريق الدوليّ "إم4" الرابط بين حلب واللاذقية الساحليّة يخضع لمنطقة المعارضة حيث توجد القوات التركيةّ بحشود عسكرية كبيرة.
في الختام، إن معركة إدلب هي بوابة خروج سوريا من أزمتها التي استمرت لأكثر من عقد، كما أنّها عنوان عريض لمعارك جديدة في الشرق السوريّ الذي تسيطر عليه بعض الجماعات الكرديّة الانفصاليّة وقوات الاحتلال الأميركيّ على الحدود بين سوريا والعراق والأردن، ومن غير المستبعد رغم صعوبة ذلك حدوث اتفاقات ولقاءات سريّة أو غير مباشرة بين سوريا وتركيا لضبط الأمور بينهما من جديد في ظل المعطيات السياسيّة الجديدة، بعد أن ساهمت تركيا بشكل مباشر في افتعال وتدويل الأزمة لتدمير سوريا ومؤسساتها وتحقيق مصالحها التوسعيّة في المنطقة.