الوقت- انتشرت هذه الأيام على نطاق واسع أنباء عن استخدام برامج تجسس إسرائيلية لاختراق هواتف القادة السياسيين والصحفيين والمواطنين العاديين. وفقًا لتحقيقات 17 ناشطا إعلاميًا، تم استخدام برامج التجسس الإسرائيلية الضارة لاختراق 37 هاتفًا خلويًا تخص صحفيين ومسؤولين حكوميين ونشطاء حقوقيين في جميع أنحاء العالم، كما تم إدراج معلومات من أقارب خاشقجي في القائمة. وفي الوقت نفسه ، تم ذكر اسم برنامج التجسس الخبيث "Pegasus" المرخص من قبل "NSO Group" في إسرائيل، أكثر من أي برمجيات خبيثة أخرى. لكن، أكثر من أي مجال آخر في العالم، فإن التعاون الجاسوسي بين الكيان الصهيوني والأنظمة العربية له أهمية خاصة. فعلى الرغم من وجود أدلة كثيرة على عقود من التعاون الاستخباراتي والأمني والتجسسي بين الأنظمة العربية وتل أبيب، إلا أن تطبيع العلاقات بين بعض الأنظمة العربية والكيان الصهيوني بدأ يساعد في الحفاظ على سلطة الحكام في السيطرة على التهديدات الخارجية وقمع المواطنين في الداخل.
تاريخ التعاون التجسسي بين الكيان الصهيوني والدول العربية
ربما كان التعاون التجسسي العربي مع الكيان الصهيوني قائماً بشكل غير محسوس خلال العقدين الماضيين، لكننا الآن نرى أن هذا التعاون قد وصل إلى مرحلة أنه يصبح علنيًا أكثر فأكثر في السنوات الأخيرة. وقد كشفت صحيفة نيويورك تايمز في تقرير استقصائي أن الرياض والكيان الصهيوني تعاونا واستخدما برنامجًا للتجسس على المواطنين السعوديين داخل وخارج البلاد. في الواقع، هناك أدلة على أن الكيان الصهيوني سمح سراً لمجموعة من الشركات المتخصصة في برامج التجسس بالعمل لمصلحة الحكومة السعودية. وفقًا لصحيفة نيويورك تايمز، ألغت مجموعة الإنترنت الإسرائيلية UNASOV عقودها مع السعودية في عام 2018 بعد اغتيال الصحفي السعودي المعارض جمال خاشقجي، لكن الحكومة الصهيونية شجعت الشركة وشركتين أخريين على مواصلة التعاون مع الرياض. وقد أصدر المسؤولون الصهاينة، ورغم مخاوفهم من انتهاكات حقوق الإنسان، ترخيصًا جديدًا لشركة رابعة للتعاون مع الرياض في أنشطتها التجسسية. تأسست NSO في عام 2008 من قبل أشخاص يقال إنهم أعضاء سابقون في وحدة المخابرات الإسرائيلية البالغ قوامها 8200 فرد. يُعتقد أن برنامج التجسس Pegasus التابع لشركة NSO، والذي يُباع حصريًا للوكالات الحكومية، قد لعب دورًا مهمًا في اختراق الهواتف المحمولة للنشطاء السياسيين والمعارضين في دول الخليج. ويمكن لهذا البرنامج تسجيل محتويات الهاتف، وكذلك التحكم في الميكروفون والكاميرا.
إضافة إلى السعودية، تم التوسط شخصيًا مع شخصيات حكومية إسرائيلية في السنوات الأخيرة، لتقديم شركة NSO الإسرائيلية إلى الإمارات، إضافة إلى السعودية، وفقًا لصحيفة هآرتس. ويقال إن الشركة وقعت عقودًا بمئات الملايين من الدولارات سنويًا مع دول الخليج، بما في ذلك البحرين وعمان والسعودية وإمارتي رأس الخيمة وأبو ظبي في الإمارات. عقد واحد فقط من هذه المجموعة كان بقيمة 250 مليون دولار. حتى في عام 2016، كشف مختبر Citizens Lab Research في كندا عن استخدام أداة تجسس تسمى Pegasus لتعقب الناشط الإماراتي في مجال حقوق الإنسان أحمد منصور، وأن الاستعدادات لاعتقاله قد تمت من خلال اختراق هاتف iPhone الخاص به. على صعيد آخر، تحدث مسؤولون إسرائيليون ووسائل إعلام تابعة للكيان عن تعاون تجسسي وأمني بين تل أبيب والمغرب على مدى ستة عقود، بلغ ذروته بدخول البلاد حالة تطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني. في هذا الصدد، كتب يوسي ميلمان، مراسل المخابرات الإسرائيلية المتمرس ومؤلف عدة كتب عن الموساد، في مقال في صحيفة هآرتس، أن وجود الموساد في المغرب كان أيضًا قاعدة لعمليات في أجزاء أخرى من إفريقيا.
تطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني بإنجاز أمني لا اقتصادي
تثير تقارير التعاون التجسسي بين الأنظمة العربية والكيان الصهيوني في السنوات القليلة الماضية قضية مهمة للمراقبين السياسيين وهي أن تطبيع العلاقات بين الكيان الصهيوني والدول العربية ، خلافًا للادعاءات حول الإنجازات الاقتصادية والتقدم التكنولوجي للدول العربية، لم يساعد في المجال الأمني إلا على تعزيز القوة القمعية للأنظمة الرجعية للإمارات والبحرين والسعودية ضد مواطنيها. في الواقع، سعى النظامان العربي وتل أبيب إلى استخدام أدوات التجسس التي يمتلكها الكيان للسيطرة على خصومه في الداخل والخارج، بدلاً من السعي إلى تطبيع العلاقات السياسية والبحث عن فرص اقتصادية.
تعاون الكيان الصهيوني الأمني في قمع الديمقراطية في العالم العربي
على مدى العقود الماضية، لطالما أشار الأمريكيون والدول العربية إلى الكيان الصهيوني باعتباره رمزًا لدولة ديمقراطية في منطقة غرب آسيا وتحدثوا دائمًا عن هدفهم المتمثل في تعزيز الديمقراطية على المستوى الإقليمي. لكن التقارير المنشورة الآن تثبت مرة أخرى أن الكيان الصهيوني أصبح الداعم الرئيسي لديكتاتوريي المنطقة والأنظمة الموروثة العربية. إن تعاون الكيان مع حكام الأنظمة العربية في ضبط وقمع خصومه في الداخل والخارج يظهر كيف تنوي تل أبيب مرافقة الحكام العرب الفاسدين في قمع وتدمير الحركة المؤيدة للديمقراطية.
عدم وجود أصل شعبي لتطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني
إن تعاون النظام الصهيوني التجسسي مع حكام الدول العربية لقمع المواطنين يظهر بوضوح أن تطبيع العلاقات بين الجانبين، والذي أصبح رسميًا في عام 2020، يفتقر إلى أي دعم شعبي. إذ إن تطبيع العلاقات ما هو إلا نتيجة خيانة وجهود الحكام العرب الفاسدين للحفاظ على سلطتهم. في الواقع، يُظهر دعم تل أبيب للتدابير القمعية في الديكتاتوريات العربية المؤيدة للتسوية أن القادة الصهاينة قلقون للغاية بشأن عملية التطبيع إذا تم تشكيل حكومات ديمقراطية في الدول الإسلامية.