الوقت- جميع المؤشرات تشير إلى أن المدينة المستقبلية "نيوم" على ساحل البحر الأحمر و التي وضعتها السعودية كواجهة لخطتها الكبرى والتي تسمى رؤية 2030 في تنويع اقتصاد المملكة تبدو مؤجلة و حلماُ تحطم للعديد من الأسباب، منها قيام السلطات السعودية باغتيال أبرز منتقدي المشروع عبد الرحيم الحويطي، كما يرفض أبناء قبيلة الحويطات ترك ممتلكاتهم من أجل تنفيذ مشروع نيوم الذي تبلغ تكلفته 500 مليار دولار والذي يعتبر استثماراً فاشلاً في ظل وضع اقتصادي صعب تعاني منه السعودية بشكل خاص مع تداعيات فيروس كورونا و تراجع أسعار النفط و الارتفاع المتطرد في صافي الدين السعودي.
مشروع نيوم
كان محمد بن سلمان ، ولي عهد المملكة السعودية ، قد أعلن عن مشروع "نيوم" أو ما يسمى بـ "المدينة الضخمة" في أكتوبر عام 2017 ، وجاء ذلك بعد مرور أربعة أشهر فقط على تعيينه وليًا للعهد في خطوة أثارت الجدل آنذاك ولم تولّد معارضة داخل العائلة المالكة فحسب، بل فرضت أيضًا على محمد بن سلمان إقناع السعوديين الذين يعانون من البطالة المرتفعة وهم مجتمع فتيّ بصورة أساسية، بأن العرش هو حقٌّ له. ويمثل نيوم مشروعاً استثمارياً ضخماً على الساحل الشمالي الغربي من المملكة بتكلفة تقدر بـ500 مليار دولار وسط تشكيك كبير من خبراء اقتصاديين. ويأتي المشروع في إطار استراتيجية وضعها محمد بن سلمان بهدف تحقيق انفتاح اقتصادي وللحد من الاعتماد على عوائد النفط ولتخفيف القيود الإجتماعية الصارمة. وبحسب ماهو مخطط له فإن هذا المشروع سيكون منطقة استثمار خاصة مستثناة من أنظمة وقوانين الدولة الاعتيادية، كالضرائب والجمارك وقوانين العمل والقيود القانونية الأخرى على الأعمال التجارية، ما عدا الأنظمة السيادية، مما سيتيح للمنطقة القدرة على تصنيع منتجات وتوفير خدمات بأسعار منافسة عالميا
إراقة الدماء من أجل الحلم المنشود
في كانون الثاني الماضي، علم أبناء قبيلة الحويطات في شمال غربي السعودية أنهم على مرمى حجر من تهجيرهم من ديارهم في نيوم لأن الحكومة قررت بناء مدينة "نيوم" السياحية ويتطلب هذا من السكان الأصليين في المنطقة التي يشملها المشروع، تسليم ديارهم وأراضيهم إلى الدولة. إلا أن عددا من أبناء المنطقة رفضوا تسليم ديارهم لتمسكهم وارتباطهم بجذورهم التاريخية.
ووفق ناشطين لم يكن أمام السكان سوى تسليم منازلهم ، وتركهم لديارهم سواء كان ذلك بالتراضي أو بالقوة كما حدث مع عبد الرحيم الحويطي. الذي أصبح اسمه من أكثر الأسماء تداولاً في محركات البحث ووسائل التواصل الاجتماعي بعد نشره لمقطع فيديو على تويتر عبر فيه عن رفضه لترك داره وأرضه التاريخية ووصف الحكومة السعودية بـ "دولة الإرهاب" لإجباره بقوة السلاح على تسليم منزله لقوات الأمن استكمالاً لمتطلبات مشروع نيوم. وقد تمسك حتى اللحظة الأخيرة بموقفه ولم يخرج من منزله إلى أن أطلقت قوات الأمن الرصاص عليه وأردته قتيلاً مخلفاُ وراءه ولداُ وبنتين فيما وصفت الرياض العملية بالمداهمة!!
هل أخذ ولي العهد السعودي المسألة شخصية، وقرّر تصفية عبد الرحيم الذي كان يمكن اعتقاله، ومحاكمته كما يحاكم مئات المعارضين بلا أدنى شروط من العدالة والنزاهة؟ هنا يمكن فهم ما جرى في "نيوم"، ففي اليوم الذي قتل فيه الحويطي، أدخل الإصلاحي المحتجز في السجن، عبدالله الحامد، العناية المركّزة بسبب جلطة دماغية، وهو مثل غيره من المعتقلين الذين يعذّبون بالإهمال الطبي الذي قد يفضي إلى قتل السجين.
عندما كان محمد بن سلمان يتحدّث مع "بلومبيرغ" عن "ريفيرا نيوم"، كانت ساعات فقط قد مضت على تقطيع جمال خاشقجي، وقال في المقابلة إن جمال خرج من مبنى القنصلية (!). كل يوم يمضي يثبت لنا أن سفك الدم وبيع الوهم ركنا السياستين السعودية الداخلية الخارجية.
لهذه الأسباب فشل مشروع مدينة “نيوم”
قالت صحيفة “لوبينيون” الفرنسية إن بناء مشروع مدينة “نيوم” المستقبلية وسط الصحراء السعودية، يراكم حالات التأخير والمغادرة للمتعاونين الذين لا يستطيعون تحمل الضغط المُمارس لتحقيق المشروع الطموح لولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان. وأوضحت “لوبينيون” أن المهندسين وجدوا صعوبات في الرد على طلب بن سلمان القاضي بحفر سفح الجبل بارتفاع 800 متر وما يعادل ارتفاع 30 طابقا من أجل إقامة سلسلة من الفنادق والمساكن. ومن بين مطالب ولي العهد السعودي الأخرى، مشروع بناء عشرات القصور، كل منها أكبر من ملعب لكرة القدم، تم اقتراح 50 نموذجاً مختلفاً لها، لكن الفرق التي غادرت المغامرة تتساءل ما إذا كان البعض مستعدا لشراء هذه المباني التي يمكن أن يصل سعر الواحدة منها إلى 400 مليون دولار، بحسب دراسة لخطط المشروع وللقاءات التي أجريت مع أشخاص شاركوا في تطوير “نيوم”. تابعت “لوبينيون” التوضيح أنه خلال اجتماع لمجلس الإدارة في شهر ديسمبر الماضي، تجاهل بن سلمان البدائل التي اقترحها مخططو المدينة الذين قدموا حلولاً أبسط لجعل “نيوم” مدينة خالية من التلوث.
ويشكك بعض موظفي “نيوم” والمسؤولون السعوديون في جدوى المشروع، بحسب “لوبينيون” دائما، موضحة أن صندوق الثروة السيادي ووزارة المالية السعودييْن استثمرا أكثر من مليار دولار في البنية التحتية الأولية والمخططات وعقود الاستشارات ورواتب الموظفين، رأس المال الذي يقول بعض المسؤولين السعوديين إنه كان من الممكن استخدامه بشكل أفضل في أماكن أخرى. يقول مسؤولون آخرون حاليون وسابقون، إنهم غير مقتنعين بأن المستثمرين الأجانب سيشترون بعض مقترحات “نيوم”. كما أنهم يشكّون في قدرة المملكة على تحقيق أهداف المشروع ويقول مسؤولون آخرون، إنهم غير مقتنعين بأن المستثمرين الأجانب سيشترون بعض مقترحات “نيوم”. كما أنهم يشكّون في قدرة المملكة على تحقيق أهداف المشروع.
ويعود أحد الأسباب المهمة في تحطم حلم نيوم إلى الانخفاض الكبير في أسعارالنفط وحرب الأسعار بين السعودية والمنتجين المتنافسين روسيا والولايات المتحدة. بالإضافة إلى ذلك، قللت جائحة الفيروس التاجي الطلب على النفط، الذي تعتمد عليه المملكة بالكامل تقريبا، إضافة إلى الأحداث المتسارعة في السعودية، فقبل إطلاق النار على الحويطي، تم اعتقال اثنين من كبار العائلة المالكة - الأمير محمد بن نايف، والأمير أحمد بن عبدالعزيز - لرفضهما دعم طموح ولي العهد محمد بن سلمان لخلافة والده.
و كانت قد تحدث تقرير نشرته صحيفة واشنطن بوست عن ديون السعودية المتزامنة مع إنفاق متواصل واصفة ذلك بإنها جولة تسوق خارج حدود إمكانيات ولي العهد، هدفها الحقيقي إقناع الدائنين بالاستمرار في منحه الأموال. ويتطلب بناء نيوم أموالاً لا تملكها المملكة, فقد عانت البلاد مؤخراً من عجز في الميزانية، والتزمت بمراهنات عديدة مثل استثمار بقيمة 45 مليار دولار في صندوق مجموعة سوفت بانك.
واستخدمت المملكة الأموال المقترضة من الخارج لتمويل المراحل الأولى من نيوم، وفقًا لأشخاص مطلعين على الأمر.
والأزمة المالية ليست العقبة الوحيدة أمام مدينة المستقبل, على بن سلمان تهجير 20 الف مواطن قسرياً من الأراضي المخصصة للمشروع. و يكمن أحد المعوقات في اعتماد الرياض بالكامل على الاستشاريين الأجانب ما يكشف عن تحدٍ عميق آخر؛ فالمملكة تفتقر تاريخيًّا إلى الخبرة في التخطيط والهندسة والإدارة. أما الأمر المثير أن المشروع، الذي تم تحديده في وثائق التخطيط التي أعدتها مجموعة من الاستشاريين الأميركيين، طموحًا لدرجة أنه يتضمن بعض التقنيات غير الموجودة حتى الآن فهل تأثر محمد بن سلمان بالألعاب الالكترونية المدمن عليها حقاُ؟! حيث كان موقع "دوت سبورتس" المختص في الألعاب الإلكترونية، كشف في مايو/ أيار الماضي أن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، أنفق أكثر من 6000 دولار على لعبة" Dota 2 " الإلكترونية للمشاركة في منافسة 2020 الدولية للعبة. واعتبر الموقع أن هذا الإنفاق الجنوني ليس جديدًا على بن سلمان. وذكر الموقع أن محمد بن سلمان يقضي أوقاتا طويلة في اللعب وكان نشطًا على Steam منذ 2011 ولعب أكثر من 10000 مباراة في Dota، بإجمالي 5.772 فوزًا و5.467 خسارة أي بمعدل فوز بلغ 51 بالمائة. وكشف أن ولي العهد السعودي قضى 9046 ساعة لعب في Dota، إلى جانب ما يقرب من 550 ساعة في Team Fortress
ما خفي أعظم
في ظل العقبات الكبيرة والفشل الذريع في تنفيذ مشروع نيوم و اصرار محمد بن سلمان على تشييد المشروع في ظل افتقار السعودية للقدرات اللازمة قرّر ولي العهد، فتح باب الاستثمار أمام الشركات التكنولوجية والرقمية الإسرائيلية، مع إصراره على بقاء التعاون سريًّا في الوقت الحالي. أيّ إنّ "إسرائيل ستكون بمثابة الركيزة الأساسية في قيام المدينة الذكية" التي ستصبح ـ نتيجة التغلغل الصهيوني فيها ـ أول مستعمرةٍ صهيونيةٍ في العالم العربي، خصوصًا مع مرحلة التطبيع الجاري على قدم وساق.
أما على الصعيد الرقمي، فاستثمار الشركات الإسرائيلية في مشروع نيوم، سيتيح لها السيطرة والتحكم بمفاصل هذه المدينة، لكون جميع المعلومات ستصبّ في نهاية المطاف في قاعدة بيانات تُدار من قلب "إسرائيل" ما سيمنحها نفوذًا استخباريًا أمنيًا هائلًا.هذا وتقوم "إسرائيل" بإنشاء ميناء إيلات التجاري، وتحديث ميناء أشدود وعسقلان لتبدو مشاريعًا "مكمّلةً لنيوم"، باعتبار أنّ المنافع ستكون مشتركة نظرًا لقربها من الأسواق العالمية.
وإذا كان بن سلمان لا يزال يتريث في الالتحاق بقطار التطبيع مع كيان الاحتلال في فلسطين لأسباب تتعلق بموقع السعودية المعنوي وما تشكله من مرجعية للكثير من المسلمين، فإن الاستثمارات الأجنبية التي يراهن عليها بن سلمان لنجاح رؤيته، ستدفعه للعمل وفق استراتيجية التطبيع السري الجار منذ عقود بين "إسرائيل" والسعودية؛ وسيشكّل بالتالي مدخلًا لتغلغل الشركات الإسرائيلية، واستغلال حاجة بن سلمان لهذه الاستثمارات، وخصوصاً على الصعيد التكنولوجي ؛ وهو ما بدأ بالتحقق من خلال إعلان العديد من الشركات الإسرائيلية عن رغبتها في العمل والمساهمة في إنجاز هذه المدينة الرائدة.