الوقت- بعد 13 شهرًا من التوتر السياسي وسنتين مضطربتين للبنانيين، صوت مجلس النواب اللبناني أخيرًا الأسبوع الماضي على منح الثقة لحكومة نجيب ميقاتي، السياسي اللبناني البارز وأحد أغنى رجال الأعمال اللبنانيين الذي تولى رئاسة الوزراء مرتين، وأصبح لبنان صاحب حكومة بعد فترة طويلة.
على الرغم من أن النجاح في حل الخلافات السياسية واسعة النطاق بين المجموعات السياسية لتشكيل الحكومة يعد أنباء مهمة وواعدة للبنانيين، إلا أن واقع السوق الاقتصادية المضطربة، إلى جانب الاضطرابات الأخرى، تظهر أن الحكومة الجديدة تعمل من أجل حل الموقف، والذي لن تكون مدت 6 أشهر المحددة لانجاز ذلك سهلة على الإطلاق. يمكن وصف أهم التحديات والصعوبات التي تواجه حكومة ميقاتي على النحو التالي.
أزمة اقتصادية ضخمة، توقعات واسعة، وجيوب حكومية فارغة
القضية الأكبر والأكثر أولوية، أو بالتحديد التحدي الذي يجب على حكومة ميقاتي الاستعداد لمواجهته، هي الأزمة الاقتصادية لإخراج لبنان مما يسميه البنك الدولي إحدى أسوأ الأزمات الاقتصادية على هذا الكوكب منذ خمسينيات القرن التاسع عشر. تعتبر أزمة ديون لبنان الدولية من أهم جوانب الأزمة الاقتصادية في البلاد. بحلول عام 2019، بلغت ديون الحكومة اللبنانية 80 مليار دولار، أي ما يعادل 150٪ من الناتج المحلي الإجمالي. يتطلب دفع الفوائد على هذا الدين كل عام تخصيص ما يقرب من 10٪ من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد، أي ما يعادل 5 مليارات دولار، والذي يهدف إلى تقليص الاستثمار الأجنبي وتقليل تدفق العملات الأجنبية إلى لبنان في أعقاب الأزمات الإقليمية والدولية المختلفة مثل الأزمات الإقليمية والدولية. الأزمة السورية، حيث تسببت بقطع الصادرات الكبيرة للبضائع اللبنانية، بالإضافة إلى خفض مساعدات الدول الخليجية للبنان بسبب انخفاض أسعار النفط. وخلال ذلك، فقدت الليرة اللبنانية أكثر من 90 في المائة من قيمتها مقابل الدولار، وارتفع التضخم، وأغلقت مدخرات الناس في البنوك.
مع الانخفاض الحاد في احتياطيات النقد الأجنبي، تحاول الحكومة الحفاظ على دعم السلع الأساسية، البنزين والأدوية أصبحت نادرة، والحكومة بالكاد توفر الكهرباء لمدة ساعتين في اليوم، وحوالي 80 في المائة من السكان يعيشون الآن في فقر. في ديسمبر 2020، ارتفعت أسعار المواد الغذائية بنسبة تصل إلى 400٪ مقارنة بالعام السابق. كما ارتفع سعر الملابس بنسبة 560٪ والأجهزة المنزلية بمتوسط 655٪. وعليه، فإن من أهم خطط الحكومة اللبنانية الجديدة التوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي وتنفيذ الإصلاحات التي يطلبها الأجانب. ومن البرامج الأخرى للحكومة حضور وزير الاقتصاد بين المفاوضين الأربعة مع صندوق النقد العالمي. وافق وزير الاقتصاد يوسف خليل، المقرب من حركة أمل، على تعيين شركة مقرها نيويورك في 17 سبتمبر لاستئناف التدقيق القانوني للبنك المركزي، وهي إحدى خطواته الأولى كوزير للمالية بالإنابة؛ وكانت محاربة الفساد شرطا أساسيا لتلقي حزمة الإنقاذ من صندوق النقد الدولي والمساعدات الدولية. وبدأ لبنان مفاوضات مع صندوق النقد الدولي بعد إخفاقه في سداد ديونه في مارس 2020، لكن المحادثات تعثرت بسرعة. أعلنت حكومة حسن دياب السابقة عن خارطة طريق للإنقاذ الاقتصادي في عام 2020، تضمنت إصلاح قطاع الكهرباء وإعادة هيكلة القطاع المصرفي وإزالة سعر الدولار الرسمي، لكن الحكومة استقالت بسبب الانفجار في ميناء بيروت، تاركة خطة دياب الإصلاحية غير مكتملة.
مما لا شك فيه أن مواجهة التدخل الأجنبي لا تقل أهمية عن مهمة مكافحة الفساد في حل الأزمة الداخلية للبلاد. تعتبر الحكومتان السعودية والأمريكية بتأثيرهما في أوساط السياسيين اللبنانيين، أن أي تشكل لإجماع سياسي بمشاركة حزب المقاومة لحل الأزمة اللبنانية، امر معارض لمصالحهم وخططهم في البلاد. ولا ينبغي الاستخفاف بإعادة هيكلة الحكومة، إذ تؤثر إعادة هيكلة القطاع العام على الأحزاب السياسية لأنها مصدر تمويلها الرئيسي.
في مقابلة مع شبكة سي إن إن في 17 سبتمبر، قال ميقاتي إنها كانت "فترة انتقالية للتغيير" وأعرب عن أمله في قيادة حكومة "تقود البلاد إلى الانتخابات وتتيح للناس أن يقرروا فيما بعد ماذا يفعلون". وفي حال عدم تأجيلها، ستُجرى الانتخابات اللبنانية العامة المقبلة في أيار / مايو 2022.