الوقت - لم تغب القضية الفلسطينية عن المشهد الرياضي في العالم. حيث كانت دائماً قبلة القلوب حاضرة في أذهان الكثير من الأحرار ووجدانهم، من مشجعين ولاعبين وأندية ومنتخبات. هتافات ورايات وشعارات كانت، وما زالت، ترفع لدعم فلسطين في مختلف المحافل الرياضية والمسابقات. كل هذا الدعم يأتي في وجه ممارسات الكيان الصهيوني بحق الفلسطينيين وأصحاب الأرض.
ففي أولمبياد "طوكيو 2020"، كانت فلسطين حاضرة في رياضات الجودو والسباحة ورفع الأثقال، وكانت حاضرة أيضاً في وجدان الشرفاء في العالم العربي، الذين قرروا الانسحاب من المنافسات لتفادي مواجهة لاعبين إسرائيليين، لأنهم يعلمون جيداً أن المصافحة اعتراف، وأن اللعب ضد أي لاعب إسرائيلي يعني الاعتراف بوجود كيان غاصب في أرض ليس له فيها أي حق.
أول الرياضيين العرب المنسحبين كان لاعب الجودو الجزائري، فتحي نورين، بعد أن أوقعته القرعة بمواجهة محتملة مع اللاعب الإسرائيلي بوتبول طاهار ضمن منافسات وزن الـ73 كيلوغراما.
نورين، أعلن في تصريحات إعلامية أنه قرر التضحية بالمشاركة في أكبر حدث رياضي عالمي رفضا للتطبيع مع إسرائيل، وتضامنا مع القضية الفلسطينية.
ورغم تطبيع بلاده مع إسرائيل في تشرين الأول 2020، إلا أن لاعب الجودو السوداني محمد عبد الرسول رفض خوض نزال يوم الاثنين الماضي ضد اللاعب الإسرائيلي نفسه بوتبول طاهار.
انسحاب اللاعبين الجزائري والسوداني تسبب في إيقاف نورين، ومدربه عمار بن خليف من قبل الاتحاد الدولي للجودو وإعادتهما إلى الجزائر، إذ أعربت اللجنة الأولمبية الدولية، الثلاثاء الماضي، عن "انزعاجها" من انسحاب اللاعبين من ملاقاة لاعب إسرائيلي.
إلا أن موقف اللاعبين الجزائري والسوداني نال إعجاب الكثير من المتابعين الرياضيين والسياسيين العرب والمسلمين عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
وشهد مطار هواري بومدين الدولي بالعاصمة الجزائرية استقبالا جزائريا رائعا لنورين ومدربه وحملتهما الجماهير على الأعناق. ونقل الإعلامي تامر المسحال هذا المشهد وقال: شتان بين من يخسر لعبة لأجل كرامة وبين من يخسر كرامة لأجل لعبة".
وهذا ذكرت تقارير صحفية أن المقاتل اللبناني الشاب عبدالله منياتو، قرر الانسحاب من بطولة العالم في الفنون القتالية المختلطة "MMA"، بعد أن وضعته القرعة في مواجهة لاعب إسرائيلي، ضمن البطولة المقامة في بلغاريا.
ووفق المصادر ذاتها، فقد أعلن عبدالله منياتو انسحابه مع مدربه محمد الغربي، رافضا "الاعتراف" بإسرائيل أو ممارسة أي شكل من أشكال التطبيع حتى في النشاط الرياضي.
وقال مدربه محمد الغُربي في تصريحات إعلامية: إن القرعة أعيدت مرتين وكأن هناك تعمد من المنظمين في وضعه بمواجهة لاعب إسرائيلي، مشددا على أن هذا الانسحاب رسالة في رفض التطبيع والوقوف مع فلسطين، وهي رسالة "لأولادنا وللأجيال القادمة" في وجه المحتلين.
وفي المقابل سجلت لاعبة الجودو السعودية تهاني القحطاني، موقفاً مخزياً لها ولبلادها السعودية التي ترفض دعم القضية الفلسطينية حتى في الرياضة، فكانت لديها مواجهة مع اللاعبة الإسرائيلية راز هيرشكو، الجمعة، في أولمبياد طوكيو، ولكنها لم تتخذ منحى الجزائري ولا السوداني، وقررت المشاركة وسط سخط عربي من قرارها.
وتعرضت القحطاني (21 عاما) لهزيمة مذلة أمام الإسرائيلية راز هيرشكو (23 عاما) بنتيجة (0-11) في النزال الذي جمعهما ضمن منافسات الدور الـ32 لوزن فوق الـ78 كغم للسيدات، ما صحبه من سخرية وشماتة عربية.
اذ يقول لسال حال اللاعبون العرب أنه بمجرد أن تلعب أمام أي رياضي إسرائيلي، فإن هذا التصرف يقودك إلى الاعتراف به وبوجوده وبحقه في أن ينشئ دولة على أرض محتلة. إن الانتصار لفلسطين بالنسبة إلى كثر من الرياضيين يكون بالانسحاب، وهو أمر تبناه رياضيون في السنوات الماضية، ليس خوفاً من الخسارة، وإنما رفضاً للاعتراف والتطبيع والاحتكاك بأي رياضي من الكيان المحتل، ومن دون أي تردد وخشية من عقوبات أو خسارة عقود رعاية.
بينما عمل الإعلام السعودي على الترويج لفكرة أن المواجهة رياضية بحتة، ولا داعي للذهاب بعيداً، وروج لفكرة أن الانسحاب هزيمة، حيث ثمة "فلسفة" جديدة تحاول السعودية طرحها، وهي أن الانسحاب انتصار وهمي. السعودية تروج لأفكار تتماشى مع التطبيع وتخفف من وطأته، إضافة إلى التخفيف من جنحة التعامل مع "إسرائيل"، بحيث إنها تسوّق لفكرة أن الجيل الجديد لم يعد ينجذب إلى مواقف الانسحاب، وتنطلق من أن فكرة الأولمبياد هدفه توحيد شعوب الأرض وفتح أبواب السلام بينها.
مسيرة الانسحابات التي بدأت منذ عام 1991، عبرت عنها صحيفة يديعوت أحرونوت العبرية بالقول: "العرب يجعلون منّا أضحوكة بانسحابهم أمام لاعبينا، توجد كل أنواع اتفاقات السلام والحبر الذي يكاد ينتهي بالطابعة من كثرة النسخ، أما على الأرض فيثبت الرياضيون العرب أن إسرائيل بنظرهم ليست موجودة".