الوقت_ لا يخفى على أحد في المجال السياسيّ أنّ النظام الإماراتيّ لا يوفر جهداً في التضييق على حريات التعبير بسبب مخاوف السلطات الحاكمة من زيادة ظاهرة المعارضة الشعبيّة وزيادة الانتقاد لظاهرة الاعتقال ومداهمة البيوت دون اذن قضائيّ، وقد عمل حكام الإمارات بكل ما أوتوا من قوة لكم أفواه معارضيهم في الداخل والخارج، ومؤخراً أعلن حقوقيون وناشطون خليجيون وفاة المعارضة الإماراتية الشهيرة المنفية في بريطانيا، آلاء الصديق، في حادث سير في مكان إقامتها، وسط تساؤلات كثيرة بشأن الجهات التي تقف خلف هذا الحادث، خاصة أنّ الصديق مطلوبة لسلطات بلادها بسبب نشاطها الحقوقيّ الذي بدأ مع اعتقال والدها الداعية وأستاذ الشريعة محمد عبد الرزاق الصديق عام 2012.
تأكّد نبأ وفاة أو اغتيال الناشطة آلاء الصديق إن صح التعبير من قبل أفراد أسرتها ومعارضون إماراتيون في الخارج، بيد أنّهم لم يذكروا أيّة تفاصيل تتعلق بالأخبار التي تتحدث عن تدبير ذلك الحادث من السلطات الإماراتيّة التي تحارب المدافعين عن حقوق الإنسان وتحتجزهم داخل سجونها، في ظل منهج مستبد من الحكام لتقييد حرية التعبير واتخاذ إجراءات لإسكات أصوات المواطنين الإماراتيين وحتى المقيمين الذين يعبرون عن آراء انتقاديّة مهما صغرت أو كبرت، وسواء كانت القضايا اجتماعية أو سياسية فإنّها تعرض أصحابها لسنوات طويلة من السجن، بالاستناد إلى مبررات زائفة.
وظل ارتفاع عدد المعتقلين القابعين في السجون الإماراتيّة رغم إكمال بعضهم فترة العقوبة من دون أي مسوّغ قانونيّ، تحاول سلطات الإمارات كم الأفواه في الخارج لوأد أيّ معارضة في مهدها قبل استفحالها، الشيء الذي زاد الشكوك بتورط حكام الإمارات بقضيّة مقتل الناشطة ألاء، خاصة أنّ صورة حقوق الإنسان في الامارات قاتمة للغاية، رغم واجهة الأبراج المتلألئة في البلاد، والاستقرار السياسيّ الظاهريّ وإنشاء هيئات او إقرار قوانين للادعاء بأنّ الإمارات توفر الحرية لمواطنيها.
وإنّ الحكام في هذه الدولة الغنيّة لا يميزون بين أبناء العائلة المالكة أو المواطنين العاديين، والدليل ما ذكرته محكمة بريطانيّة حول أن رئيس الحكومة، محمد بن راشد آل مكتوم، قد اختطف اثنتين من بناته واحتجزهما، وفي الأيام الأخيرة طرح عدد من الكتاب والناشطين فرضيات تتعلق بالحادث وتدبيره من قبل سلطات أبوظبي، وتساؤلات عن ملابسات ما تعرضت له الناشطة الصديق، وقد أشار الناشط السياسيّ والمؤلف والباحث والأكاديميّ، محمد المختار الشنقيطي، أن الوفاة كانت بعد صدم الناشطة بسيارة بما يشبه "العمل الإجراميّ".
ولا يخفى على أحد أنّ الإمارات التي تقدم نفسها على أنّها دولة مدنية تقدميّة، في منطقة مضطربة ومليئة بالصراعات، تتجاهل مطالب شعبها وتعرض المعبرين عن آرائهم للتعذيب والمحاكمات السياسيّة القاسية إضافة إلى انتهاكات لا حصر لها لحقوقهم في الزنازين، هذا كله أثار الشكوك حول تورط السلطات الإماراتيّة باغتيال آلاء الصديق المطلوبة لسلطات بلادها بسبب نشاطها الحقوقيّ الذي بدأ مع اعتقال والدها عام 2012 ضمن ما يعرف بقضية “جمعية الإصلاح” وهي حركة إماراتيّة دعويّة اجتماعيّة خيرية ذات توجه سياسيّ إسلاميّ تأسست سنة 1974، ومقربة من الإخوان المسلمين الذين تعبرهم الإمارات تهديداً لها.
ومن الجدير بالذكر أنّ آلاء الصديق هي ناشطة في المجال الحقوقيّ وترأست منظمة “القسط” لحقوق الإنسان التي تأسست في آب 2014 على يدِ الضابط السابق في سلاح الجو الملكي السعودي، يحيى عسيري، بهدف توثيق انتهاكات حقوق الإنسان ونشر تقارير عنها، وكانت آلاء مقيمة في لندن، حيث حصلت حق اللجوء السياسيّ، وقامت سلطات أبو ظبي بسحب جنسية والدها الداعية الصديق، وعدد من أبنائه بمن فيهم آلاء، وسبق أن كشفت الأخيرة في مقابلة مع قناة “BBC” الوجه الآخر لبلادها، ومضايقات الإمارات للمعارضين وناشطي حقوق الإنسان، ومن المفترض أن تفرج السلطات الإماراتيّة عن الداعية محمد عبد الرزاق الصديق بعد عدة أشهر، حين يتم محكوميته بالسجن 10 سنوات، تليها مراقبة لمدة 3 سنوات خارج الزنازين.
يشار إلى أنّ وزير خارجيّة قطر، محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، تحدث عن الناشطة آلاء في العام 2018، إذ كشف أن الإمارات طالبت الدوحة بتسليمها، بيد أن الأخيرة رفضت ذلك، ما دفع الصديق لمغادرة قطر نحو بريطانيا، لتحصل على اللجوء السياسي هناك، بعد سحب الجنسية الإماراتية من والدها وأشقائها، وقد نشرت آلاء الصديق مقطع فيديو على حسابها الشخصيّ بموقع "تويتر" شرحت فيه تفاصيل اعتقال والدها أستاذ الشريعة، في أبريل/ نيسان 2012، ومحاكمته صورياً والحكم عليه بالسجن لعقد من الزمن.
ورغم الاصلاحات الكاذبة التي تعلن عنها الإمارات بين الحين والاخر إلا أن وضع المدافعين عن حقوق الإنسان في البلاد لم يتحسن، بل إنه تدهور بشكل كبير حيث عانى العديد من منتقدي الحكومة الإماراتيّة من حالات مروعة وظروف اعتقال صعبة تنتهك القوانين الدولية بشكل فاضح، دون أيّ مساءلة جادة لدولة الإمارات على انتهاكاتها المتصاعدة لحقوق الإنسان، في ظل إدانات دوليّة كثيرة للمنهج القمعيّ هناك.
ويُدرك حكام دولة الإمارات جيداً حجم التهديد الشعبيّ الذي يواجههم، لذلك يدفعون الغالي والنفيس ويتعاونون مع أكثر الكيانات إجراماً، للتخلص من ذلك التهديد، وخاصة بعد أن أُدخلت البلاد في مهّب الريح منذ تولي جهاز أمن الدولة زمام الإدارة، وحول البلاد إلى بؤرة كبيرة من القمع المتفشي، الذي يثير الاحتقان ويزيد من حجم الغضب المتصاعد لدى الإماراتيين، فقد تطاولت السلطات الإماراتيّة بشكل كبير على الحرمات الإماراتية، وعبثت بالمجتمع ومكوناته، بالضبط كما يفعل بقية حكام دول الخليج، لأنّهم غير قادرين على سماع أصوات خصومهم، وبذلك فإنّهم يزيلون المعارضة من جذورها تماماً كالجريمة البشعة التي ارتكبها ولي العهد السعوديّ محمد بن سلمان بحق الصحافيّ المعارض جمال خاشقجي.