الوقت - قبل أيام قليلة من استجوابها في البرلمان بشأن قضية استقبال زعيم جبهة البوليساريو، أعفى رئيس الوزراء الإسباني، بيدرو سانشيز، يوم السبت، وزيرة الخارجية، أرانشا غونزاليس لايا، من منصبها، حيث ربط الإعلام الإسباني ومحللون رحيلها بما وصف بـ"سوء إدارة" الأزمة الدبلوماسية مع الرباط.
وتم تعيين سفير إسبانيا في فرنسا، خوسيه مانويل ألبايس، وهو سفير محنك خدم بعدة دول، في منصب وزير الخارجية. وهو الرجل الذي يوصف في الأوساط الدبلوماسية الإسبانية بأنه يعرف المغرب جيدا وله من التجربة ما يكفي ليحدث انفراجا في الأزمة الدائرة منذ أشهر وتهدد بقطيعة في العلاقات.
ويوصف ألبايس، بحسب الدبلوماسيين الإسبان، بأنه يتعامل بودية وله بروفايل سياسي متميز ما دفع سانشيز إلى الاستعانة به. وتقول صحيفة "اي بي سي" الإسبانية إن ألبايس كان مستشارا دبلوماسيا لرئيس الوزراء ويعد مفاوض الظل بشأن السياسة الخارجية، لذلك يستغرب لماذا لم يعين في المنصب بدل لايا في الحكومة الأولى.
وقالت مصادر اسبانية أن المهمة السياسية ذات الطابع المستعجل لوزير الخارجية الإسباني الجديد تتمثل في إعادة العلاقات مع المغرب بعد أزمة تدفق المهاجرين إلى مدينة سبتة المحتلة، وقبلها تداعيات استقبال زعيم جبهة البوليساريو إبراهيم غالي في إسبانيا.
وفي أول تصريح له بعد تسلم مقاليد وزارة الخارجية الإسبانية، وصف خوسيه مانويل، المملكة المغربية بـ"الصديق الكبير".
واختار الوزير الإسباني، خلال حفل تسلم السلطة من سلفه أرانشا غونزاليس لايا، توجيه رسائل ودية إلى الجارة الجنوبية المغرب، في مُحاولة إلى إذابة الجليد بين البلدين.
وخلال الحفل، شدد خوسيه مانويل على ضرورة العمل مع شركاء وأصدقاء إسبانيا وتعزيز علاقاتها، خاصة مع المغرب، بحسب ما نقلته الصحافة الإسبانية.
وتأججت الأزمة الدبلوماسية بين مدريد والرباط، على خلفية دخول زعيم جبهة البوليساريو الانفصالية، إبراهيم غالي إلى الأراضي الإسبانية قصد العلاج، واستخدامه جواز سفر مزورا.
وبعد أن اكتشفت الاستخبارات المغربية، على الفور، وجود غالي بإسبانيا للعلاج، بدأ صراع دبلوماسي فتح بسببه المغرب الحدود مع الجيب الإسباني سبتة ما سمح بوصول آلاف المهاجرين، بحسب إلموندو. وكان المغرب قد عبر بشكل رسمي عن أسفه لموقف إسبانيا التي تستضيف على ترابها إبراهيم غالي.
وفي تعليقه على الموضوع، قال الإعلامي والمحلل السياسي، مصطفى الطوسة، إن إبعاد وزيرة الخارجية الاسبانية يشكل مؤشرا قويا تريد من خلاله السلطات الإسبانية تعبيد الطريق نحو تطبيع العلاقات مع المملكة المغربية.
وأضاف الطوسة أن مدريد أقدمت على هذا التغيير، لأن أرانشا جرى النظر إليها بمثابة "عائق مستدام" أمام أي عودة للعلاقات المغربية الإسبانية إلى مجراها الطبيعي.
وينظر طوسة إلى هذه الإقالة بمثابة اعتراف من طرف رئيس الحكومة الاسبانية بأن وزيرة خارجيته أصبحت عبئا يهدد المصالح الحيوية لإسبانيا، عبر استمرار الأزمة مع الرباط، التي لا شك أنها وضعت شروطا لاستئناف الحوار الاستراتيجي مع مدريد؛ من بينها تغيير المُحاور الاسباني.
ويرى الباحث أن إسبانيا أقدمت على هذا التغيير، لأن المغرب بدا متشبثا بوضع النقاط على الحروف في حادثة دخول زعيم البوليساريو إلى إسبانيا.
وقال إن "خروج أرانشا غونزاليس لايا بهذه الطريقة وفي هذه الظروف، يعتبر انتصارا سياسيا للمغرب وهزيمة واضحة المعالم للأوساط المعادية للمغرب والمتعاطفة مع مصالح أعداء وحدة الأراضي المغربية".
وأشار المتحدث إلى أن "المغرب سيحاول استغلال هذه النافذة الجديدة التي ستفتحها إقالة غونزاليس لايا عبر فتح صفحة جديدة مع إسبانيا يكون أساسها احترام الثوابت المغربية التي قد تبدأ عبر اعتراف رسمي من إسبانيا بمغربية الصحراء على خطى النموذج الأميركي، لطي نهائي لصفحة هذا النزاع المفتعل".
ووفق وسائل الإعلام الإسبانية فإن الأزمة الدبلوماسية مع المغرب أهم التحديات العالقة والتي ستكون بانتظاره في مقر الوزارة، وحل مشاكل الهجرة والإرهاب وقضية "خنق" المغرب لاقتصاد سبتة ومليلية.
ونقل الموقع الإسباني “بيبليكو”، عن مصدر دبلوماسي، أن مسألة إعادة العلاقات “في أسرع وقت مع المغرب” لا تتعلق فقط بأهمية البلد كشريك اقتصادي وسياسي وما يلعبه من دور في حماية الحدود، بل أيضا “لوجود ضغوط من أوروبا لحل هذه الأزمة الشائكة”.
وتعتقد مصادر إسبانية أن “العلاقة الوطيدة” التي تجمع وزير الخارجية الجديد بفرنسا، وهي حليف المغرب من الدرجة الأولى، ستساعد على إنهاء الأزمة، وذلك رغم أن وزير الخارجية الفرنسي إيف لودريان نفى هذا الأسبوع قيام بلاده بوساطة بين مدريد والرباط، غير أن مصادر أكدت أن “دور فرنسا أساسي” وسيكون مهما في حل الخلاف القائم.
وفيما يتعلق بالعلاقة بين خطوة الإطاحة بوزيرة الخارجية الإسبانية والأزمة مع المغرب، قال الوزير المتحدث باسم الحكومة المغربية السابق الدكتور حسن عبيابة، إن "تغيير وزيرة الخارجية الإسبانية أمر يهم إسبانيا داخليا فقط، خاصة أن الوزيرة المعنية لم تتوفق في ملفات عديدة منها ملف العلاقات مع المغرب".
وأضاف في تصريح له أن ما يهم المغرب ليس تغيير الأشخاص، وإنما هو تغيير المواقف، خاصة أن الحكومة الإسبانية الحالية لديها مشاكل داخلية متعددة، منها الأزمة الاقتصادية والاجتماعية وعلى جميع المستويات.
ويرى الوزير المغربي السابق، أن "الخلاف المغربي الإسباني تجاوز الأشخاص، لأن ما وقع من خداع للمغرب، واستقبال سري لزعيم جبهة البوليساريو، بهوية مزورة، هو موقف دولة وليس موقف أشخاص، تتحمل فيه الدولة الإسبانية مسؤولياتها والتزاماتها مع المغرب".
وأشار إلى أن "التطورات الحاصلة لا يمكن وصفها بانتصار طرف على الأخر، بقدر ما ترتبط باحترام كل طرف للمصالح الحيوية للآخر، والحفاظ على التوازنات الاستراتيجية الجديدة التي ظهر فيها المغرب كدولة صاعدة، بحكم موقعه وعمله المستمر في المنطقة".
وقال عبيابة إن المغرب استغنى عن إسبانيا جغرافيا وخلق جغرافية أخرى مع البرتغال ودول أخرى في المنطقة، بحكم إشرافه على البحر المتوسط والمحيط الأطلسي، حيث يمكنه أن يختار دول جوار أخرى، أكثر اتصالًا وقربا، عن طريق تجهيز أساطيل بحرية تجارية خاصة به أو مشتركة مع دول أخرى.
وتعتبر إسبانيا هي الدولة الأوروبية الوحيدة التي لها وجود إقليمي في شمال إفريقيا، وبالتالي لها حدود برية قريبة مع المغرب، وتميزت العلاقة بين الجانبين بوجود نزاعات دورية مرّت بعدة محطات.
فالمغرب ولأسباب عديدة يمثل أولوية للسياسة الخارجية الإسبانية. فبالرغم من حالة عدم الاستقرار التام في العلاقات والصعود والهبوط على مستوى المواقف، فقد تميزت العلاقات الإسبانية المغربية بالاستقرار النسبي خلال العقود الثلاثة الأخيرة، خاصة على مستوى المؤسسات وآليات صنع القرار. فهناك ميزتان تقليديتان تميز العلاقة بين إسبانيا والمغرب، ألا وهما القرب الجغرافي، ووجود مجتمع مغربي مهم في إسبانيا يقدر حاليا بأكثر من 800 ألف شخص.
وبالتالي ينتظر أن تكون مهمة وزير الخارجية الجديد صعبة ومعقدة، لأنه ليس من السهل تصحيح أخطاء كارثية للحكومة الإسبانية وإعادة الثقة المفقودة في الحكومة والجهاز القضائي، فضلا عن إعادة هيكلة وزارة الخارجية من جديد بما يتناسب والمهام الجديدة الموكولة له وخصوصا الأزمة بين بلده والمغرب.