الوقت - تستدعي زيارة وزير الخارجية السعودي عادل الجبير إلى سلطنة عمان التوقف ملياً، نظراً لطبيعة الزيارة وزمانها ومكانها أيضاً، بإعتبار أن الرياض التي تتخذ موقفاً عدوانياً تجاه كل من سوريا واليمن، على العكس من سلطنة عمان التي غدت وسيطاً تقليدياً في المنطقة.
الجبيرأفصح بنفسه بعد اجتماعه في مسقط مع نظيره العماني يوسف بن علوي عن فحوى الزيارة، حيث أوضح انهما بحثا "الوضع في سوريا واليمن ووسائل تعزيز التعاون" بين الدول الست الاعضاء في دول مجلس التعاون، ليفتح باب التساؤل حول أسباب ودلالات هذه الزيارة، فما هي أهداف الجبير، وماهي هي أبرز الدلالات؟
أهداف ودلالات
لطالما سعت الرياض لتحجيم دور سلطنة عمان في المنطقة عموماً، ودول مجلس التعاون على وجه الخصوص، لاسيّما بعد استضافة الاخيرة للمفاوضات، السرية ومن ثم العلنية، بين طهران وواشنطن عام 2013 دون علم الاخيرة، الامر الذي أثار إمتعاضها وتسبب بمزيداً من الفتور بين البلدين.
كذلك جاء موقف مسقط من عملية "عاصفة الحزم" ليعزّز الخلاف السعودي العماني حيث رفضت الاخيرة المشاركة في التحالف العربي، وطالبت بإيجاد حل سياسي للأزمة خلافاً لرؤية الرياض العدوانية. بادئ ذي بدء، رفضت السعودية الحديث عن أي مبادرة عمانية، إلا أن فشل الرياض في تحقيق أهدافها عبر العدوان العسكري، أجبرها على القبول بالوسيط العماني، وهذا الفشل نفسه هو الذي أجبر عادل الجبير على زيارة سلطنة عمان حالياً.
تأتي اليوم زيارة الجبير في ظل جملة من المتغيرات بدءاً من سوريا وإنتهاءاً باليمن، بإعتبار أنها تأتي بعد أسبوع واحد فقط على زيارة وزير الشؤون الخارجية في السلطنة إلى دمشق ولقائه الرئيس السوري بشار الأسد الامر االذي أثار إمتعاضاً سعودياً وهذا ما يمكن ملاحظته من كلام الجبير خلال كلمة له في منتدى حوار المنامة:"لا نشكك في نوايا سلطنة عمان ونحن على ثقة بأن ذلك جاء لتقريب وجهات النظر مع سوريا"، وكذلك قبل أسبوعين من إنعقاد المحادثات اليمنية المرتقبة بين حركة أنصار الله والحكومة المستقيلة.
عند الدخول في الأهداف والدلالات تجدر الإشارة إلى جملة من النقاط، أبرزها التالي:
أولاً: تعد هذه الزیارة نقطة ضعف بالنسبة للسعودیة التي کانت تعارض عمان و دورها ووساطتها في حل الملفات الإقلیمیة. الوزير العماني أكد على موقف بلاده خلا لقاء الجبير عندما أوضح أن "السلطنة تبذل جهوداً دبلوماسية لإيجاد حلّ سلمي في سورية واليمن"، وهذا ما تعلن رفضه الرياض.
ثانياً: تؤكد بعض الأوساط أن السعودي تسعى من خلال زيارة الجبير للتعرّف علی بعض التفاصیل المتعلقة بالإجتماع الذي سیعقد بعد اسبوعین بین حركة انصارالله والحکومة المستقیلة، خاصةً أن الظروف الدولية لم تعد مؤاتية لإستمرار العدوان السعودي.
ثالثاً: تعد هذه الزيارة إعترافاً رسيماً سعودياً بقبول دور عمان الوسطي في حلحلة الملفات الإقليمية، فضلاً عن كونها رسالة واضحة تؤكد فشل الرياض في عدوانها على اليمن، الأمر الذي دفعها لإستجداء الوسيط العماني الذي يمتلك باعاً طويلاً في حل الملفات الشائکة والمعقدة في المنطقة، فضلاً عن علاقاتها الوطیدة مع العديد من الأطراف اليمنية المناوئة للعدوان السعودي. تعد هذه الزيارة، في ظل الظروف الراهنة، إعترافاً سعودياً بدور سلطنة عمان الوسطي والريادي في المنطقة، بعد سنوات من رفض وعناد الرياض لدور مسقط التي تغرّد خارج السرب الخليجي.
رابعاً: لا ندري مدى قدرة مسقط على الدخول كوسيط بين السعودية وسوريا من ناحية، والسعودية واليمن من ناحية آخرى، فهل سينجح "السلطان" في تقريب وجهات النظر للوصول إلى إنهاء الوضع القائم، وبالتالي إخراج السعودية من المستنقع اليمني، وبناء جسر تواصل بين الرياض ودمشق. لا ندري، إلى أن كلام وزير الخارجية العماني خلال لقائه الجبير يؤكد سعي بلاده لذلك، فقد أوضح عقب لقائه نظيره السعودي على "سعي السلطنة من خلال الدبلوماسية الهادئة، ومن دون معارضة من أحد، وبالوسائل المحفزة للتقارب بين جميع الأطراف، من أجل الوصول الى حلول سياسية قائمة مع ضمان استمرارها".
لا ندري مدى إقتناع الرياض برؤية مسقط الدبلوماسية، إلا أنها مجبرة اليوم على الرضوخ إليها، لان الواقع الميداني في كل من سوريا واليمن يجري بخلاف الإرادة السعودية. بإختصار، إن زيارة الوزير عادل الجبير إلى مسقط عوانها الرئيسي "ضعف الدور السعودي".