الوقت - السجن جزء من الحياة اليومية للفلسطينيين، لأن تاريخ الكيان الصهيوني حافل بسجن الفلسطينيين من الرجال والنساء والكبار والصغار، الذين يطالبون بحقوقهم الأساسية في العيش بالحرية في وطنهم والاحتجاج على القمع الصهيوني.
في غضون ذلك، للصهاينة تاريخ طويل وأسود بالكامل على الساحة الدولية، فيما يتعلق بسوء معاملة الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين أيضًا.
وفي هذا التاريخ الإجرامي واللاإنساني لمعاملة الصهاينة للأسرى الفلسطينيين، يمكن رؤية شبكة متداخلة من الانتهاك الممنهج لحقوق الأسرى الفلسطينيين، من تطبيق القوانين غير العادلة تمامًا إلی المحاكم الشکلية، وحتى سجون مخيفة مع التعذيب العقلي والجسدي الشديد.
غوانتانامو في أعماق الصحراء
خلال حرب 1967، احتل الکيان الإسرائيلي الضفة الغربية والقدس الشرقية ومرتفعات الجولان السورية وشبه جزيرة سيناء المصرية، لکن أعيدت الأخيرة فيما بعد إلى مصر بموجب اتفاق سلام 1979.
لكن قبل ذلك، في عام 1971، في مشروع سري للغاية، أقامت الحكومة الصهيونية معسكرين ومركزين للاحتجاز في شبه جزيرة سيناء، کانت ترسل إليهما الفلسطينيين الأبرياء. تم استخدام أحدهما لعائلات أعضاء فتح المشتبه في قيامهم بنشاط عسكري، والآخر لشبان عاطلين عن العمل کانوا يعيشون بشكل أساسي في غزة.
کان يتم نقل الأطفال والنساء والرجال من قبل الجيش الإسرائيلي من قطاع غزة واحتجازهم في مبان مخيفة للغاية وسط الصحراء، ثم تعريضهم للتعذيب النفسي والجسدي. وکان هؤلاء يقضون فترات مختلفة - وأحيانًا شهوراً – في ظروف وصفها الصليب الأحمر بأنها "لا تطاق".
بعد حرب الأيام الستة واحتلال قطاع غزة عام 1967، انطلقت عمليات المقاومة تدريجياً ضد الإسرائيليين وأولئك المشتبه في تعاونهم مع الکيان الإسرائيلي، بحيث فقد کيان الاحتلال صبره عام 1971 وأراد تدمير المقاومة(ما يسميها بالإرهاب).
وهكذا، شنت الحكومة الصهيونية حملةً لاغتيال المطلوبين وتدمير المنازل ومنع السفر والتفتيش. وكان هذا مجرد جزء صغير مما حدث. کما كان بناء معسكرين للأسرى الفلسطينيين في سيناء، جزءًا آخر من المشروع. فأقيم معسكر "أبو زنيمة" في خليج السويس، ومخيم "نخل" في قلب صحراء سيناء.
نشرت الصحف الإسرائيلية في ذلك الوقت بحوثاً أرشيفيةً أجراها معهد "Akevot" للتحقيق في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني حول المخيمين. وحسب صحيفة هآرتس، لم يتحدث أحد عن المعسكرين خلال هذه الفترة، وتضمنت تحقيقات معهد Akevot وثائق وصوراً محفوظةً في أرشيف الوثائق الحكومية الإسرائيلية السرية وأرشيف الصليب الأحمر الدولي.
في أعقاب فضيحة الکشف عن الوثائق المتعلقة بهؤلاء الأسرى في فبراير 1972، سمح کيان الاحتلال لممثلي اللجنة الدولية للصليب الأحمر بزيارة المخيم. والتقى ممثلو الصليب الأحمر هناك بـ 23 عائلة، بينهم 123 شخصًا، بمن فيهم 87 طفلاً، وجميعهم من سكان قطاع غزة.
كتب ممثلو الصليب الأحمر في مذكرة أرسلت إلى مقر المنظمة في جنيف: "جريمة هؤلاء الأشخاص هي أن أحد أفراد عائلاتهم قد تم اعتباره إرهابيًا، لكن هل يعرف طفل عمره 7 أشهر وأم مسنة تبلغ من العمر 80 عامًا سبب وجودهما هناك؟
فيما يتعلق بمخيمي "نخل" أو "نهال" الواقعين في وسط شبه جزيرة سيناء على بعد سبع ساعات بالسيارة من مدينة غزة، كان المخطط هو اعتقال وغسيل أدمغة الشباب العاطلين عن العمل.
وقال وزير خارجية الكيان الصهيوني آنذاك، غازيت، في جلسة استماع مع أعضاء لجنة الشؤون الخارجية والدفاع في الكنيست: "الإجراء الثاني وربما الأكثر جذريةً الذي اتخذناه هو إجراء ضد العاطلين عن العمل".
وأضاف "هناك عشرة آلاف شخص غير مرتبطين بسوق العمل. والغالبية العظمى منهم أو معظمهم تتراوح أعمارهم بين 18-25-30، ونسبة كبيرة منهم من خريجي المدارس الثانوية الذين لم يجدوا وظيفةً. ليس لدينا حل لهم، لقد واصلوا تعليمهم في الجامعات من قبل واليوم هذه الأبواب مغلقة في وجههم."
وأظهر أرشيف الاحتلال الإسرائيلي، على الرغم من المعلومات الهامشية المقدمة إلى معهد Akevot، أن المعتقلين في المخيم بلغوا 161 طالبًا ومتخصصًا تتراوح أعمارهم بين 16 و 21 عامًا. وكان الهدف من اعتقالهم "الضغط على أنشطة المطلوبين والضغط على سكان المخيم لمنع الشباب من الانضمام إلى تنظيمات المقاومة الفلسطينية ضد الاحتلال"، وهو ما يمكن اعتباره نوعًا من مشروع غسيل الدماغ مع التعذيب النفسي والجسدي.
في هذه المخيمات، کان الشباب يُجبرون على العيش مع محتلي الضفة الغربية بطريقة بناءة. هؤلاء الأفراد، الذين تم اعتقالهم وسجنهم دون أي تهمة، تم احتجازهم وإرسالهم إلى سيناء بموجب إجراء قانوني يُعرف بالاعتقال الإداري.
الاعتقال الإداري هو شكل من أشكال الاعتقال القاسي للفلسطينيين من قبل الجيش الصهيوني، والذي بموجبه يسجن نظام الاحتلال الفلسطينيين إلى أجل غير مسمى دون تهمة.
وبموجب قانون الاعتقال الإداري، يمكن للکيان الصهيوني سجن الفلسطينيين لمدة تصل إلى خمس سنوات دون تقديم أي وثائق، وحتى دون تهمة محددة. وهکذا، يداهم الجيش الصهيوني منازل الفلسطينيين في القدس المحتلة والضفة الغربية كل يوم بذرائع مختلفة، ويقوم باعتقالهم.
وعلى الرغم من إغلاق مراكز الاعتقال هذه بناءً على مزاعم صهيونية في عام 1972، من المثير للاهتمام ملاحظة أنه في مارس 2021، تم تقديم مشروع قانون إلى الكنيست يستند إلى العقلية الإجرامية نفسها، وتقرَّر أنه "يجب طرد أبناء عوائل المطلوبين حتى يتم الانتهاء من عملية الردع، لتتمكن العائلات الفلسطينية من منع أبنائها من مقاومة الاحتلال. وتنفيذ هذه العمليات وطرد العائلات الفلسطينية سينقذان حياة المواطنين الإسرائيليين في المستقبل".
أعداد كبيرة من الأسرى الفلسطينيين
أفادت لجنة شؤون المعتقلين والسجناء السابقين في حزيران 2021، أن القوات الإسرائيلية اعتقلت نحو مليون فلسطيني منذ حرب عام 1967 في الشرق الأوسط.
وقالت هذه المنظمة غير الحكومية في بيان "كان من بين المحتجزين حوالي 17 ألف امرأة وفتاة و 50 ألف طفل." ومنذ عام 1967، توفي 226 أسيرًا في السجون الإسرائيلية، ويتوقع الكثيرون أن العدد الحقيقي أكبر بكثير من هذه الإحصاءات.
كما ذكرت المنظمة غير الحكومية أن جميع المعتقلين "تعرضوا لشكل من أشكال التعذيب الجسدي أو النفسي، والإساءة الأخلاقية وسوء المعاملة".
وبحسب البيانات التي جمعتها منظمات حقوق الأسرى، يقدر عدد المعتقلين في السجون الإسرائيلية بنحو 4500 فلسطيني، بينهم 41 امرأة و 140 حدثًا و 440 أسيرًا إداريًا.
کما أن المعاملة الجائرة والضغط الجسدي والنفسي على الأسرى، دفعا الأسرى الفلسطينيين إلى استخدام أسلوب الإضراب عن الطعام للتعبير عن احتجاجهم على الأوضاع اللاإنسانية في السجون الصهيونية. وفي الآونة الأخيرة، واصل 16 فلسطينياً الإضراب عن الطعام في السجون الإسرائيلية، بسبب تجاهل الکيان الصهيوني لمطالبهم.
الآن أيضًا، وبعد الهزيمة في حرب الـ 11 يومًا وخوف تل أبيب من انتفاضة جديدة في الضفة الغربية وأراضي 1947، يداهم الجيش الصهيوني منازل الفلسطينيين في القدس المحتلة والضفة الغربية بذرائع مختلفة، ويقوم باعتقالهم.