الوقت - قام رجب طيب أردوغان بزيارة رسمية لمدة يومين إلى "جمهورية شمال قبرص التركية" المزعومة في 19 يوليو 2021، عشية عيد الأضحى. وقبل الشروع في هذه الزيارة، قال أردوغان إن "أنباء سارة" في الطريق.
زيارة الرئيس التركي لقبرص الشمالية في هذا التوقيت، هي زيارة مثيرة للجدل وذات أهداف رمزية وسياسية محددة من وجهة نظر المراقبين السياسيين. وخاصةً أنها تتزامن مع فشل مساعي أردوغان للدخول في عملية خفض التصعيد مع الدول الأوروبية، وهذا يضاعف أهمية الزيارة.
وأثناء الزيارة، وخلال کلمته في جلسة خاصة لبرلمان جمهورية شمال قبرص التركية، اعتبر أردوغان وحدة هذه الجمهورية المعلنة من جانب واحد فوق كل الاعتبارات السياسية، وأكد: "اليوم نعلن مرةً أخری للعالم أجمع الأخوة الأبدية بين تركيا وجمهورية شمال قبرص التركية التي تستمد قوتها من دماء شهدائنا."
وهکذا، من خلال السفر إلى قبرص الشمالية في عيد الأضحى، أحد أهم الأعياد الإسلامية، يبدو أن أردوغان قد أرسل إشارات ورسائل رمزية إلى الأوروبيين.
رسائل أردوغان غير المباشرة إلى أوروبا
في لمحة عامة، يمكن النظر إلى زيارة أردوغان إلى قبرص الشمالية علی أنها تحمل بعدين: أهداف رمزية وسياسية.
على المستوى "الرمزي"، تمت زيارة أردوغان لقبرص الشمالية في مناسبتين مهمتين. يصادف يوم 20 يوليو الذكرى السنوية السابعة والأربعين للتدخل العسكري التركي(الذي تسميه قبرص اليونانية "هجومًا عسكريًا").
اللافت أن أردوغان تحدث في برلمان قبرص الشمالية في اليوم نفسه، باعثًا برسالة رمزية إلى الدول الأوروبية لتحذيرها من قوة تركيا العسكرية.
کما أن الزيارة إلى الجزء التركي لقبرص في عيد الأضحى، تعدّ نوعًا من التأکيد على كون المنطقة مسلمةً، وتأييدًا لفصل الهوية في قبرص. ولفهم هذه الرسائل الرمزية، من الضروري معرفة النهج المزدوج لأوروبا وتركيا تجاه قضية قبرص.
حصلت جمهورية قبرص على استقلالها عن بريطانيا عام 1960، وأنشئت حكومة قبرص المستقلة على أساس مشاركة الجاليتين التركية واليونانية في إدارة هذه الجزيرة، وضمنت بريطانيا واليونان وتركيا سيادة الحكومة القبرصية.
لكن مع تدخل الجيش التركي ردًا على انقلاب الميليشيات القومية اليونانية، تم تقسيم الجزيرة إلى الجزء الشمالي التركي والجزء الجنوبي اليوناني منذ عام 1974.
ويشير مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة إلى الجزء الشمالي من قبرص على أنه "الجزء المحتل من قبرص"، وتركيا هي الدولة الوحيدة التي تعتبر هذه المنطقة دولةً مستقلةً.
الآن وقد سافر أردوغان إلى الجانب التركي باعثًا برسالة رمزية لدعم تقسيم قبرص إلى دولتين مستقلتين، فقد تحدى بوضوح سياسة الاتحاد الأوروبي تجاه هذه الجزيرة.
الجزء الجنوبي من الجزيرة خاضع لسيطرة "جمهورية قبرص"، التي لديها حكومة قبرصية يونانية، وهي عضو في الاتحاد الأوروبي منذ عام 2004، وانضمت إلى منطقة اليورو في 1 يناير 2008.
والآن في تحرك رمزي يدلي أردوغان بموقف واضح تجاه عضو حيوي في الاتحاد الأوروبي، داعياً إلى استقلال الجالية المسلمة فيه. الأمر الذي يمکن اعتباره معارضة السياسة الخارجية لتركيا للمواقف الرئيسة للاتحاد الأوروبي بشأن القضية القبرصية.
وعلى الصعيد "السياسي" أيضاً، خلال زيارته لقبرص، بعث أردوغان رسالةً واضحةً للدول الأوروبية مفادها بأن إحجامهم عن التوصل إلى اتفاق وتهدئة التوترات مع تركيا، سيقودها إلى معارضة سياساتهم في أوروبا الشرقية والبلقان.
في الواقع، أوضح أردوغان خلال زيارته أن أنقرة تدعم الآن أكثر من أي وقت مضى خطة "دولتين منفصلتين" في قبرص. وفي الحقيقة، أرسل أردوغان رسالةً واضحةً إلى الدول الأوروبية تقول مفرداتها إن أنقرة ستدعم التقسيم الكامل لقبرص الشمالية، وتنتقد بشدة قضية الوحدة والتعاون مع قبرص اليونانية.
وفي هذا السياق، أكد أردوغان في تصريحاته لأعضاء برلمان قبرص الشمالية: "إن التاريخ والتجارب المؤلمة التي اكتسبناها في هذه العملية، أوضحت للجميع أن الجزء اليوناني لا يرغب في تشكيل حكومة تشاركية. والحل العادل والدائم في قبرص، يمكن فقط أن يكون نهجًا قائمًا على حقائق الجزيرة. ولم يعد من الممكن تصديقهم وخسارة 50 سنة أخرى".
تحمل هذه التصريحات رسالةً سياسيةً نوعًا ما مفادها بأن أردوغان لا يعرف أي حدود لدعم قبرص الشمالية، بل ويعتبر المفاوضات مع الجانب اليوناني غير صحيحة. وستتضح أهمية هذه القضية أکثر فأکثر عندما نتذکر أن قبرص عضو في الاتحاد الأوروبي.