الوقت_ من المعروف أنّ الولايات المتحدة أفرجت عن التقرير السريّ للاستخبارات الأمريكيّة قبل أشهر، والذي كشف أنّ ولي العهد السعوديّ، محمد بن سلمان (الحاكم الفعليّ في المملكة)، أجاز عملية اغتيال الصحافيّ السعوديّ المعارض، جمال خاشقجي، في قنصلية بلاه بإسطنبول عام 2018، وما تبع ذلك من معلومات تؤكّد أنّ سعوديين مشاركين في تلك الجريمة البشعة تلقوا تدريبات شبه عسكريّة في أمريكا قبل الحادثة بعام واحد، بموجب عقد أقرته وزارة الخارجية الأمريكيّة، لتعود القضية الدوليّة مؤخراً إلى الواجهة من جديد، بعد أن كشفت صحيفة "الغارديان" البريطانيّة، أن السعودية وحليفتها الإمارات استخدمتا برنامج "بيغاسوس" الصهيونيّ للتجسس على عائلة الصحافي جمال خاشقجي، حيث تتكشف المعلومات بشكل مستمر حول القضية التي شغلت معظم دول العالم وكشفت اللثام عن حقيقة النظام الحاكم في بلاد الحرمين.
تغيب قضية الصحافيّ السعوديّ لتعود بقوة مع معلومات جديدة، لتُفشل محاولات السعودية ممثلة بمحمد بن سلمان للتنصل من جريمة تقطيع الصحافيّ السعوديّ المعروف، الذي كان مقيماً في الولايات المتحدة ويكتب في صحيفة “واشنطن بوست" الأمريكيّة، حيث كشفت الغارديان أدلة جديدة حول القضية وهي أن البرنامج الإسرائيليّ "بيغاسوس" استخدم لمراقبة الأشخاص المقربين من جمال خاشقجي قبل وبعد وفاته، وفي واحدة من الحالات، تم اختراق هاتف واحد في الدائرة القريبة منه بعد أربعة أيام من مقتله.
وفي هذا الشأن، فإنّ التحقيق كشف محاولة السعودية وحليفتها الاستفادة من برنامج التجسس الصهيونيّ بعد مقتل خاشقجي لمراقبة المقربين منه إضافة للتحقيق التركي، واختارتا المدعي العام في إسطنبول كهدف محتمل للرقابة، وفي الوقت الذي استخدم فيه زبائن شركة (NSO) الصهيونيّة البرنامج لاستهداف المقربين من الصحافيّ السعوديّ المعروف بعد مقتله عام 2018 إلا أن هناك أدلة عن استهداف زوجته، حنان العتر، في الفترة الواقعة بين تشرين الثاني/ نوفمبر و18 نيسان/ إبريل من العام ذاته.
كذلك، كشفت عملية الفحص للهاتف الذي تستخدمه العتر أنها تلقت 4 رسائل تحتوي على روابط فيروسات مرتبطة ببيغاسوس، وأن الاستهداف جاء من دولة الإمارات دون أن يؤكّد الفحص ما إذا كان الجهاز قد اخترق أم لا، ونقلت الغارديان عن العتر قولها: "حذرني زوجي جمال قبل أن يحدث هذا، وهو ما يجعلني أفكر أنهم كانوا مطلعين على ما حصل لجمال من خلالي"، معبرة عن قلقها من مراقبة محادثاته مع المعارضين الآخرين من خلال هاتفها الشخصيّ،
أيضاً، كشف التحليل الجنائيّ أن هاتف خطيبة خاشقجي المواطنة التركية، خديجة جنكيز، تعرض للاختراق ببيغاسوس بعد 4أيام من مقتله في 6 تشرين الأول/ أكتوبر 2018، في ظل محاولات اختراق لهاتفها في شهر تشرين الأول/ أكتوبر 2018 وفي حزيران/ يونيو 2019، لكن العمليات لم تنجح على ما يبدو، ويشير تحليل البيانات إلى أن السعودية هي من تقف وراء محاولات اختراق هاتفها الشخصيّ، وذكرت جنكيز أنها لم تستغرب محاولات الاختراق، وكانت تتوقع ذلك.
يُذكر أنّ خديجة جنكيز وصفت الأحكام النهائيّة التي صدرت عن القضاء السعوديّ حول قضية خاشقجي بالـ "مهزلة"، متهمة سلطات البلاد بإغلاق الملف دون الكشف عن هويّة المخططين الفعليين للجريمة، مؤكّدة أنّ المجتمع الدوليّ لن يرضى بتلك الأحكام التي تهدف إلى إغلاق ملف الاغتيال دون أن يعرف العالم من هو المسؤول الحقيقيّ عن تلك الجريمة.
إضافة إلى ذلك، فإنّ هاتف صديق خاشقجي، مدير قناة الجزيرة السابق، وضاح خنفر، تعرض للاختراق من خلال البرنامج نفسه في تموز/ يوليو 2021، وتكشف التسريبات والتحليل الجنائي أن الرياض وحلفاءها استخدموا البرنامج الإسرائيليّ في المرحلة التي أعقبت مقتل جمال خاشقجي للتجسس على حملة المطالبة بتحقيق العدالة له ولمحاولة التجسس على التحقيق التركيّ الذي يسعى للحيلولة دون إغلاق القضية قبل تحقيق العدالة ومحاكمة المسؤولين عن تلك الجريمة التي نُفذت على أراضي تركيا، وقد قامت محكمة تركيّة في إسطنبول محاكمة غيابيّة لعشرين سعودياً متهماً باغتيال خاشقجي، بينهم النائب السابق لرئيس الاستخبارات، أحمد عسيري، والمستشار السابق في الديوان الملكيّ، سعود القحطاني، المقربان من ولي العهد، وقررت المحكمة عقد الجلسة الثانيّة في 24 نوفمبر/ تشرين الثانيّ الماضي، بعد الموافقة على لائحة اتهام قدمتها خطيبة خاشقجي، تطال 20 سعودياً، بتهم التعذيب الوحشيّ والقتل والتحريض.
كما استهدف برنامج التجسس كلاً من الصحفي الفلسطيني عزام التميمي، والأكاديمية والمعارضة السعودية مضاوي الرشيد، ونجل خاشقجي عبد الله، وكشف تحليل لهاتف الرشيد وجود أدلة عن محاولة اختراق في نيسان/ أبريل 2019 بدون أدلة عن اختراق ناجح لبرنامج التجسس الإسرائيلي، كما ورد اسم الناشط السعودي في بريطانيا، يحيى العسيري، الذي يوثق انتهاكات حقوق الإنسان في بلاده، وصديق خاشقجي ومساعد الرئيس التركيّ رجب طيب أردوغان، ياسين أقطاي، الذي بيّن في مقابلة له، أنه أبلغ المسؤولين الأمنيين في تركيا بأن هاتفه اخترق بعد مقتل خاشقجي وأن السعوديين كانوا يريدون رسم خريطة لروابط الصحافي المغدور، كذلك تمت محاولة اختراق جهاز المدعي العام التركي، عرفان فيدان، الذي اتهم بشكل رسميّ 20 سعودياً بالجريمة.
وما ينبغي ذكره، أنّ الصحفيّ السعوديّ، جمال خاشقجي، المقيم في الولايات المتحدة الأمريكيّة منذ عام 2017 والمعروف بانتقاداته للسلطات السعودية، قد اغتيل في 2 أكتوبر/ تشرين الأول عام 2018، داخل قنصليّة بلاده في اسطنبول التركيّة على يد فريق اغتيال سعوديّ خاص، فيما لم يتم حتى الآن العثور على جثته، وقد فشل محمد بن سلمان في التنصل من جريمة تقطيع الصحافيّ البارز وإثبات عدم صلته بجريمة القتل الشنيعة، فيما يظهر الوضع السياسي المتأزم الذي تعيشه مملكة آل سعود، مدى استماتة ولي العهد، لتصفية واقتلاع جذور معارضيه، حفاظاً على عرشه المتهالك، والتي أوصلته إلى تقطيع معارضيه وتهديد أرواح عائلاتهم وأطفالهم داخل البلاد، لإجبارهم على الخضوع لسياساته الرعناء والمتهورة.
نتيجة لكل ذلك، تؤكد الوقائع الجديدة أنّ وليّ العهد السعوديّ، محمد بن سلمان، يسعى منذ زمن إلى تكثيف التعاون مع الكيان الصهيونيّ الغاشم في مجال تقنيات التجسس، والتعاون مع تل أبيب في مجال الأمن والتقنيات، لأهداف كثيرة على رأسها إخفاء تورطه في جريمة قتل الصحافي، جمال خاشقجي، لأنّ العائلة المالكة في السعودية ترتعب من أدنى انتقاد لها، ولا توفر جهداً في التجسس على حسابات المستخدمين العاديين والبارزين، ومن ينسى فضائح تجسس السلطات السعوديّة على موقع التواصل الاجتماعيّ "تويتر"، واختراق حسابات لمعارضين، عندما قامت الرياض عبر عملاء لها داخل شركة تويتر، بكشف آلاف الحسابات التي تنتقد النظام السعوديّ وأفراداً في عائلة آل سعود، وهو ما دفع العديد من النشطاء إلى رفع دعاوى ضد الانقلابيّ ابن سلمان، ومسؤولين استخباراتيين في المحاكم الأمريكيّة.