الوقت- شهدت الأزمة الجزائرية المغربية تصعيداً خطيراً في الآونة الأخيرة و أقدمت الجزائر على قطع العلاقات الدبلوماسية مع المغرب متهمة إياه بصلته في الحرائق التي نشبت في البلاد مؤخراً و بسبب ارتباط السياسة بالاقتصاد فمن الموكد أن هكذا قرار سيؤثر سلباً على العلاقات الاقتصادية أيضاً علماً أنه لم يصدر أي قرار أو بيان رسمي يتحدث عن قطع العلاقات التجارية بين البلدين.
وتظهر في طيات التصعيد الذي تشهده الأزمة بين البلدين قضية خط الغاز الذي ينقل الغاز الجزائري إلى اسبانيا والبرتغال مروراً بالمغرب الذي ينال حصته من الغاز أيضاً ويحصل على رسوم لمرور الغاز الجزائري عبر أراضيه. وهذا الخط يسمى خط أنابيب المغرب العربي–أوروبا(MEG) ، ويعرف أيضاً باسم Pedro Duran Farell pipeline، وهو خط أنابيب غاز طبيعي، يصل بين حقل حاسي الرمل في أقصى جنوب الجزائر عبر المغرب إلى قرطبة في إسبانيا، حيث يتصل مع شبكة الغاز في البرتغال وإسبانيا. وهذا الخط يمد كلا من إسبانيا، والبرتغال، والمغرب بالغاز الطبيعي. وينقل أكثر من 30 في المائة من الغاز الطبيعي المستهلك في إسبانيا عبر المغرب.
المغرب أم الجزائر من الخاسر الأكبر؟
المغرب سيكون هو الخاسر الأكبر إذا ما توقف خط الغاز لأنه يستورد جميع أنواع الطاقة التي يحتاجها للأغراض الداخلية ولتمويل صناعته، وبالتالي سيتأثر الإنتاج بشكل أساسي و يستفيد المغرب بنسبة 10% من الغاز المسال المتجه إلى أوروبا، أي مايعادل 1.5 مليار دولار سنوياً.
وهذا يعتبر خسارة كبيرة للمغرب إن كان من جهة الرسوم، التي هي 1.5% من العائدات أو من جهة تزويد السوق الداخلي بالغاز الجزائري، وهذا يعني أن التأثير على مستوى الأفراد سيكون أكبر لأن الغاز الجزائري موجه للاستهلاك العائلي في السوق المغربي.
أما الجزائر فلن تتضرر كثيراً من إيقاف خط الغاز وصادراتها إلى إسبانيا لن تتوقف لأنها فعلياً تمتلك خط ثاني يربط بشكل مباشر بين الجزائر وإسبانيا. ويسمى خط أنابيب الغاز الجديد المباشر "ميدغاز".
وفي هذا السياق أعلنت سوناطراك، الأربعاء الماضي، رفع طاقة النقل السنوية لأنبوب الغاز “ميدغاز”، الذي يربط بلدة بني صاف بولاية عين تيموشنت (شمال غربي الجزائر) بمدينة ألميريا (جنوب إسبانيا) إلى 10.5 مليارات متر مكعب سنويا.
كانت طاقة “ميدغاز” السنوية تقدر بـ 8 مليارات متر مكعب سنوياً، ويمكن رفعها إلى 16 مليار متر مكعب، بعد استكمال كافة الأشغال بهذا الخط.
وحسب بيان لسوناطراك، فإن قدرات النقل الإضافية لهذا الأنبوب ستدخل الخدمة نهاية نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.
الخطوات الجزائرية تؤكد أن الجزائر تتعامل مع المسألة ضمن نطاق تجاري بحت، لأن الشركاء الإسبان هم المعنيون، لأنهم سيخرجون من الشراكة في الأنبوب بعد انقضاء آجاله التعاقدية (نهاية أكتوبر/تشرين الأول المقبل).
كما أن الجزائر ملتزمة بأن توفر الإمدادات المطلوبة من الغاز إلى إسبانيا عن طريق الأنبوب الجاهز “ميدغاز”. وكانت الجزائر قد ضمنت إمداد السوق الإسبانية من الغاز بنسبة 45.73 بالمئة من إجمالي الاحتياج الكلي للبلد الأوروبي في النصف الأول من العام الجاري، ولذلك فلا يمكن للجزائر أن تجازف بمكانتها كأول مورد للغاز إلى إسبانيا.
الورقة الرابحة لم تعد رابحة
كانت المغرب تعتبر أن خط الغاز الذي يمر في أراضيها هو ورقة رابحة للضغط على كل من الجزائر واسبانيا إلا أن الظروف قد تغيرت فها هي اسبانيا لم تعد تضغط على المغرب للموافقة على تمديد اتفاقية الخط القديم لأن خط أنبوب الغاز الجديد “ميدغاز” الذي يربط الجزائر مباشرة بإسبانيا “سيجعل مجمع ناتورجي (Naturgy) الإسباني، المساهم الرئيسي بما يزيد عن ثلاثة أرباع في الشركة المسيرة لخط أنبوب الغاز المغاربي الأوروبي (EMPL)، في غنى عن دفع الإتاوات كحق عبور لاستغلال أنبوب الغاز العابر للأراضي المغربية.
وكذلك الجزائر بدأت تتجه لفرض شروط تعاقدية جديدة وصعبة على المغرب لتسويق كميات من الغاز تصل 1 مليار متر مكعب سنوياً، بالنظر لإمكانية تلبية حاجيات إسبانيا والبرتغال من الغاز عبر خط أنابيب “ميدغاز”، معتبرة أن الرباط ستفقد ميزة حقوق العبور وستكون ملزمة بالشراء وفق شروط جديدة تفرضها الجزائر وبمنطق السوق الذي ارتفعت أسعاره 640 في المئة، حسب تعبيرها.
علماً أن المغرب صار في حاجة لنحو 1 مليار متر مكعب سنوياً من الغاز لتغطية حاجيات المصانع وإنتاج الطاقة الكهربائية المتزايدة، علماً أن أسعار الغاز ارتفعت بنحو 600 في المئة مقارنة بأسعارها قبل نحو عام مضى.
الرأي الاقتصادي في هذا القرار
أما المحللين الاقتصاديين فكان رأيهم أن قرار الجزائر استغنائها عن الخط المغربي لتصدير الغاز نحو اسبانيا يمكن ألا يكون في صالح الجزائر لأن شركة سوناطراك الجزائرية تعرف جيداً أن أنبوباً واحداً يشكل تهديداً لمصالحها في حالة ما تعرض الأنبوب الذي يمر من الجزائر نحو إسبانيا لأي حادث طارئ أو توقف مفاجئ لأسباب متعددة.
كما أن أغلب كل الدول المصدرة للغاز عبر أنابيب تحاول استعمال أكثر من أنبوب تفادياً للأحداث المفاجئة وكل المخاطر التي لا يمكن توقعها، والتي قد تفقد فيها الجزائر الكثير مقابل ما ستجنيه من توقيف الأنبوب المغربي، خصوصاً أن 87 في المائة من دخلها يعتمد على تصدير هذه المادة الحيوية.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن نقل الغاز عبر الخط المار من المغرب أقل تكلفة على الشركة الجزائرية لأن رأسمال خط الغاز هذا قد تم استرجاعه بالفعل عبر سنوات من الربحية.
في النهاية تراقب اسبانيا كل هذه التطورات وما يهمها هو تأمين غازها سواء عبر المغرب أو بدونه وهي الرابح الأكبر لأنها ستحصل على الغاز بنفس أسعاره العالمية أما الجزائر فستكون كلفة نقل الغاز عليها أكبر عبر الخط الجديد والمغرب سيفقد عائدات الخط المغربي للغاز المار عبر أراضيه وسيفقد الغاز المخصص له أيضاً.