الوقت - تركت الأزمة الاقتصادية الخانقة في لبنان خلال السنوات الأخيرة تأثير ملموساً على الظروف المعيشية للبنانيين، بحيث بات الوصول إلى الخدمات العامة مثل الكهرباء ومياه الشرب و الخدمات الصحية صعباً بالنسبة اللبنانيين بالإضافة إلى انخفاض الدخل والتضخم طليق العنان وزيادة الفقر. وفي خضم ذلك، جعل قرار مصرف لبنان الأخير بخفض دعم الوقود، والذي أدى إلى زيادة أسعار هذه السلعة بنسبة 33٪ وندرتها، الأوضاع صعبة على المواطنين اللبنانيين أكثر من ذي مضى. اجراء رفع مرة أخرى صرخة استياء المواطنين.
لكن في خضم الاحتجاجات الشعبية على الارتفاع المفاجئ في أسعار المحروقات، تصاعد الجدل أيضا بين السياسيين اللبنانيين، حيث دعا زعيم تيار المستقبل وتحالف 14 آذار سعد الحريري الرئيس اللبناني ميشال عون إلى الاستقالة بسبب عدم القدرة على إدارة الموقف وخاصة مقتل عدد من المواطنين خلال انفجار خزان الوقود في عكار. فكان طلب الحريري بمثابة تذكير لافت بالانفجار المشبوه الذي وقع العام الماضي في مرفأ بيروت وتداعياته السياسية التي أدت إلى استقالة خصم الحريري الآخر أي حكومة حسان دياب.
وقد أدى الغموض الكبير في قضية انفجار مرفأ بيروت، والتي لم تحل بعد، إلى توقع المواطنين اللبنانيين بأن يتم اعتقال الجناة وتقديمهم إلى العدالة. الأمر الذي لم يتحقق بعد أيضاً. وفي الأثناء، نرى أن مسار الأحداث بعد انفجار مرفأ بيروت مشابه تماماً لمسار انفجار عكار بشكل غريب، حيث ينبئ بتكرار سيناريو مماثل. سيناريو خطط له لمواصلة إغراق لبنان في الأزمات.
إن أهم سبب يظهر الخطة الهادفة لزيادة سعر البنزين في الوقت الراهن هو خلق بوادر أمل للتوصل إلى اتفاق بين الكتل السياسية على تشكيل الحكومة في الأيام المقبلة. فبعد فشل الحريري في محاولته الثانية لتشكيل حكومة خلال العام المنصرم، تم تكليف رئيس الوزراء اللبناني السابق نجيب ميقاتي من قبل ميشال عون لتولي هذه المهمة.
في حين أن الهوة الواسعة بين توقعات الحريري ورئيس الجمهورية بددت أي أمل في التوصل إلى اتفاق على المدى الطويل، لكن ترشيح نجيب ميقاتي على المدى القصير خلق جواً إيجابياً في عملية تشكيل الحكومة، ووفقاً لمصادر مطلعة على المحادثات، فإن التحدي الوحيد المتبقي، يتعلق بمنصب وزارة الداخلية. وقال ميقاتي في مقابلة تلفزيونية مؤخراً، تشكيل الحكومة بات وشيكاً، وأنا شخصياً لا أستطيع إطالة هذه العملية أكثر، وبالتعاون مع الرئيس ميشال عون، أتمنى أن تسير الأمور على ما يرام.
لكن في مثل هذه الأجواء، قرر البنك المركزي بقيادة رياض سلامة، أحد الشخصيات القديمة المقربة من السعودية والحريري، بشكل منفرد خفض دعم الوقود في قرار مثير للجدل قوبل بمعارضة كبيرة لتتجدد أزمة الاحتجاجات. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هل كان من الضروري زيادة سعر الوقود بشكل مفاجئ وتصاعدي في الوقت الحاضر؟ ألا يمكن لحاكم البنك المركزي صاحب النفوذ والخبرة، والذي قادته قراراته المثيرة للجدل في السابق إلى اتهام خصومه بأن لهم دوافع سياسية، تأجيل هذا القرار إلى ما بعد تشكيل الحكومة؟ هذا في وقت جعل المجتمع الدولي شرط منح المساعدات المالية للبنان مشروطا بتشكيل الحكومة، ونتيجة لذلك فإن الضرورة الاقتصادية والسياسية القصوى هي تشكيل الحكومة في الوقت الحاضر. كما ان عدم التشاور مع المسؤولين بشأن هذا القرار الخطير، والذي له عواقب اقتصادية بعيدة المدى على الحياة اليومية للمواطنين، هو انتقاد آخر يعزز شبهة الأهداف السياسية لمحافظ البنك المركزي.
لكن هناك قضية مهمة أخرى وهي حدوث انفجارات خلفت خسائر كبيرة. فبعد هذا الانفجار، اقتحم محتجون مدخل منزل ميقاتي في بيروت. الأمر الذي قد يكون لإجباره على التنحي عن مهمة تشكيل الحكومة. وبالتزامن، طلب منه سعد الحريري الاستقالة من أجل ايجاد ضغط عام على ميشال عون. السيناريو الذي تم تنفيذه بنجاح مرة من قبل بعد الانفجار الذي وقع في مرفأ بيروت وأسقط حكومة حسان دياب التي كانت مدعومة من المقاومة وحزب الله.
الوضع السياسي في لبنان في وضع لا يمكن فيه إنكار وجود تدخل أجنبي في مسار التطورات في هذا البلد. فلا تتردد الدول المؤثرة، بما في ذلك السعودية وأمريكا، في اتخاذ خطوات تأزيمية وتدمير حياة المواطن العادي من أجل المضي في مصالحهم واقصاء المقاومة كأهم عنصر دفاع عن استقلال لبنان وسلامة أراضيه. بالتأكيد، ان كلام السيد حسن نصر الله، الذي اعتبر الأحداث الأخيرة في لبنان ملفقة وصنيعة السفارة الأمريكية في بيروت، استند إلى أخبار ومعلومات موثوقة لتحذير اللبنانيين من سيناريو تكرار الأحداث المروعة بعد تفجير ميناء بيروت.