الوقت - تنشر معظم الصحف والقنوات التلفزيونية التركية هذه الأيام، أخبارًا وصورًا تتعلق بتشييع جنازات الجنود الأتراك.
في الماضي، أينما دُفنت جثة جندي تركي، كان الجميع يعلم أنه لا تزال هناك اشتباكات بين الجيش التركي والجناح العسكري لحزب العمال الكردستاني، سواء داخل الحدود التركية أو في شمال العراق.
لكن المعادلات قد تغيرت الآن، ويبدو أن القوات التركية لا تُقتل في بلدهم أو في شمال العراق وحده. حيث إنه في غضون أيام قليلة، نشرت أخبار تفيد بأن العديد من المحللين الأتراك يعتقدون أن إدلب أصبحت مستنقعًا خطيرًا للجيش التركي.
ما هي الجماعة الإرهابية المتورطة؟
تساءل أيدن سيزر، المحلل السياسي التركي، في مقابلة مع صحيفة ترکية: "لماذا لا يعلنون من هم منفذو الهجوم على الجيش التركي؟" في منطقة خفض التصعيد في إدلب بسوريا، قُتل ثلاثة من جنودنا، لكن مسؤولينا السياسيين والدفاعيين لم يحددوا المجموعة المتورطة وفي هذه الحالة، هناك سببان آخران لعدم الإعلان عن أسماء منفذي هذه الهجمات:
هناك مجاملة وهناك قضية ربما نخجل من قولها في الواقع، نحن لا نعرف أي مجموعة نفذت الهجوم، ولهذا السبب لا نعلن عن ذلك.
ويضيف المحلل السياسي التركي: "إذا كان لدينا مجاملات فهذا أمر سيئ للغاية وغير مقبول. فلا شيء أهم من حياة جنودنا وحتى لو كنا لا نعرف أي مجموعة نفذت الهجوم، فهذا ضعف أمني واضح ونحن في موقف لا نعرف من أين نتعرض للهجوم. ومع ذلك، فإن هذا الوجود، إضافة إلى الخسائر البشرية، كان له أيضًا تكاليف سياسية بالنسبة لنا. روسيا، على سبيل المثال، تنتقدنا باستمرار وتقول لماذا لا تقوم ترکيا بمهامها؟ کما أن تصريحات سيرغي لافروف في 9 أيلول(سبتمبر) قد وضعت تركيا في موضع الاتهام فعليًا. إنهم يتحدثون كما لو أن تركيا تدافع عن مصالح الجماعات المتطرفة".
ويتابع المحلل التركي: "تركيا أدرجت منذ فترة طويلة جماعات مثل داعش والنصرة وهيئة تحرير الشام على قائمة الإرهاب. لكن الحقيقة هي أن كل مجموعة من هذه الجماعات الإرهابية لها عدة مسارات ومجموعات تابعة. يوجد حاليًا أكثر من 20 مجموعة جهادية تعمل في إدلب، وكثير منها يتبع الإرهابيين نفسهم لكن ما سمعناه هنا وهناك هو أن جماعةً جهاديةً تُدعى أنصار أبو بكر الصديق تهاجم الجيش التركي بشكل متقطع وأحيانًا لفترة طويلة، ولديها نهج عدائي ضد قواتنا المسلحة. وفي الوقت الذي تسعى فيه تركيا لإصلاح العلاقات مع مصر والدول الخليجية، نجد أن بعض أجهزة المخابرات تتدخل في هذا المسار. کما أن التطورات في أفغانستان، كعامل مؤثر، مهمة للغاية ويجب أخذها في الاعتبار".
في السياق نفسه، كتب فهيم طشتكين، المحلل السياسي التركي الذي ألف عدة كتب وعدة مقالات عن سوريا، ويعيش الآن في فرنسا كصحفي قلق بشأن اعتقاله وسجنه، في مقال في موقع "جازته ديفار" الإخباري: "لماذا حقاً يخسر جنودنا حياتهم في إدلب؟ ما هو انجاز تركيا؟ إلى متى يجب أن تراق دماء أبناء هذا البلد بسبب المقاربات القومية والملحمية؟ ومن المثير للاهتمام أن هؤلاء الجنود قتلوا على يد الجهاديين أنفسهم الذين وفرت تركيا أسلحتهم ولوجستياتهم ولکن رغم كل هذه الحقائق المريرة، لا تعلن الحكومة اسم هذه الجماعة الجهادية، وتفضل مهاجمة الأكراد السوريين مرةً أخرى لتهدئة الأجواء الداخلية الملتهبة".
تأتي هذه الانتقادات لخطط الحكومة التركية وأهدافها الغامضة في سوريا، في الوقت الذي اجتمع فيه وزير الخارجية التركي "مولود تشاووش أوغلو" في الأيام الأخيرة مع وفد من قادة الائتلاف السوري المعارض، وأعلن مرةً أخرى دعم ترکيا لهم، معتبراً التركيبة غير الرسمية وغير الشرعية المسماة "الحكومة المؤقتة للمعارضة السورية" ممثلةً لإرادة الشعب السوري!
في السنوات القليلة الماضية، كان لاستمرار التعاون السياسي بين إيران وتركيا وروسيا في إطار المفاوضات السورية، فوائد وإنجازات جلبت بلا شك الكثير من المصالح لسوريا وشعبها.
ومع ذلك، لا تزال هناك نقطة غامضة في الملف السوري تسمى إدلب، وسيكون من المستحيل إحلال الأمن والسلام في شمال سوريا حتى يتم حل الغموض في هذه المنطقة، وتصبح إدلب تحت سيطرة الحكومة المركزية السورية.
وسيكون حل مشكلة إدلب وإحلال السلام والأمن في هذه المنطقة والتعامل مع الجماعات الإرهابية والمتطرفة، من أهم الإجراءات لحل الأزمة في سورية. في غضون ذلك، لتركيا دور حاسم في هذا المجال، وإذا فشلت في القيام بذلك، فإنها ستعاني من عواقب ذلك أيضًا.
لقد تعهدت الحكومة التركية دائمًا بإيجاد حل للأزمة في إدلب أثناء محادثات أستانة والاجتماعات الدولية الأخرى المتعلقة بالأزمة في سورية. لكن هذا لم يحدث بعد، وأصبحت إدلب إحدى النقاط العمياء في الأزمة في سورية على أرض الواقع.
وعلى الرغم من دعوة المسؤولين السياسيين والدفاعيين الإيرانيين والروس لأنقرة مراراً وتكراراً لتوضيح دور القوات الإرهابية والميليشيات المناهضة للأسد في إدلب، تشير الدلائل إلى أن أنقرة تفضل المماطلة والتسويف، باعتبار ذلك البرنامج السياسي-الأمني الرئيسي لترکيا في إدلب.
كانت تركيا تأمل أن تتغير ظروف الميدان بهذه البطاقة لمصلحة معارضي الأسد، غير مدركة أن الجماعات الإرهابية والمتطرفة الخطيرة، مثل هيئة تحرير الشام، ليس لديها التزام أخلاقي تجاه مصالح وأمن أي دولة أو حكومة، ويمكن أن تعرض أمن الجميع للخطر.