الوقت- لقد كان انتشار الأزمات الاقتصادية في بلدان مختلفة من العالم أحد النتائج التي لا يمكن إنكارها لتفشي "كورونا" على مدار العامين الماضيين. ولقد شهدت الاقتصادات العالمية الكبيرة على نطاق أوسع العديد من التأثيرات السلبية لتفشي "كورونا"، وهذا الأمر سرعان ما أثر على اقتصادات الجهات الفاعلة الأخرى، حتى دول غرب آسيا وشمال إفريقيا، ومعظمها من الاقتصادات القائمة على الدولار وتشمل الإيرادات المتأتية من قطاع الطاقة. وفي العامين الماضيين، كانت هناك تقارير عديدة عن أزمات اقتصادية في دول مثل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، ولكن في الوضع الجديد، تشير التقارير إلى أن الكويت شهدت أيضًا أكبر أزمة اقتصادية في تاريخها بسبب الأزمة الاقتصادية العالمية وتفشي فيروس "كورونا" في الكويت. في الواقع، لقد طغت الأزمة الاقتصادية التي سببها "كورونا" على الاقتصاد الكويتي، بحيث سجلت الدولة أعلى عجز في الميزانية في تاريخها. وتعتبر أسباب هذا العجز غير المسبوق في الميزانية وإجراءات الحكومة الكويتية وتوقعات الأزمة الاقتصادية في هذا البلد قضايا خطيرة.
أسباب وسياقات الأزمة الاقتصادية في الكويت
فيما يتعلق بأسباب الأزمة الاقتصادية في الكويت، فكما هو الحال في جميع الاقتصادات المعتمدة على عائدات بيع الموارد النفطية، يمكن الرجوع إلى مسألة الإيرادات من بيع هذه الموارد. ولقد بلغت إيرادات الميزانية للسنة المالية 2020-2021 نحو 10.5 مليار دينار (35.5 مليار دولار) بانخفاض 38.9 بالمئة عن السنة المالية السابقة. وحقيقة الأمر أن البلاد تواجه حالياً عجزاً في الموازنة يبلغ 10 مليارات و 800 مليون دينار، أي ما يعادل 35 ملياراً و 500 مليون دولار، وهو أعلى مبلغ في تاريخ هذا البلد. وهذا هو أكبر عجز في الميزانية يتم تسجيله في البلاد. والواقع أن ثاني عجز سجلته الموازنة يعود إلى العام المالي 2016-2015 ، والذي بلغ 5.98 مليار دينار، بما يعادل 19.89 مليار دولار. ولقد زاد إنفاق الكويت الجاري بنسبة 7٪ مقارنة بالعام الماضي إلى 21.3 مليار دينار (70.83 مليار دولار). وأقر مجلس النواب الكويتي في يونيو الماضي ميزانية 2022-2022 التي اقترحتها الحكومة والتي بلغ الإنفاق الحكومي فيها 23.05 مليار دينار (76.65 مليار دولار) ومن المتوقع أن يبلغ عجز الموازنة 12.1 مليار دينار (40.24) مليار دولار. كما وردت تقارير تفيد بأن تفشي فيروس "كورونا" في عام 2020 أدى إلى أضرار جسيمة للاقتصادات المعتمدة على النفط والمعادن؛ وفي غضون ذلك، سجلت الكويت خسارة بلغت قرابة 33 مليار دولار من الخسائر الاقتصادية، وهو أعلى مستوى منذ عام 1991.
وبحسب وزير المالية الكويتي "خليفة حمادة"، تنبع الأزمة من انخفاض حاد في متوسط سعر برميل النفط الكويتي في الأسواق العالمية. بعبارة أخرى، أدت الظروف الاقتصادية مثل انخفاض أسعار النفط العام الماضي ووباء "كورونا" إلى زيادة متوسط عجز الموازنة في البلاد. وبحسب وزارة المالية الكويتية، تراجعت عائدات النفط في البلاد بنسبة 42.8 في المائة في السنة المالية 2020-2019 إلى 8.8 مليار دينار (29.27 مليار دولار)، في حين انخفض دخل الحكومة الكويتية بنسبة 6.5 في المائة إلى 1.7 مليار دينار ما يعادله. 5.66 مليار دولار. ومن ناحية أخرى، لعبت النفقات الباهظة وغير الضرورية للحكومة الكويتية دورًا رئيسيًا في الأزمة الاقتصادية في هذا البلد. ووفقًا للإحصاءات الحكومية المتاحة، يتم إنفاق 56.4٪ من الناتج المحلي الإجمالي للكويت على النفقات الحكومية، مما يصنف البلاد الاولى بين الدول العربية في الخليج الفارسي في مجال النفقات الحكومية، ولكن النقطة الأكثر أهمية هي أن الحكومة الكويتية لديها أدنى كفاءة بين الدول العربية وتقع على حدود الخليج الفارسي وتحتل المرتبة 59 في العالم بـ 76 مليار دولار في مجال النفقات الحكومية بين جميع دول العالم.
وعلى صعيد متصل، وصف المحلل الاقتصادي "محمد رمضان" الموازنة الحالية في الكويت بأنها حالة وحيدة، ولن تتكرر في تاريخ الكويت. وقال، "هناك ظروف اقتصادية أدت إلى ارتفاع معدل العجز في موازنة البلاد، وهي انخفاض أسعار النفط العام الماضي، وجائحة كورونا التي كان لها أثر مباشر على اقتصادات الدول، ومنها الكويت التي تضررت من الأزمتين معاً". ولفت إلى وجود جانب آخر لم يظهر في الحسابات الختامية المعلن عنها، وهو أن الصندوق السيادي الكويتي وصل لأعلى مستوياته التاريخية. وأضاف، "حقق الصندوق السيادي الكويتي أرباحاً تقدر بـ52 مليار دينار كويتي، وهذا يعني أكثر من 160 مليار دولار، وتبعاً لذلك فإن العجز لا يشكل سوى 20 في المئة من أرباح الصندوق السيادي". ولفت "رمضان" إلى أن الملاءة المالية الحقيقية للبلاد لم تنعكس على تقرير مؤسسات التصنيف الائتماني، وأرجع السبب إلى عدم وجود إجراءات جادة للمحافظة على المال العام وتمويل الميزانية بشكل مرن. وأوضح أن الكويت تمتلك صندوقين سياديين، وأن "الصندوق الأول وهو الاحتياطي العام يعد حساباً جارياً يمكن للحكومة السحب منه، أما الصندوق الآخر وهو احتياطي الأجيال فلا يمكن السحب منه إلا بقانون".
الإجراءات التعويضية التي اتخذتها الحكومة الكويتية لحل الأزمة
في أعقاب الأزمة الاقتصادية الواسعة النطاق التي حدثت في الكويت، أصدرت السلطات الكويتية تعليمات لمعالجة الأزمة وتعويض أوجه القصور التي يمكن النظر في أهمها في مجال قانون الدين العام والتأميم الاقتصادي. وعلى المستوى الأول، تسعى الحكومة الكويتية للحصول على 13 مليار إلى 16 مليار دينار (40 إلى 50 مليار دولار) لتغطية خسائرها المالية، وتحتاج إلى موافقة برلمانية للقيام بذلك. ومثل هذا الإجراء من قبل الحكومة، المعروف باسم قانون الدين العام في الكويت، أثار جدلا واسعا بين المسؤولين السياسيين والاقتصاديين الكويتيين. ومع ذلك، إذا لم يتم تمريره في البرلمان، فستواجه الكويت أزمة حقيقية، وإذا تم تمرير مثل هذا القانون، يمكن للحكومة أن تقترض 65 مليار دولار على مدى 30 عامًا. ومن أجل استقرار الوضع المالي لدولة الكويت، تطالب وزارة المالية أيضا بسحب 2 مليار و 200 مليون دينار (ما يعادل 7 مليارات و 200 مليون دولار) من صندوق الاحتياطي العام أو الاقتراض من البنك المركزي من أجل استكمال قانون الديون. وفي المستوى الثاني، تسعى السلطات الكويتية، من أجل إخراج البلاد من الأزمة الاقتصادية، إلى تنفيذ خطة تكامل اقتصادي (تكويت) لاستبدال العمالة الخارجية بالعمالة الكويتية في القطاع العام. وعند التنفيذ الكامل لهذه الخطة حتى نهاية عام 2022، تتوقع الحكومة الكويتية منح 100٪ من الوظائف الفنية والتنفيذية والإشرافية المتعلقة بقطاع النفط للمواطنين الكويتيين. كما تعتزم زيادة إبرام العقود بين مختلف الشركات المحلية مع شركة النفط الحكومية الكويتية للمقاولات بمختلف أجزائها بنسبة 35 إلى 45 في المائة.
الآفاق المستقبلية للأزمة الاقتصادية في الكويت
يمكن النظر في مسألتين مهمتين عند رسم التوقعات الاقتصادية المستقبلية للكويت. الأول هو مدى نجاح الحكومة الكويتية في خطتها لتوفير الوظائف الفنية والتنفيذية والإشرافية لمواطنيها، والثاني هو المدى الذي يمكن أن يرتفع به سعر النفط في السوق العالمية. وفيما يتعلق بخطة الحكومة الكويتية لتعزيز الاقتصاد الكويتي، تجدر الإشارة إلى أن هذا الإجراء لن يكون ممكناً، على الأقل في المدى القصير، أي في العام أو العامين القادمين. ولكن فيما يتعلق بإيرادات النفط، يمكن القول إنه بحسب وزارة المالية الكويتية، بلغ متوسط سعر بيع النفط الخام الكويتي في السنة المالية الحالية 42.36 دولارًا للبرميل، أي أنه بمتوسط2.5 مليون برميل يوميًا، لن تتمكن عائدات النفط من الوفاء بالتزامات الميزانية الكويتية هذا العام، وتحتاج الكويت إلى بيع 90 دولارًا لبرميل النفط الخام للأسواق العالمية للسيطرة على ميزانيتها. وفي غضون ذلك، يبلغ سعر برميل النفط الخام حاليًا 66.56 دولارًا في الأسواق العالمية. بشكل عام، يمكن القول أن تحسين الوضع الاقتصادي في الكويت يبدو غير مرجح، على الأقل على المدى القصير.