الوقت - ينتهي الغزو العسكري الأمريكي لأفغانستان بعد حوالي 20 عامًا وتقترب أطول حرب في تاريخ هذا البلد من نهايتها، بينما وفقًا للسياسات الإعلامية للولايات المتحدة لم يجد هذا الخروج غير المجدي والمكلف تغطيةً واسعةً في الصحافة والفضاء الإلكتروني، وذلك لتجنب تشبيه هذا الهروب بما حدث في فيتنام.
وحسب ما يقال، ستغادر آخر القوات الأمريكية والأجنبية الأخرى أفغانستان في سبتمبر من هذا العام(سبتمبر وأكتوبر).
لكن هذين العقدين من الاحتلال لهما العديد من الزوايا والأحداث التي يمكن مقاربتها من زوايا مختلفة. وإحدى هذه القضايا المهمة تتعلق بالقواعد والهياكل التي استخدمتها قوات الاحتلال هذه والتي تم إخلاؤها سراً وفي جنح الليل.
ومن أهم هذه القواعد قاعدة بغرام الجوية، التي كانت أكبر قاعدة عسكرية أمريكية وأجنبية في أفغانستان منذ ما يقرب من عقدين.
تم بناء هذه القاعدة الجوية في الخمسينيات من القرن الماضي، مع تصاعد التنافس بين الشرق والغرب. بنيت قاعدة بغرام في ولاية "بروان"، وكان الاتحاد السوفيتي المزود الرئيسي للتكاليف المالية والتقنية لبنائها.
منذ البداية، تم تطوير هذا المطار كقاعدة عسكرية وكان له مدرج بطول 3 كم. وأحد الأحداث الرئيسة الأولى هناك وقع في عام 1959، عندما وصل الرئيس الأمريکي آنذاك أيزنهاور إلى كابول خلال رحلة عبر مطار بغرام.
كانت هذه الزيارة من أهم الأحداث في تلك الفترة، وتسببت في دفء العلاقات بين كابول وواشنطن لفترة ما. في ذلك الوقت، کان النظام الملكي يحکم أفغانستان، ومع تدفق المساعدات الأمريكية إلى البلاد حتى أوائل السبعينيات تقريبًا، عاشت العلاقات الحميمة مع واشنطن.
بعد انقلاب عام 1973 والإطاحة بالنظام الملكي والعديد من عمليات الانتقال داخل السلطة، تحول الوضع في النهاية إلى صعود أنصار الاتحاد السوفيتي السابق. وموسكو، التي رأت الفرصة مناسبةً للاقتراب من الينابيع الساخنة، بدأت في النهاية تحركًا عسكريًا في هذا البلد.
في الثمانينيات، أثناء الغزو العسكري لأفغانستان من قبل الاتحاد السوفيتي السابق، كانت قاعدة بغرام الجوية واحدة من أهم النقاط لدخول القوات العسكرية السوفيتية إلى أفغانستان وتنفيذ الرحلات الجوية القتالية في ذلك العقد.
بعد انسحاب القوات السوفيتية من أفغانستان، استمرت هذه القاعدة في العمل كمركز عسكري مهم للحكومة الأفغانية، ومع سقوط الحكومة وبداية الصراع على السلطة داخل هذا البلد، بدأت السيطرة علی هذا المطار تنتقل من مجموعة إلی أخری.
خلال التسعينيات، سيطر کل من طالبان وقوات التحالف الشمالي علی قاعدة بغرام الجوية مرارًا وتكرارًا، وكانت هذه الاشتباكات في بعض الأحيان بحيث أن جزءًا من المطار کان في أيدي مجموعة وجزء آخر في أيدي المجموعة الأخری، وکان الطرفان يشتبکان معًا بالأسلحة الخفيفة والثقيلة داخل القاعدة.
الوجود الأمريكي في أفغانستان؛ بغرام مركز عمليات المحتلين
خلال الاحتلال الأولي للولايات المتحدة وحلفائها، احتلت وحدات العمليات الخاصة البحرية والبرية البريطانية، إلى جانب نظيراتها الأمريكية، هذه القاعدة.
وبالنظر إلی الموقع الحساس لهذه القاعدة، كانت مسألة التطوير والتحديث، وخاصةً مدرج الطيران الخاص بها، على جدول أعمال الأمريكيين. فتمَّ بناء مدرج جديد محصن بطول حوالي 3500 متر في القاعدة الجوية، مع القدرة على استيعاب طائرات النقل الكبيرة مثل سلسلة C-5 و An-225.
كلَّف تطوير المدرج وإعداد القاعدة في عام 2006 الولايات المتحدة حوالي 96 مليون دولار. وتقدر التكلفة الإجمالية لتطوير هذه القاعدة بنحو 220 مليون دولار.
إضافة إلى طائرات النقل المختلفة، تواجدت في هذه القاعدة طائرات مقاتلة مختلفة مثل طائرات بدون طيار من سلسلة MQ-9، وطائرات هليكوبتر من طراز بلاك هوك وطائرات الدعم القريب من طراز A-10 وقاذفات F-15 و F-16، وشنت هجماتها من هذه القاعدة.
تطورت القاعدة بسرعة، وأصبحت أكبر قاعدة للقوات الأجنبية داخل أفغانستان. وفي عام 2009، تم تحويل القاعدة نوعًا ما إلى بلدة صغيرة يبلغ عدد سكانها 10 آلاف نسمة.
الجانب المظلم لقاعدة بغرام
لكن هذه القاعدة الجوية، إلى جانب النقاشات العسكرية، لها قضايا مظلمة جعلتها سيئة السمعة على مر السنين الماضية.
من أوائل الحوادث التي تسببت في اشتهار هذه القاعدة، كانت معتقل بروان. أنشئ هذا المعتقل منذ بداية وجود القوات الغربية في هذه القاعدة تقريبًا، وتم نقل سجناء تابعين لطالبان والقاعدة إليه. وفي عام 2002، أُعلن عن وفاة اثنين من المعتقلين في المعتقل نتيجة التعذيب على أيدي القوات الأمريكية والإهمال المتعمد من قبل المحتلين الغربيين.
لسنوات عديدة، وخاصةً في عهد جورج بوش الابن، لم يتم الاعتراف بأسرى هذه القاعدة كأسرى حرب، ونتيجةً لذلك لم يتمتعوا بالحقوق المنصوص عليها في اتفاقية جنيف.
والعديد من الأشخاص الذين كانوا في هذا السجن خلال فترات مختلفة، اشتكوا من حالات مختلفة من التعذيب وسوء المعاملة ونقص المرافق. وفي كثير من الحالات، شُبِّه هذا المعتقل بسجن أبو غريب في العراق وسجن غوانتانامو في كوبا.
اللافت للنظر أنه خلال رئاسة أوباما تضاعف عدد المعتقلين في هذا المركز خمسة أضعاف. وأخيرًا، مع احتجاجات عام 2013، تم نقل السيطرة على مركز الاحتجاز هذا رسميًا إلى الجانب الأفغاني.
لكن في عام 2010، ظهرت إحدى القصص المعتادة عن الجيش الأمريكي، في قاعدة بغرام هذه المرة. وفقاً لتقرير نشر في عام 2009، تعرض 45 من أفراد القوات الجوية الأمريكية للاعتداء الجنسي في هذه القاعدة، وفي كثير من الحالات کان الضحايا يعرفون المعتدي.
وفي كثير من الحالات، استخدم المهاجمون الظلام في أجزاء معينة من القاعدة لمحاصرة الضحايا، ما دفع القوات الجوية الأمريكية إلى تركيب عدد من الألواح الشمسية لتزويد الكهرباء لإضاءة المواقع المعنية.
رحيل غريب للأمريكيين من قاعدة بغرام
حسب المحادثات التي جرت العام الماضي في الدوحة بقطر بين طالبان والحكومة الأمريكية، كان من المقرر أن تنسحب القوات الأجنبية بالكامل من أفغانستان في ربيع هذا العام.
ومع وصول بايدن إلى السلطة في الولايات المتحدة، تقرر أخيرًا أن يتم الانتهاء من انسحاب القوات الأمريكية بحلول 11 سبتمبر من هذا العام.
بدأ الأمريكيون إخلاء قاعدة بغرام الجوية هذا الربيع؛ وأخيرًا، في يوم الجمعة 4 يوليو، وفي الليل وبعد قطع كامل للتيار الكهربائي، غادرت آخر القوات المعنية قاعدة بغرام دون إطلاع القوات الأفغانية المتمركزة في القاعدة، ليمنعوا بهذه الطريقة نشر صور هذه الهزيمة.
وبعد إخلاء القاعدة، اتضح أن الأمريكيين قد تركوا كميةً كبيرةً من المعدات مثل بعض السيارات والمعدات الرياضية وكميةً كبيرةً من القمامة والمواد الخطرة في القاعدة.
حالياً، الجيش الأفغاني موجود بشكل كامل في القاعدة ويتطلع إلى تجهيز المكان لاحتياجاته، ليُغلَق بهذه الطريقة ملف أكبر قاعدة عسكرية أمريكية في أفغانستان في 2 يوليو 2021 إلى الأبد، رغم قتل الأبرياء في أفغانستان والضرر الكبير الذي لحق بهذا البلد سيظل مفتوحًا لسنوات عديدة.