الوقت - كان أحد إنجازات الحرب الأخيرة في قطاع غزة هو ظهور الإمكانات الخفية لرئيس المكتب السياسي لحركة حماس في قطاع غزة. الشخص الذي أطلق سراحه من السجون الإسرائيلية عام 2011 بعد عملية تبادل للأسرى، ودخل على الفور المكتب السياسي لحركة حماس نتيجة سجله النضالي الحافل.
ورغم أن القادة الفلسطينيين وحتى الكيان الصهيوني يعرفون شخصية السنوار معرفة دقيقة قبل حرب غزة، لكن سلوك السنوار الشجاع أثناء الحرب وبعدها وخطاباته القوية أدخلت الرعب داخل معسكر الصهاينة. ولأن إسرائيل تخشى الوجه الكاريزمي لإحدى الشخصيات البارزة الأخرى في المقاومة لا تريد أن ترى نسخة طبق الأصل للأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله في غزة.
وفي هذا السياق، أعلنت وسائل إعلام الكيان الصهيوني عن تشكيل فريق خاص لإعادة تقييم شخصية السنوار. حيث كتبت صحيفة هآرتس الصهيونية في عددها الصادر يوم الاثنين أن الدوائر الأمنية في مرحلة ما بعد غزة أعدت ملفا جديدا ليحيى السنوار قائد حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية في قطاع غزة، لأنهم توصلوا إلى استنتاج قطعي مفاده بأن نهج سنوار وأداءه بعد العدوان الأخير على قطاع غزة بات مختلفاً ويظهره كقائد غير قابل للتنبوء!
وأضافت، نظرا لأهمية شخصية السنوار للكيان الصهيوني، فإن أجهزة التجسس الإسرائيلية وكبار ضباط الجيش وكذلك كبار المسؤولين من جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي (الشاباك)، وكبار خبراء علم النفس وخبراء لغة الجسد ومحللي مختلف الخطابات سيشاركون في كتابة الملف الجديد للسنوار.
من هو السنوار؟
انتخب يحيى السنوار في 13 شباط 2017 رئيسا للمكتب السياسي لحركة حماس في قطاع غزة. وهو أحد مؤسسي جهاز الأمن التابع لحماس (مجد)، الذي تتمثل مسؤوليته الأساسية في ملاحقة واحتجاز الجواسيس الإسرائيليين.
وعاد السنوار إلى منصبه السابق كأحد قادة حركة حماس البارزين وأصبح عضوا في المكتب السياسي للحركة بعد إطلاق سراحه من السجون الإسرائيلية خلال عملية تبادل للأسرى مقابل جلعاد شاليط عام 2011. وبصفته ممثلاً لكتائب عز الدين القسام في المكتب السياسي، كان مسؤولاً عن التنسيق بين المكتب وقيادة هذه الكتائب.
وكان السنوار قد أصدر الأوامر في نهاية العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة عام 2014 بإجراء تحقيق وتقييم واسع لقادة حماس الميدانيين، حيث أسفر ذلك عن إقالة عدد من القادة الميدانيين البارزين في حماس. وفي سبتمبر 2015، وضعت الولايات المتحدة الأمريكية السنوار على قائمتها للإرهاب الدولي.
أبعاد شخصية السنوار التي أرعبت الصهاينة
تدعي هذه الصحيفة الصهيونية أن شخصية السنوار أصبحت مختلفة في الأشهر الأخيرة عما كان قد توصل إليه الإسرائيليون، وأن شخصيته البراغماتية أصبحت شخصية تتخذ القرارات العاجلة.
إلقاء نظرة على مختلف تقارير وسائل الإعلام الصهيونية يظهر أن شخصية السنوار في الأبعاد التالية تشكل خطورة على الإسرائيليين.
الف: شخصية السنوار الكاريزمية في عموم فلسطين
تحول السنوار في حرب غزة الى القائد العربي الوحيد المستعد لخوض الحرب ضد إسرائيل دفاعاً عن القدس. كان هذا امتيازاً كبيراً بين الرأي العام. وأضاف المصدر الأمني: جذب السنوار انتباه واستغراب الكثير في الرأي العام ليس كسياسي بل كشخص دافع عن القدس في حرب شاملة. وتؤكد مصادر صهيونية أن السنوار، خلافا لغيره من قادة حركة حماس، يعتبر نفسه زعيم جميع ابناء الشعب العربي والفلسطيني في غزة والضفة الغربية والأراضي المحتلة عام 1948.
لعبت الخطابات الحماسية والمؤثرة التي ألقاها السنوار مؤخرا دورا مهما في إثارة مخاوف الكيان الصهيوني. وأشاد في إحدى خطاباته بالعرب القاطنين في فلسطين المحتلة وعرب القدس، مؤكدا أنهم هم الذين وقفوا وحموا المسجد الأقصى ومنطقة الشيخ جراح، وأثبتوا أن محاولات الكيان الصهيوني للتهويد واجهت الفشل جميعها.
ب: المعنوية الشعبية والنضالية
ومن القضايا الأخرى التي أثارت مخاوف الكيان الصهيوني حضور السنوار في زيارة ميدانية لشوارع غزة دون إجراءات أمنية كبيرة ولقائه بالعديد من الفلسطينيين الذين فقدوا منازلهم نتيجة الهجمات الصهيونية. حيث قال مسؤول أمني إسرائيلي في هذا السياق إنه من المستغرب كيف اقترب الفلسطينيون منه وخطوته في اقامة احتفالات ما بعد الحرب، وهو سلوك لم نشهده للسنوار من قبل.
وأكد المسؤول الأمني أن صور السنوار جالسا على كرسي أمام منزله المدمر بعد العدوان الإسرائيلي الأخير على غزة تظهر الغرض من نشرها، وأنه يريد ان يقول لجميع الفلسطينيين وحتى العرب المقيمين في الاراضي المحتلة. ان منزله دمره المحتلون الاسرائيليون مثل باقي منازل الفلسطينيين. كان للصورة تأثير كبير على الرأي العام الفلسطيني، وبعد نشرها على مواقع التواصل الاجتماعي، نشر العديد من الفلسطينيين صوراً لهم جالسين على كرسي مشابه لذلك المشهد تضامناً مع السنوار.
ج: المقدرة الكبيرة في الحرب النفسية
وتحذر مصادر صهيونية من أنه على الرغم من الخسائر الفادحة التي تكبدتها حماس خلال أيام النضال، إلا أن الشعب الفلسطيني نتيجة خطوات وخطابات السنوار توصل إلى الاعتقاد بأن السنوار قد انتصر في الحرب. ولم يستسلم للجيش الإسرائيلي وأوجد التضامن بين غزة والقدس.
فرفع في إحدى خطاباته مستوى الرعب لدى الرأي العام الإسرائيلي واكد: أنا واثق من أن إخواننا في الأراضي المحتلة داخل إسرائيل سيدخلون الانتفاضة. أنا مقتنع تماما بأن لدينا أكثر من 10 الاف شخص على استعداد لمحاربة إسرائيل داخل الأراضي المحتلة.
د: اتخاذ مواقف حازمة
اتخاذ مواقف حازمة هو عنصر آخر في شخصية السنوار والذي أثار المخاوف بين الإسرائيليين. فبعد حرب غزة، عقد اجتماعا قصيرا مع مبعوث الأمم المتحدة إلى الشرق الأوسط تور وينسلاند، لكنه سرعان ما دعا إلى إنهاء الاجتماع ومغادرة وينسلاند من غزة بسبب "فوقية هذا الشخص" وقال كان هذا اللقاء سيئاً.
ه: تنسيق كامل مع الجناح العسكري لحركة حماس
تقدم المصادر الصهيونية عاملاً آخر من دواعي قلق الكيان الصهيوني وهو التنسيق الكامل ليحيى السنوار مع كتائب الشهيد عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة حماس، وتعتقد أن وجه التباين بينه وبين محمد الضيف قائد هذه الكتائب قد زال.
و: الرغبة في الشهادة
الرغبة في الشهادة لدى السنوار نقطة أخرى اثارت اهتمام الدوائر الأمنية في الكيان الصهيوني. فعندما هدد وزير الحرب الصهيوني بني غانتس باغتيال السنوار، رد بالتقليل من شأن تلك التهديدات وقال: أفضل هدية يمكن أن يقدمها لي هي اغتيالي. ويضيف ساخرا من التهديد: أنا الآن سأغادر من هنا بالسيارة وأعود إلى المنزل. بالطبع، الصهاينة يعرفون أين أسكن، لذلك أنا في انتظارهم!
تأثير أبعاد شخصية السنوار على قرارات الكيان الصهيوني
أثارت ابعاد شخصية يحيى السنوار مخاوف الكيان الصهيوني، وأثرت على القرارات الكبرى لقادة هذا الكيان، ويعتقد المسؤولون الأمنيون الإسرائيليون أنه بالنظر إلى التغييرات في شخصية السنوار، يجب على الأجهزة الأمنية الإسرائيلية تغيير سياسة هذا الكيان تجاه قطاع غزة.
وصرح مسؤول أمني إسرائيلي لصحيفة "هآرتس" أنه من وجهة نظر إسرائيل، فإن التغييرات الأخيرة في سلوك يحيى السنوار جعلت منه قائداً خطيراً للغاية وأن هناك حاجة ملحة لاتخاذ قرار بشأن السياسات المستقبلية للكيان الصهيوني تجاه قطاع غزة.
وتستشهد هآرتس بمثال على التغييرات الاستراتيجية للكيان الصهيوني في ضوء التصورات الحالية عن شخصية السنوار، وكتبت أن تأجيل ما يسمى بمسيرة الاعلام في القدس المحتلة حدث لأول مرة نتيجة اتخاذ صناع القرار في تل أبيب تهديدات حماس والسنوار نفسه بإطلاق الصواريخ على الجزء الصهيوني من القدس المحتلة على محمل الجد في حال اقامة هذه المسيرة.
وأشار هذا المسؤول الصهيوني إلى دور السنوار في هذا القرار الإسرائيلي وقال: كان هذا الأمر الذي نخاف منه ولدينا تحفظ تجاهه فنحن نخاف من القائد الذي تحول الى قائد لا يمكن التنبؤ به.
ينبع قلق إسرائيل العميق من ظاهرة السنوار من تجربة تل أبيب مع الشخصية الكاريزمية للسيد حسن نصر الله، الذي بات، حسب وسائل الإعلام الإسرائيلية، مقبولا لدى الصهاينة أكثر من قادتهم و يأخذون تهديداته على محمل الجد. لذلك، يخشى الإسرائيليون من أن يصبح الصنوار نصرالله آخر ، وهي ظاهرة لم يتمكنوا بعد من التخلص منها رغم الادعاءات والتهديدات المتكررة وتعبئة كل الإمكانات الأمنية والعسكرية للكيان الصهيوني.
وفي ظل هذه الاوضاع، تتصاعد المخاوف في الأراضي المحتلة تجاه قيادة السنوار في حماس بسبب الأسلحة الكبيرة التي تمتلكها الحركة، بينما الوضع في قطاع غزة يسير بشكل طبيعي وسعي قوى المقاومة إلى زيادة قوتها لتحقيق هدفها الرئيسي والنهائي.